ما السرُ وراء تصرفات أردوغان
29 جمادى الثانية 1436
نيهال بلغصو كاراجا

لقد فاجأت انتقادات اردوغان للتطورات الحاصلة في عملية السلام الكثير من المتابعين. إذ صرّح رئيس الجمهورية بأنه لا يرى لقاءات 28 شباط الماضي في قصر دولما بهتشة صحيحة واعترض على أداء هيئة المراقبة.

خلاصة هذا الاعتراض أن مطالب إمرلي – قنديل – حزب الشعب الديمقراطي تحوّلت إلى استغلالٍ واضح وأن تنفيذ الحكومة لهذه المطالب يعطي الشرعية لها ولأصحابها. وهذا خطأ كبير.

 

ألم تتم استشارته من قبل يا ترى؟

هذا احتمالٌ غير وارد أساساً. لكن الاستشارة تختلف بالتأكيد عن أخذ الموافقة. حتى الاستشارة التي تكلمنا عنها يمكن لها أن تأخذ أشكالا وأوجها عديدة.

لا يرى أردوغان نفسه رئيساً للجمهورية بالنيابة عن أحد الأحزاب لكن هذا الوضع لا يستند إلى أرضية قانونية. لكي يتم هذا الامر بالشكل القانوني لا بد أن يجمع النصاب الكافي لتحويل النظام إلى رئاسي أو بالأحرى زيادة عدد نواب العدالة والتنمية في البرلمان التركي.

 

 

ويحاول داود أوغلو أن يؤمّن طريقاً سهلاً وسليماً لهذا الموضوع بالإضافة إلى الدفع بقوة باتجاه استكمال المشاريع التي تقدمت بها الحكومة للشعب. وكلنا نعلم جيداً الأزمة التي سنعيشها في حال لم يتمكن حزب الشعب الديمقراطي من دخول البرلمان بالرغم من تخطيه الحد الأدنى في الانتخابات. وبالتالي فإن تسهيل عملية الانتخابات والوفاء بالوعود وتنفيذ المشاريع لا يعني حتماً أن حزب العدالة والتنمية سينال أصواتاً أكثر في الانتخابات المقبلة.

ومن هذا المنطلق نستطيع فهم تحركات حكومة داود أوغلو ويالتشن أكدوغان لمنع توقف عملية السلام. من جهة أخرى يريد أردوغان أن يكون على إطلاعٍ كامل بكافة التفاصيل ويرى أن الإقدام على بعض الخطوات من غير موافقته غير صحيح. على الأقل هذا ما يظهر لنا.

تقول النظرية أن رئيس الجمهورية لا يجب أن يتدخل في كل تفصيل من تفاصيل العملية السياسية. إلا أن أردوغان هو رئيسٌ منتخب من الشعب وهو رئيسٌ ممارسٌ للسياسة وأعطى وعوداً للشعب بذلك وعلى هذا الأساس تم انتخابه.

ولا أحد ينسى أن العقل المدبر لعملية السلام هو أردوغان نفسه.

 

 

كما أنه لا يستطيع أحد أن يقنع الشعب بضرورة المصالحة مع الأكراد واستمرار عملية السلام أكثر من أردوغان. وكلنا يعلم تحوّل الرأي العام التركي بهذا الشأن بفضل جهود أردوغان بالرغم من كل الأحداث الدموية وأعمال الشغب التي تسبب بها المسلحون الأكراد.

إذا كان الأمر كذلك فإن رأي أردوغان في الموضوع مهمٌ جداً.

لكن هنا نتساءل: لماذا يضع أردوغان المسالة الكردية وعملية السلام في خانات مختلفة؟

يرى أردوغان أن المشكلة الأساسية في المسألة الكردية قد تم حلها بمجرد الاعتراف بوجود المشكلة بعد انكارها لفترة طويلة من الزمن واليوم تعاد من جديد عملية الانخراط بالمجتمع في تركيا بين الأكراد والأتراك من خلال إعطائهم حقوقهم.

 

 

أما عملية السلام بالنسبة لأردوغان هي بإنهاء الكفاح المسلح الذي بدأه الأكراد عن طريق تنظيم غير شرعي.

لم يعط أردوغان وكثير من السياسيين الأتراك الموافقة لإنشاء كانتون أو فدرالية كردية داخل حدود الدولة الكردية. كان هذا القرار منذ البداية وما زال حتى اليوم. ودعونا نكن صادقين مع أنفسنا قليلا، ما هي الفائدة وراء انعقاد مؤتمر لإعلان شيء قد تم الاتفاق عليه والإعلان عنه سابقا مثل إلقاء السلاح؟

 

 

في الحقيقة إن ما يقوم به قنديل مكمّلٌ لما تقوم به القيادة السياسية في إمرلي من أجل تحويل الموضوع إلى قضية للتفاوض في ظل الأحداث الجارية في المنطقة. ولهذا السبب هناك العديد من الحروب الباردة التي تحدث تحت مسمى عملية السلام خاصة عندما تلقي الولايات المتحدة الأمريكية بالتهم على تركيا بتحمّل مسؤولية المدنيين القتلى في سوريا الذين يموتون على يد داعش وهي التي أعطت الضوء الأخضر لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا.

ربما لا يستطيع الشعب أن يعرف كل هذه التفاصيل إلا أنه يشعر بالأمر بعد حدوثه ولهذا السبب فإن الدعم المادي والمعنوي المقدم لحزب العمال الكردستاني سوف يؤثر سلباً على حزب العدالة والتنمية من ناحية حشد الأصوات في الانتخابات القادمة.

 

هذه هي خطة أردوغان الخلفية. ولا أعتقد أنه يفكر فقط بالانتخابات. لن يتغير تصرف أردوغان تجاه “أجندات” حزب الشعوب الديمقراطي وإمرلي في هذا البلد.

 

 

المصدر/ تركيا بوست