الغرب ومراجعة سياسته مع الاكثرية في العالم العربي
1 ربيع الثاني 1437
أحمد عجاج

بعد احداث 11 سبتمبر الارهابية،  وامام هول الصدمة، كتب مفكرو الغرب تحت يافطة عريضة: " لماذا يكرهوننا" وسعوا باحثين عن الاسباب التي دعت هؤلاء " الارهابيين" الى ضرب الولايات المتحدة في عقر دارها. نحن الان، امام التمدد الايراني، وبمواجهة القصف الروسي الوحشي في سوريا، واللامبالاة الامريكية، والتفرج الغربي، نتساءل: لماذا يكرهنا هذا الغرب؟

 

 

 

 

خمس سنون مضت على الثورة السورية مُسِحَتْ خلالها مدن، وهُجِّر الملايين، وقُتِل المئات من الالوف، وحُصورت مدن، وظهر بعض سكانها في مضايا وغيرها مقوسي الظهور، ملتصقة جلودهم بعظامهم من أثر الجوع، فلا يتحرك لهم قلب في عواصم الديمقراطية، ولا يفزعُ لهم صُناع القرار الكبار. ما نراه هو صمت مريب، واستمرار لسياسية: "لا اوافق على ما يجري، لكن لا يضرني أبدا". هذا الواقع يقابله واقع يتشكل في العالم العربي (السني) بأن العالم يتآمر ضده، وان الغرب، ومعه روسيا، مصممان على تسليم العالم العربي الى ايران، والى الاقليات، تحت شعار حماية الغرب من خطر الارهاب. هذا الواقع يعزز، بالتحديد، الشعور لدى النخب العربية بأن ثمة مؤامرة، وانه لا بد من الاستفاقة،  وقناعة ايضا أن الغرب لا يؤمن بالحرية والليبرالية وحقوق الانسان عندما يتعلق الامر بالعرب، وأنه لاتؤتمن عهوده ومواثيقه. وتستحضر هذه النخب العربية التاريخ لتعزز شكوكها وتثبت قناعاتها؛ فعندما اعلن الرئيس الامريكي ولسون، أثناء الحرب العالمية الاولى، مبدأ حق الشعوب بتقرير مصيرها، وتشكلت آنذاك عصبة الامم،  اكتشف العرب، بعد وضع الحرب اوزارها، بأن تقرير حق المصير ليس لهم بل لدول اوروبا بحجة ان العرب لم يتحضروا بعد، وكم كانت خيبتهم كبيرة بعدما تخلوا عن الدولة العثمانية، المنغلقة في  اواخر عهدها على القومية الطورانية؛ وكانت النتيجة المحزنة انهم لم ينالوا الاستقلال، وزرعت على ارضهم دولة اسرائيل الطائفية وخسروا الخلافة التي كانت توفر لهم على الاقل نوعا من الشعور بالعزة! كذلك خُدعت النخبة العربية في العصر الثمانينات مع سقوط الشاه، واعلان الخميني الدولة الاسلامية، لتكتشف بعد وقت قصير انها إيران تخطط ليس لقيام الامة بل لبروز الطائفة، وتعمل على توسل الدين لنيل خيرات العالم العربي.

 

 

 

 

 

 وجاء الربيع العربي، وسارع الغرب، كعادته، الى مناصرة تلك الشعوب التي انتفضت لتكتشف بمرارة ان الغرب، كما هو عادته، كاذب ومخادع، وإنه سيقبل بأن تُذبح على مرآى عينيه، وليس لديه استعداد لأن يذرف دمعة واحدة؛ ومَنْ لا يصدق فليسمع ما قاله اوباما، عند انتفاضة الشعب السوري، بأن على الاسد ان يتنحى؛ لكن الاسد ما زال يقتل، ويدمر، ومعه ايران، واخيرا جاءت روسيا لتقضي على ما تبقى من الشعب السوري! أوباما لا يزال يزمجر: على الاسد التنحي! ومع اشتداد الخطب، وفشو الكراهية المذهبية بعد تسليم العراق لإيران، وانكشاف الاقنعة، يبقى السؤال الاهم: كيف نخرج من هذه الحلقة المفرغة، وكيف نفسر هذه الكراهية للعرب؟

 

 

 

 

 

إن من اولى الخطوات الضرورية لمعرفة اسباب الخروج من هذا المأزق هو انه يتوجب على الغرب النظر بموضوعية لسياسته، وعندها سيعرف تماما أنها تُعمق الشك في العقول والكراهية في قلوب ابناء العالم العربي، وأنه ما لم يحجم الغرب عن سياسة تثبيت الاقليات على حساب الاكثرية فإن العداء له في ازدياد. ما نراه أمام اعيننا هو ان امريكا واوروبا، ومعهما مؤخرا روسيا، يعملون على تقوية الاكراد، والاشوريين، وغيرهم من الاقليات، لتمكينهم تحت شعار مواجهة داعش؛ هذه الاقليات المذكورة، كما نشاهدها، تُوجه بنادقها الى صدور المعارضة المقاتلة لنظام الاسد، والتي يفترض انها  المفاوض المدعوم من الغرب لإجراء مفاوضات مستقبلية حول مستقبل سوريا!

