إيران.. هل حان أوان تجرع السم.. ثانية؟
11 ربيع الثاني 1437
طلعت رميح

دخلت إيران وضع الارتباك الإستراتيجي على صعيد عمليات صناعة القرار ووصلت حد المأزق، بل بات قادتها أقرب إلى يوم يكررون فيه ما قاله الخوميني عن تجرع السم. والشواهد على ذلك متكاثرة الآن.

 

ففي الأيام الأخيرة، لعبت إيران ذات اللعبة التي كانت لعبتها من قبل، وكأنها لا تدرك أن تكرار ذات اللعبة في ظرف مختلف،لا يؤدي لنفس النجاح الذي تحقق حين جرت اللعبة الأولى. أعادت إيران تكرار مشهد الاعتداء على السفارات الذي أدمنته – وهذه المرة ضد السفارة السعودية لا الأمريكية ولا البريطانية- دون أن تأخذ في تقديراتها مدى الاحتشاد العربي والإسلامي في مواجهتها.

 

لم تدرك أنها وفرت وقودا وحطبا وأشعلت نارا ضدها في لحظة يجري مواجهة نفوذها واحتلالها في سوريا والعراق واليمن. لقد أسهمت إيران بأيديها في حشد الرأي العام ضدها، وهي طرحت بنفسها على الآخرين، ضرورة عزلها في العالم الإسلامي باعتبارها دولة يسودها الانفلات وتتعدد فيها مصادر القرار.

 

وغير بعيد عن نمط أحداث العنف، كان ثمة خطأ إستراتيجي آخر، هناك في نيجيريا، إذ تحرك مركز نشاطها هناك، وانتقل إلى خطوة العسكرة قبل أوانها، فكان أن أدخلت "قاعدة نشاطها" في اختبار لا قبل له به، إذ كانت النتيجة المباشرة أن تدخل الجيش النيجيري وحسم الموقف بالقوة الخشنة، وفي ذلك أصبح نشاط التشيع الذي عمل في نيجيريا منذ الثمانينات، دون مراقبة أو مواجهة، واقعا تحت ضغط عسكري دائم.

 

تلك التصرفات التي جرت مؤخرا، تكشف عن ارتباك قد يكون ذا طبيعية وقتية، إلا أن هناك من السلوك الإستراتيجي الإيراني ما يشير إلى ارتباك أعلى في صناعة القرار، بل ما يشير إلى أن إيران باتت في وضع أقرب لوضعية من نصب لنفسه فخا وصار يغلق على نفسه أبواب النجاة، كلما تحرك أكثر.

 

لقد جاءت المواقف الإيرانية المساندة للقوات الأمريكية في احتلال العراق لتخمد البريق الذي أحدثته الثورة الإيرانية، وجاء تشكيل إيران للميلشيات الطائفية في العراق وما ارتكبته من أعمال قتل وإرهاب وتعذيب وتهجير للسكان، ليقلب الصورة التي رسمتها إيران لنفسها كدولة ممانعة ومقاومة، وليظهر البعد الطائفي المقيت لسياساتها.

 

ومن بعد، وإذ لم تقيم إيران مخاطر ما فعلت بنفسها، وإذا تمادت، فكان أن ارتكبت الخطأ الإستراتيجي الثاني وهو أشد فداحة عليها، إذ وقفت طهران خلف الأسد وصارت جزءا من آلة القتل الوحشية للشعب السوري، وفي تلك المعركة صارت إيران في وضع القاتل للسنة على العموم – من العراق إلى سوريا- وفي كل مكان، وفي وضع الداعم لأنظمة ديكتاتورية ضد شعوب تطالب بالحرية، فوسعت طوابير المعادين لها، بل هي أفقدت ميلشيا نصر الله كل ما كانت قد حققت من سمعه ودعاية سياسية.. إلخ.

 

ومرة ثالثة لم تتوقف إيران لتفكر وتقرر، بل استمرت باندفاعها في نفس الاتجاه، وأعطت الضوء الأخضر لأتباعها الحوثيين بالانقلاب على الثورة الشعبية اليمنية والسيطرة على السلطة السياسية بالقوة المسلحة،اعتمادا على حسابات تتعلق بالتحالف مع الرئيس المخلوع وبتوهم إمكانية نجاح أساليب الرشي القبلية في القفز على الحالة الطائفية وفي صناعة التفاف حول الانقلابيين. لم تحسب إيران رد الفعل السعودي والخليجي والعربي والإسلامي، فيما الأمور كانت واضحة أمامها، إذ كان بإمكانها القياس على تحرك قوات درع الجزيرة لمواجهة أتباعها في البحرين حين حاولوا الانقلاب على الحكم القائم.

 

هذا التكرار والإصرار الممتد لفترة زمنية طويلة وهذا السير في نفس الاتجاه، يظهر أن الأمر لا يتعلق فقط بأخطاء في الحسابات، بل بطبيعة الأهداف التي سعت إليها إيران. نعم، سبب ارتكاب كل تلك الأعمال يعود إلى أن إيران ذات مطامع استعمارية، وأنها حددت لنفسها أهدافا استعمارية تفوق طاقة قدرتها. طبيعة تلك الأهداف وطبيعة نظرتها للآخر – كدولة استعمارية- هو ما جعلها توظف أتباعها ليكونوا وقودا لتحقيق أهدافها، وهو ما جعلها توغل في دماء الآخرين – فالمستعمر لا قيمة للبشر لديه- وهو ما وفر مساحة واسعة من العداء لها. وقد جاء وقوفها في صف الأنظمة الديكتاتورية ورعايتها لميليشيات طائفية مجرمة، واعتمادها نمط الاحتلال الاستيطاني في العراق وسوريا، ليوحد الجميع ضدها وهو ما أوجب وأوجد أشكالا عميقة من المقاومة المسلحة في مواجهتها. بل هي من وفرت النموذج لتفككها الداخلي بين الأقوام الشعوب والقوميات في داخل مجتمعها حين سعت لتفكيك المجتمعات العربية والإسلامية. وهكذا إذ حققت إيران اختراقات ونجحت في احتلال عواصم دول عربية وصارت تتحدث عن توسعها الإمبراطوري وتشيد بميلشياتها في لبنان واليمن، صارت رغم كل ما حققت في وضعية الخيارات المرة والأشد مرارة.

 

ارتكبت إيران أخطاء، سمحت بتجييش الرأي العام العربي والإسلامي ضدها، وهي نفسها من دفعت أنظمة الحكم العربية دفعا لمواجهتها، وهي من وسعت رقعة اشتباكها في كل المحيط، وهي من لم تدرك مغزى ودلالات إعلان المملكة العربية السعودية عن تشكيل التحالف العسكري الإسلامي دون انضمامها له – ومن قبل لم تدرك مغزى إطلاق عاصفة الحزم لحرب أتباعها في اليمن- ولم تفهم دلالات وتأثير عدم قدرتها على التدخل، وكذا لم تدرك دلالات عدم قدرتها على كسر الثورة الشعبية في سوريا ووقوفها عاجزة رغم كل ما فعلت أمام تنظيم الدولة في العراق، ومن قبل ومن بعد، هي لم تحسب حساب يوم تتحرك الشعوب والحكومات الإسلامية ضدها وميلشياتها فصارت الآن في وضع الارتباك الإستراتيجي، حتى لم يعد مستبعدا اليوم الذي نرى فيه الخامنئي يردد مقولة الخومينني: إنني أتجرع السم....

 

نعم ستكون إيران قريبا في مواجهة تلك اللحظة.

 

المصدر/ الشرق