اسقاط ايران في سوريا: الضمانة الأقوى لدول مجلس التعاون
30 رجب 1436
علي باكير

كما كان متوقعا، لم تأت قمّة كامب دايفيد التي جمعت الادارة الامريكية مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي قبل عدة أيام للتباحث في التطورات الجارية في منطقة الشرق الاوسط وتداعيات الاتفاق النووي الامريكي – الايراني بأي جديد لناحية ما تمّ اقتراحه على دول المجلس، اذ بدا أنّ اوباما لا يمتلك ما يستطيع تقديمه لدفع الهواجس المتأتّية عن اتفاقه النووي مع ايران او انّه لا يريد أن يقدّم شيئا طالما انّ ليس هناك ما يجبره على ذلك.

ولهذا، فقد انتهى الاجتماع دون ان يقدّم اوباما التزاما بالدفاع عن هذه الدول حال تعرضها لأي عدوان كما هو الحال على سبيل المثال مع اليابان أو كوريا الجنوبية، ودون أن يُقدِم على اي معاهدة أو اتفاقية دفاعية، ودون حتى ان يعرض ولو شكليا التزامه بمنحها صفة الحليف الاساسي من خارج حلف الاطلسي، علما انّ هذا الخيار لا يقدّم الكثير كما سبق وشرحنا في مقال سابق.

بدا واضحا جدا خلال المحادثات أنّ ادارة أوباما تحاول انتزاع اعتراف من قبل دول المجلس بالاتفاق النووي الاميركي – الايراني كأمر واقع، كما تركّز على إنتزاع إلتزام من دول المجلس بمحاربة الجماعات الارهابية "المحسوبة على جهة واحدة" والتي تشكّل هاجسا أمريكا وتعتبر الشغل الشاغل الذي يجب محاربته والقضاء عليه دون الالتفات الى الأسباب التي اوجدت هذه الظاهرة وضرورة مواجهتها.

وحتى في القضايا الأقل تعقيدا والاكثر وضوحا كما هو الحال في الملف اليمني والسوري والعراقي، لم تقدّم الادارة الامريكية اي شيء يذكر، بل حرص  أوباما على القول بطريقة غير مباشرة أن لا ضمانات لدول المجلس ولا حتى ضغوط على ايران لاجبارها على تغيير سياساتها.

كل ما هنالك انّ أوباما، وفي مقابل الحصول على تأييد دول المجلس للاتفاق الامريكي- الايراني والالتزام بمحاربة الارهاب، عرض عليهم بيع المزيد من الاسلحة (ليست الاكثر تطورا بالمناسبة مراعاة لاسرائيل)، كما عرض تطوير التعاون في مجال الدفاع الصاروخي والدفاع الالكتروني.

التعاون في المجال الدفاعي الصاروخي ليس أمرا سيئا، لكنه مشروع قديم ولا يقدّم الحلول المطلوبة للرد على التهديدات الايراني المتأتّية عن سياسات نظام الملالي العدوانية غير التقليدية والتي تعتمد بشكل اساسي على الارهاب والاستراتيجيات اللاتناظريّة باعتبارها أبرز ما يقلق دول المجلس والمنطقة وليس قدرات ايران العسكرية التقليدية.

كما أنّ عرض موضوع التعاون في المجال الدفاع الصاروخي يطرح علامات استفهام على عدد من النقاط أهمّها: ما الحاجة الى هذا الامر اذا كانت واشنطن تعتقد انّ الاتفاق النووي مع ايران سيجعلها دولة اكثر عقلانية والتزاما بالقانون الدولي وانخراطا في النظام العالمي؟!. هذا يعني اما ان واشنطن غير متأكدة من انعكاس اتفاقها النووي على سلوك ايران الاقليمي -وهناك بيت القصيد الذي لن تنفع معه منظومة دفاع صاروخي-، واما انّها تريد ان تستغل هذا التعاون لبيع المزيد من الاسلحة ولربط الشبكة الدفاعية بدول اخرى غير عربية، وربما الاحتمالان معاً.

في جميع الاحوال، دول الخليج بحاجة للتركيز أكثر على الهجوم وليس على الدفاع. اذا كان هناك من شيء قد تعلّمناه عن السياسات الايرانية التخربيية خلال العقود الثلاثة الماضية فهو انّ الركون الى الجانب الدفاعي مع النظام الايراني لا ينفع، وانما يزيد من عدوانيته ومن شهيّته على فرض المزيد من الهيمنة والتوسّع، وهذا يعني الحاجة الى أنظمة وأسلحة هجومية لكبح جماحه ولخلق قوة ردع وليس الى أنظمة دفاعية فقط.

