قصة تصدير الجهاديين من تركيا
27 ذو القعدة 1435
إسماعيل ياشا

أيام الجهاد في أفغانستان ضد القوات الروسية شارك الشعب التركي مع الشعوب المسلمة الأخرى في نصرة الشعب الأفغاني الشقيق، وهب عدد من الشباب الأتراك للالتحاق بالمجموعات الجهادية المختلفة للقتال في جبال هندوكوش ووادي بنجشير، كما ذهبوا فيما بعد إلى البوسنة والهرسك وإلى الشيشان وغيرها من ساحات الجهاد في سبيل الله لنصرة إخوانهم المسلمين المضطهدين.

 

السلفية بمختلف تياراتها تعد في تركيا «فكرة دخيلة» على المجتمع، وهي انتقلت من العالم العربي إلى تركيا من خلال الكتب المترجمة والطلاب الذين درسوا في الدول العربية والمقيمين العرب، إلا أن التيار الأقوى من بين التيارات السلفية هي ما يسمى «السلفية الجهادية» التي حُملت من ساحات الجهاد، بالإضافة إلى ترجمة كتب مُنَظِّري هذا التيار. لم يكن معظم هؤلاء الشباب يحملون أفكار تيار «السلفية الجهادية»، ولكن بعضهم تعرف على تلك الأفكار في جبهات القتال. ومع ذلك يظل عدد المنتسبين له ضئيلا للغاية بالمقارنة مع عدد المنتسبين للجماعات الإسلامية الأخرى، وليس له تأثير كبير بسبب طبيعة المجتمع التركي المعروف بتدينه التقليدي .

 

صحيفة نيويورك تايمز الأميركية نشرت قبل أيام تقريرا تحت عنوان «تجنيد عناصر داعش في حي حجي بيرم في أنقرة» مرفقا بصورة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه أحمد داود أوغلو أثناء خروجهما من المسجد المذكور. وزعمت الصحيفة أن ما يقارب من ألف تركي انضموا إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف إعلاميّاً بــ «داعش»، وأن حي «حجي بيرم» بالعاصمة التركية يصدر العشرات من الشباب للقتال في صفوف هذا التنظيم.

 

التقرير الذي نشرته نيويورك تايمز لا يستند إلى معلومات موثقة، بل يعتمد بالدرجة الأولى على «قيل وقال»، وما ذكره «شاب طلب عدم الإشارة سوى إلى اسمه الأوسط خوفا من الانتقام منه»، و»رجل لم يفصح إلا عن الأحرف الأولى من اسمه «ت.س» خوفا على نفسه». وما ورد في التقرير يتعارض تماما مع الأرقام التي نشرتها مراكز الدراسات، وكذلك مع الحقائق السوسيولوجية، وأما نشر صورة مع هذا التقرير يظهر فيها أردوغان وداود أوغلو وهما يخرجان عقب صلاة الجمعة من مسجد «حجي بيرم» فمحاولة رخيصة لتصوير الحكومة التركية في أذهان القراء مرتبطة بقصة تصدير المقاتلين إلى «داعش»، وتتنافى مع المهنية الصحافية، الأمر الذي أقرته الصحيفة نفسها، ونشرت اعتذارا عن هذا «الخطأ غير المتعمد»، على حد وصفها. قصة تصدير الجهاديين من تركيا إلى العراق وسوريا للانضمام إلى صفوف مقاتلي «داعش» مصدرها الأول موقع إخباري موالٍ لإيران، كما لفت له الكاتب الصحافي التركي يلدراي أوغور، وأشار الموقع المذكور إلى أن الملقب بــ «محمد سلف»، الذي جاء اسمه في تقرير صحيفة نيويورك تايمز أيضا، يحرِّض الشباب في تركيا للانضمام إلى صفوف «داعش» إلا أن موقعا إخباريا آخر ذكر أن «محمد سلف» أخبرهم بأن هناك حسابات تم فتحها في مواقع التواصل الاجتماعي لا تمت إليه بصلة. موقع مموَّل من إيران يكتب تقريرا بناء على ما جاء في صفحات بمواقع التواصل الاجتماعي تم فتحها باسم «محمد سلف»، ولكن هذا الأخير ينفي صلته بتلك الصفحات، ثم تأتي صحيفة نيويورك تايمز تردد ما نشره ذاك الموقع. هذه هي القصة باختصار.

 

الإحصائيات التي نشرتها مراكز الدراسات تؤكد أن تونس تأتي في المركز الأول من بين الدول المصدرة للجهاديين إلى العراق وسوريا، وأن عدد المقاتلين الذين انضموا إلى «داعش» من فرنسا وبريطانيا أكثر من عدد الأتراك الذين يقاتلون في صفوف هذا التنظيم. وهذا يعني أن قول الصحيفة الأميركية بأن «تركيا هي واحدة من أكبر مصادر المقاتلين الأجانب لداعش» فيه تجَنٍّ واضح على الحقيقة.

 

هذه الأكاذيب تختلقها وتروِّجها وسائل الإعلام الموالية لإيران وحلفائها للانتقام من الحكومة التركية الداعمة للثورة السورية، وتروِّجها وسائل الإعلام الأميركية للضغط على أنقرة حتى تقبل القيام بالدور المطلوب منها، ويجب أن لا ننسى أيضا تصريحات بيريز ونتنياهو الداعية لشن حملة إعلامية ودبلوماسية ضد تركيا وقطر بسبب وقوفهما إلى جانب المقاومة الفلسطينية في غزة.

 

? @ismail_yasa

 

المصدر/ العرب القطرية