14 محرم 1436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني معاناة شديدة من الميل للنساء، مما يفسد علي حياتي ويجعلني لا أستطيع أن أمارس دوري في هذه الحياة، صارت حياتي كلها ميل لهذا الذنب وصار عقلي كله مشغولاً بالمرأة، أشعر أنني سأقع في المحظور، لا أستطيع منع نفسي عن المعصية..
وكأن الإسلام قد رد عليَّ قائلاً: أبحنا لك الزَّوجات، فلم لا تتقدَّم لهنَّ؟ فأجبت قائلاً: تباً لمجتمع رفع سنَّ الزَّواج، وأكثر الملهيات، وزيَّن الفاسدات، وقرَّب الفساد للنَّاس، فماذا أصنع؟

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: أشكرك على ثقتك بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منَّا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أخي الكريم: فهمت من خلال عرضك لمشكلتك، أنَّك شابٌّ عَزَب، تمرُّ بأخطر مرحلة من عمرك، ألا وهي مرحلة المراهقة، وتعاني منذ فترة من انتصاب ذكرك عند رؤية النِّساء في التلفاز أو الإنترنت، ويحدث ذلك منك بمجرد رؤية وجه المرأة الأجنبية، ووصل الأمر بك لدرجة تريد أن تحضن أيَّ امرأة في الشَّارع، وتتشوَّق لصوت المرأة، وتقبلتها، ولمسها، وتعيب على المجتمع الفاسد الذي ألهب غرائز الشِّباب وأوقدها، وتطلب النَّصيحة والتَّوجيه في ذلك، ألخصُ لك أخي جواب استشارتك من خلال النِّقاط الآتية:
أولاً: الصوم وِجاء لشهوتك الزَّائدة.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ.
الوجاء هو رضُّ عروق الخصيتين حتَّى تنفضِخا، فتذهب بذهابهما شهوة الجماع، وكذلك الصَّوم، فهو مُضعِف لشهوة الجماع، والصوم الذي يضعف الشَّهوة ليس صيام يوم أو يومين، بل الصَّوم المتكرِّر الكثير، وهذا من مجاهدة النَّفس للاستقامة على غضِّ البصر وحفظ الفرج، وعاقبة المجاهدة هي الهداية، كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} العنكبوت:69.
فأنصحك أخي الحبيب وغيرك من الشَّباب الذين لا يجدون سبيلاً للزَّواج بمداومة الصِّيام، وأفضل الصَّوم صيام نبيِّ الله داود عليه السَّلام؛ حيث كان يصوم يومًا ويفطر يومًا.
ثانيًا: البابُ الذي يأتِي منْه ريحٌ، أغلقْه واستريح.
أنت تلهب غريزتك وشهوتك بنفسك، غضَّ بصرك عن النَّظر للنِّساء، اهجر التِّلفاز والانترنت من أجل دينك، أغمض عينيك عند مرور النِّساء في الطريق، وعند ظهورهنَّ في التلفاز وغيره، لا تجعل عينيك تسترسلان بالنَّظر إلى المحرَّمات، فقد أخبر النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ نظرة الفجاءة الأولى لك والثَّانية عليك، فكيف بك وأنت تحدِّق النَّظر، وتتشهَّى بأعراض المسلمين، أتى شاب غريزته وشهوته ملتهبة مثلك لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فانظر ما فعل النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
عن أبي أمامه قال: إن فتىً شابًا أتى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: يا رسول الله! ائذن لي بالزِّنا! فأقبل القوم عليه فزجروه.. وقالوا: مه مه! فقال: اِدنُه، فدنا منه قريباً، قال: فجلس. قال أتحبُّه لأمِّك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا النَّاس يحبُّونه لأمَّهاتهم. قال أفتحبُّه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله! جعلني الله فداك. قال: ولا النَّاس يحبُّونه لبناتهم. قال أتحبُّه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا النَّاس يحبُّونه لأخواتهم. قال أتحبُّه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا النَّاس يحبُّونه لعماتهم. قال أتحبُّه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا النَّاس يحبُّونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم! اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. صحَّحه الألباني.
ثالثًا: قل لبصرك وعينك: إنَّ الله يرانِي.