المشكلة الاخرى هي انّ الولايات المتّحدة من أكثر الدول في العالم تحفظا في مجال نقل التكنولوجيا، وما تحتاج اليه دول الخليج حقيقة ليس شراء المزيد من الاسلحة وانما نقل التكنولوجيا. وفي هذا السياق، يجب البحث عن الدول المستعدة لنقل التكنولوجيا، ولا يبدو انّ الولايات المتّحدة هي الشريك المناسب لهذا الأمر. هناك دوما من هو مستعد لنقل التكنولوجيا مقابل المال.

في الملف السوري، شدد أوباما وادارته خلال اللقاء مع قادة دول المجلس على ان لا مكان للأسد في مستقبل سوريا. هذا كلام جيّد، لكن ما الجديد فيه؟ أوباما يبيعنا مثل هذه التصريحات منذ اليوم الاول لاندلاع الثورة السورية، لا بل منذ اليوم الاول من قدومه الى البيت الأبيض، وهو لم يدّخر أي جهد في سبيل تعطيل وافشال كل المحاولات الحقيقية التي بذلت للاطاحة بالنظام السوري منذ ذلك الوقت وحتى الآن، وهي سياسة اعاد التأكيد عليها بعد يوم واحد من اجتماعه بقادة دول مجلس التعاون في كامب ديفيد عندما قال انّ الأزمة في سوريا لن تنتهي على الارجح قبل رحيله عن البيت الابيض مطلع عام 2017، مجددا التأكيد على قناعته بانه ليس هناك “حل عسكري”.

الحقيقة التي يجب ان تتنبّه اليها دول المجلس هي انّ اسقاط المشروع الايراني في سوريا سيكون له نتائج عظيمة تفوق كل ما يمكن للامريكي أن يقدّمه من ضمانات (هذا على فرض انّ لديه النيّة او الارادة). اسقاط ايران في سوريا وانهاء نفوذها هناك بشكل كامل تماما هو الضمانة الأكثر فعالية في مواجهة أي سياسات ايرانية تخريبية مستقبليّة.

وكما سبق وذكرت في مقالات سابقة، فسوريا هي بمثابة عامود الخيمة للمشروع الإيراني الطائفي في المنطقة، والعمل على إسقاط هذا العامود سيؤدي الى تراجع التهديد الايراني في المنطقة برمتها. كلّما اسرعنا في تحقيق هذا الامر وفي المساعدة على ولادة نظام يمثّل تطلعات وآمل الشعب السوري كلما كان التراجع الايراني في المنطقة أسرع، على اعتبار انّه سيؤدي الى فصل المركز عن المحوار.

الشعب السوري ينفر اليوم من كل ما هو ايراني، ومن البديهي انّ ترك الناس يختارون نظامهم سيفرز نظاما حسّاسا تجاه اي معطى ايران نظرا لدور نظام الملالي في تدمير سوريا وقتل شعبها، وهذا سيكفل لاحقا عزل حزب الله في لبنان ممّا يسهّل ايضا ايجاد الحلول والطرق المناسبة للتعامل معه ومع دوره واجرامه الموصوف كاداة ايرانية.

ولا شك انّ مثل هذه الحالة سيكون لها انعكاساتها على وضع حلفاء ايران في العراق وعلى وضع المكونات العراقية الوطنيّة المعاديّة لايران والتي تنظر اليها على انها قوة احتلال وغزو مما يسهّل بدوره عزل أدوات ايران في العراق بحيث تصبح تكاليف اتّباعهم لسياسات طهران أكبر من أن يتحملوها. 

كل ما نحتاج اليه في الملف السوري بالاضافة الى الجهد المبذول داخل سوريا، هو خطوة اقليمية الى الأمام ، وهذا امر من الممكن تحقيقه ويجب دفع الاتراك لأن يأخذوا زمام المبادرة فيه ايضا بدعم خليجي وعربي كامل بعد الانتخابات البرلمانية القادمة وبما يؤدي في المحصّلة الى جر الولايات المتّحدة الى موقف المؤيّد جرّا، ويسمح ايضا باختبار السلوك الايراني بعد الاتفاق المزمع توقيعه قريبا.