لماذا يريدون إسقاط ولاية الرجل على المرأة؟
18 شوال 1437
د. رقية المحارب

حين تنوي السفر لأي دولة غربية أو شرقية، فإنك تبحث في قوانينها؛ فنراك مثلا تتأكد من اكتمال متطلبات التأشيرة ودقة معلوماتها، وتتعامل بعملتها، وتحرص على الالتزام بأنظمتها، وهذا مفهوم .

وحين تُخطب المرأة يقوم وليها بالبحث عن دين وأخلاق ووضع المتقدم لها؛ ليضمن مناسبته من كل النواحي، ثم لا تزوج إلا برضاها.

 

 

 

وحين تحتاج للعلاج يقوم وليها أيضا بتسهيل مهامها، والعناية بها ورعايتها.

وحين تحتاج للسفر تطالب في بلادنا بموافقة ولي أمرها للسفر؛ حرصا عليها وعلى أسرتها، وهو أمر لا يتطلب سوى التصريح بالموافقة عبر نظام وزارة الداخلية الإلكتروني "أبشر"، وهذا كله في الحالات الطبيعية لا يستغرق دقيقة واحدة.

وحين تتعرض للعنف من جانب وليها، فهذه حالات موجودة، لكنها مرفوضة شرعا وعرفا ونظاما، ومستهجنة ومدانة في الثقافة السائدة، ومحاولة تدويلها من قبل جهات عرف عن غالبها ضعف جهودها في الإصلاح الداخلي، يدل على أن الأمر أكبر من دعوة لإنصاف المرأة، وأنها خطوة لإزاحة تشريع تمهيدا لإلغاء آخر وهكذا.

 

 

 

وحين يتم تصوير الأمر بأنه "نقص أهلية التصرف" من جانب المرأة، ليتم استفزاز النساء وجعلهن يشاركن في مقاومته والمطالبة بإلغائه فهذا استغفال للمجتمع؛ لأن تشريع الولاية لا تعني نقصا لأهلية المرأة، بل تكريما وحفظا وتفريغا لمهامها في تربية أولادها، وأن تعيش في حماية ورعاية في منظومة من الآداب والأخلاق التي يلتزم بها الرجل، وبهذا تسير الحياة في أمن وأمان وطمأنينة مع وجود الأنظمة التي تضمن عدم تجاوز أي طرف حدوده.

          وهذا الجانب من تصوير الأمر، وكأنه انتهاك لحقوق المرأة، هو ما تلح على ترويجه منظمات حقوق الإنسان والشذوذ التي بدأت بالمناداة بالحرية وحقوق المرأة - مستغلة ما تسببت فيه الرأسمالية والشيوعية من إهانة للمرأة واستغلال لها- وانتهت بطمس الفطرة وتدمير مؤسسة الأسرة وانهيار المنظومة الأخلاقية للمجتمع.

ومما يرد به عليهم ما تشهده الشام من انتهاك صارخ لحقوق المرأة والإنسان، ولا نرى ما نراه من جهود دؤوبة فيما يخص وضع التشريعات الأسرية في الدول المسلمة.

 

 

 

 

وقبل أن يذهب بنا الرأي بعيدا، فلنتأمل في هذه المسألة من وجهتين؛ شرعية وأسرية:

 

 

أما الوجهة الشرعية فولاية الرجل على زوجته وأولاده نابعة من نصوص ثابتة منها  قوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ"سورة النساء34، قال ابن عباس: {ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ} يعني أمراء عليهن.

وليس معنى ذلك التعسف في التصرف، بل الحماية والنفقة، ويكون كبيرها يرد عنها الشرور ويصونها من الأخطار كما سبق بيانه.

وعلى هذا كان شأن النبي ﷺ ونسائه حتى قال ﷺ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا"الحديث متفق على صحته.

وبهذا تنتظم الأمور وتقل الخلافات.