 

 

 

 

 

 

 الخطوة الثانية التي على الغرب التظر لها هي انه يوافق على سياسة الارض المحروقة التي تنتهجها روسيا لحرمان الثوار من الدعم البشري وحرية التحرك؛ وإلا فليفسر يفسر لنا لماذا يصمت على هذا التدخل الروسي المريب، والمدمر لكل القيم وحقوق البشر! علاوة على ذلك فإنه يجهد في سبيل تفكيك المعارضة تحت شعار دعمها، من خلال عملية فرز اعتباطية بين من هو ارهابي ومن هو ليس ارهابي! والغريب المحزن أن هذا الغرب الذي تطلعت له نخبنا يرى أن من يذهب لسوريا، إن كان مسلما، ولو لعمل انساني هو ارهابي، بينما ينظر، لمن يخرج الى سوريا للقتال في صفوف الاكراد، كمثال، هو مقاتل من اجل الحرية، ويظهر على الشاشات، ويعبر عن مشاركته وشعوره! والاغرب ان بوتين هو الآخر انضم الى صف جوقة محددي الارهاب الغربية ويعرف العالم كله مدى بشاعة ارهابه في الشيشان واكرانيا!

 

 

 

 

 

 

 

على الغرب أيضا ان يولي اهمية لمواثيقه وعهوده من خلال التزامه بها لأن ما نراه هو انه عازم على بيع اصدقائه بالجملة؛ فالمملكة العربية السعودية، كمثال، كانت الحليف الوفي للغرب في الحرب الباردة، ولا تزال، لكنها تجد نفسها، الان، مهمشة في جدول الاولويات الامريكية. فأمريكا، ومعها اوروبا، فاوضا سرا ايران وتوصلا الى اتفاقات، ولم يطلعا حليفهما السعودي القلِق من التمدد الايراني، والخائف على مصيره ومصائر العالم العربي. وليت الامر توقف عند المملكة بل تعداها الى حليف الغرب وشريكه في حلف الاطلسي؛ فتركيا تجد نفسها مكتفة اليدين امام سياسة امريكا المؤيدة لدويلة كردية تقوم كأمر واقع على الحدود مع تركيا! حتى عندما حُرقت السفارة السعودية في طهران، والقنصلية في مشهد، لم تخرج اية ادانات حازمة، بل رأينا الغرب يقلب المعايير ويصف، دونما تثبت، من يستخدم العنف بأنه معارض سلمي، ويدين من يطبق القانون بأنه منتهك لحقوق الانسان!

 

 

 

 

 

 

لا يمكن فهم سياسة الغرب إلا على انها تصب بالفعل في خدمة المشروع الايراني، وتساهم في تثبيت حكم الاقليات الذي من تجلياته تفتيت دول العالم العربي، وارجاع أهله الى ما هو اسوأ من تقسيمات الحرب العالمية الثانية؛ ولهذا ليس غريبا ان يرى العالم العربي انه مهدد في ارضه، وعرضه، وفي دينه، وأن أهله يذبحون بالجملة، ولا يسمع العربي حتى كلمة رثاء في صحف العالم الغربي المتحضر إلا ما ندر!  لا بل نرى ا صرارا من نخب الغرب المتحضرة، رغم كل الدلائل، على ان الاسلام السني هو حاضنة للارهاب، ومُفرِّخ للقتل، ولا تكلف هذه النخب نفسها عناء البحث والنظر لتدرك ان الارهاب ليس حكرا على مذهب بعينه، وان هذا الارهاب يحصد المسلمين السنة قبل غيرهم، ويطالهم وبالجملة.

 

 

 

 

 

 

هذا كله يعمق شعور المرارة لدى الشعوب العربية، وبالتحديد لدى الاكثرية (السنية) في العالم العربي وترى تلك الشعوب انها محقة في شكوكها تجاه الغرب، وان ما تشتكي منه مؤيد بالادلة والقرائن؛ وحتى لا يتحول هذا الشعور الى عداء مستحكم تكنه الاجيال العربية القادمة للغرب، وحتى لا تكفر بقيمه الديمقراطية، ولا بتعهداته وشعاراته، يتوجب على الغرب ان يستقيظ من حالة الاستهبال، وان يبدأ بالفعل مراجعة  سياسته مع الاكثرية في العالم العربي لأنه إن راجعها سيكتشف بسهولة سبب الكراهية، وسيعرف ان علاجها بسيط، وأبسط مما يتصور، وسيدرك ان مصالحه ليس مع الاقليات بل مع الاكثرية التي حفظت ولا تزال، وستستمر في حفظها لأن ذلك جزء من تاريخها، واساس في صلب عقيدتها ومبادئها.

كاتب ومفكر لبناني