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنَّفس داعية إلى الطُّغيانِ *** فاستحي من نظر الإله وقل لها: إنَّ الذي خلق الظَّلام يراني
نعم أخي أين الله؟. ألا تخاف من الله الذي أنعم عليك بنعمة البصر أن يسلبكها، وتقعد أعمى لا حراك لك، ألا تخشى من مكر الله الذي يمدُّ لك في الدُّنيا ويستدرجك ويمهلك، ثمَّ يأخذك أخذ عزيز مقتدر، إنَّك بنظرتك المحرَّمة تغضب ربَّك، وتلوِّث سمعتك، وتتعب قلبك، وتذلُّ نفسك، وتحطُّ من قدرك ومكانتك، وسيوصلك الشَّيطان بخطواته إلى الخطأ لا محالة، فيكون المآل الفضيحة والسِّجن والهوان، فأنت لست وحدك من يمرُّ بهذه المرحلة، فكلُّ من يكبرك في السِّنِّ قد مرَّ بها، فمن اعتمد على الله، والتجأ إليه، وراقب نفسه، وكفَّها عن الحرام نجا، ومن اعتمد على نفسه، وركن لشهوته، وأهمل مراقبة نفسه، وأرخى لها العنان هلك وفضح وخسر الكثير.
أنصحك بصلاة ركعتين في جوف الليل، وتوسَّل إلى الله بضعفك ووهنك، وأنت ساجد بين يديه، أن يجعلك تتغلَّب على لهيب شهوتك، وأن يخفف عنك ما أنت فيه من تعب وأرق وتفكير، والله معينك إن وجد فيك الصِّدق الإخلاص في الدُّعاء.
رابعًا: قال الله تعالى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} البقرة: 189.
إذا ما أتيت العزَّ من غير بابه *** ضللتَ، وإن تقصد من الباب تهتد
اطلب من أمِّك وأختك أن تبحثا لك عن فتاة تتزوَّجها، وتقدَّم لها بما يرضي الله، وهذا هو السَّبيل الصَّحيح والسَّليم لإرواء الغريزة الجنسيَّة، وليس عيبًا أن تتزوَّج في سنِّك، فهناك الكثيرون في عمرك قد تزوَّجوا، وبالبحث الجادِّ ستجد الكثيرين يرغبون في تزويجك، ما دمت مستقيمًا وجادًا وراغبًا وقادرًا على القيام بمسئوليَّة فتح بيت وتكوين أسرة، فهذا الباب مفتوح على مصراعيه لك، فلا تتركه إلى غيره. وثق ثقة تامَّة أنَّ الله سيعينك وييسِّر أمر زواجك، فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم: "ثلاثة حقٌّ على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والنَّاكح الذي يريد العفاف" رواه الترمذي والبيهقي وأحمد، وحسَّنه الألباني.
خامسًا: المجتمع أنا وأنت، وهو وهي وهم.
نعيب زماننا والعيب فينا***وما لزماننا عيب سوانا
ونهجوا ذا الزمان بغير ذنب***ولو نطق الزَّمان لنا هجانا
لا تنظر إلى مجتمعك نظرة سلبيَّة سوداويَّة، فصلاحه دليل على صلاحنا، وفساده نذير فسادنا، فلو امتنعت عن المعصية وامتنع غيرك عنها صلح المجتمع واستقام، ولو أقمت على المعصية وغيرك استشرى الفساد حتَّى يأتي على جميع المجتمع، ولو سعى كل منَّا ما استطاع في عمليَّة إصلاح مجتمعنا، لوصلنا لنتائج ملموسة في وقت قصير.
سادسًا: ارحم قلبك، لا تتعبه بكثرة التَّخيُّل.
إنَّ إطلاق النَّظر في أعين الغيد، يشتِّت الذِّهن، ويتعب القلب، ويهلك الجسم وينهكه، وكم هلك وسقط من الشباب في هذه المهلكة، تأمَّل هذه الأبيات من الحكمة:
كـلُّ الحوادث مبدأها من النَّظر *** ومعظم النَّار من مستصغر الشَّرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك السِّــهام بلا قوس ولا وتر
والعبــد ما دام ذا عين يقلبها *** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسـرُّ مقلته ما ضـرَّ مهجـته *** لا مـرحبًا بسرور عاد بالضَّـرر
وقال آخر:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدًا***لقلبك يومًا أتعبتك المناظـر
رأيت الذي لا كلَّه أنت قادر عليه***ولا عن بعضه أنت صابر