 

 

 

 

أما الوجهة الأسرية: فالولاية تعني كفاية المرأة من التعرض لما يبعدها عن بيتها، ويوفر لها أمنا، وسكنا يمنعها من التبذل، ولابد لمثل هذه الحماية من احترام وتبعية تضمن عدم الاختلاف والتضارب في الآراء ولهذا قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)سورة الروم21.

وهذا يقتضي التطاوع الجالب للرحمة، والبذل الجالب للمودة.

ولا يمكن لمؤسسة أن تسير بقيادتين، ولا أن تكون الإمرة لاثنين على اثنين؛ لأن هذا يصادم منطق الأمور، فلابد لأحدهما من قيادة، وللآخر من انقياد، فيكون للرجل الإمرة لأمور فطرية، وبما فضله الله في القوة وضبط العاطفة، وبما أنفق من ماله، وليس معنى ذلك إقصاء المرأة أو ظلمها أو انتقاصها، وينبغي أن توضع الأنظمة الصارمة المانعة لأي تجاوز، كما هو الحال في أنظمة الدولة الأخرى في كل مجال، ولكون هذا يتعلق بحياة الإنسان، فالحزم في الحماية من أي ابتزاز أو سوء استخدام أولى من غيره.

 

 

 

 

وإذا كانت الأنظمة البشرية جديرة بالاحترام، لما توفره من الانتظام في الحياة فكيف بالتشريعات الربانية التي تضمن للناس السعادة، إذ هي من خالقهم جل وعلا الذي هو أعلم بهم وبما يصلح شؤونهم (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)سورة الملك14.

وإن مما يثير الاستغراب قيام حملات منظمة تقودها جمعيات غربية، يتم تزويدها بمعلومات ومقاطع لحالات يرفضها المجتمع، ويطالب بوضع القوانين الرادعة، ويتم التغاضي عن النماذج المتميزة لغالب الآباء والأزواج والإخوة والأبناء الذين يقدرون أمهاتهم وبناتهم وزوجاتهم وأخواتهم، ويحرصون على إكرامهن وحفظهن وإسعادهن.

 

 

 

هل تسعى هذه الجمعيات ومن وراءها من بعض بني وبنات جنسيتنا لسعادة المرأة ومصالحها؟ وهل الشواهد في بلادهم تدل على أن المرأة تعيش حياة طيبة؟ أم أن المقصود هو خطوة لتنحية الشريعة تمهيدا لتمزيق المجتمع والترويج للعلاقات بحجة حرية الفتاة ومنع وليها من التأثير عليها لعدم وجود سلطة له عليها، ويتم أيضا تهوين الأمر وفصل الجانب الأخلاقي عن الجسدي لتنقلب المجتمعات المسلمة على عقبيها، ويكون مصيرها كمصير دول شرعت لزواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة، ثم تكون النتيجة شقاء وضياع وانهيار في كل مجال.

وإنما أوجه هذا الكلام لمن في قلبه إيمان واستسلام لأمر الله تعالى وعقل وثقافة، وأما من يريد اتباع هواه والإعراض عن شواهد العصر، فلا أفلح فيه نظام ولا أقنعه دليل.

 

 

 

وإن الواجب على أهل العقول المستنيرة والضمائر الحية والقلوب التقية المساهمة في توعية بناتنا بحقيقة المظاهر الزائفة والمقولات الخادعة والوعود البراقة، وأن ينظروا إلى نهاية ما يريد أعداؤنا بنا في خطوات متدرجة لا تريد الخير بنا كما شاهدناه في سابق الأحداث، وأن يحذروا ممن يضخمون الحالات الشاذة لتكون سببا لهدم بنيان الأسرة بدعوى الإصلاح:

﴿وَلَن تَرضى عَنكَ اليَهودُ وَلَا النَّصارى حَتّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم، قُل إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعتَ أَهواءَهُم بَعدَ الَّذي جاءَكَ مِنَ العِلمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصيرٍ﴾البقرة 120.

اللهم احفظ بلادنا ومجتمعنا من كل مكروه.

.

 

المصدر/ لها أونلاين