7 صفر 1441

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب جامعي عمري 24 سنة، ملتزم والحمد لله، وأحفظ القرآن الكريم, وقدْرًا كبيرًا من الأحاديث والمتون وغيرها.
أدرس الفيزياء، وأنا مجتهدٌ جدًا في دراستي، ومن أوائل الطلاب في دفعتي، المهم أنني منشغلٌ جدًا بدراستِي، وأعشق التخصص الذي أدرسه. جامعتي مختلطة، وأنا أعيش ببلد عربي شديد الفساد والاختلاط، كانت هذه حالتي إلى هذه السنة، حيث أخبرني أحد أصدقائي، بأنَّ إحدى الزميلات معنا في الفصل، أخبرته بأنَّها معجبة بي إلى حد كبير.
لم أعط الموضوع أية أهمية في البداية؛ لأنَّ البنت كانت غير محجبة، وكثيرة الكلام مع الشباب الأجانب، لكن! بعد فترة لبست الحجاب، ثمَّ دارت الأيام، ولبست العباءة الشرعية، وتبدل حالها كثيرًا، حتى أنَّها أصبحت تتعلم العلم الشرعي وغيره، وتركت الكلام مع الشباب الأجانب إلى حد كبير. ومع ذلك لم أبادلها الإعجاب، ولم أكلمها أبدًا، المهم بعد مرور أكثر من تسعة أشهر، أخبرتني أيضًا صديقة لها أنها ما زالت معجبة بي؛ بل وقعت في الحبِّ، وأنها حاولت النسيان فلم تستطع. علمًا أنها لا تخبر أصدقائي ليخبرونني، لكنَّهم هم مَنْ يفعلون ذلك ليخفِّفُوا المشكلة.
أنا في حيرة كبيرة من أمري.. هل أقدم على الحديث معها؟. طبعًا لن يتجاوز الحديث إلا بعض الجلسات التعارفية، وبشكل شرعي إن شاء الله، ثم نتواعد على موعد للخطبة بشكل رسمي.
وسأشرح لكم عن وضعي قليلاً لتفهموا مدى تردُّدي:
1- البنت على قدر كبير جدًا من الجمال؛ لدرجة أنني كنت أحسُّها من أجمل الفتيات اللواتي رأيتهن في حياتي، هذا من الناحية الخارجية. أمَّا من الداخل فأنا لا زلت أجهل عنها الكثير، لكن! كل ما وصلني عنها، وكل ما رأيته هو شيء محبَّب بالنسبة لي.
2- أنا من عائلة فقيرة جدًا، ولا تستطيع عائلتي أو والدي مساعدتي بقرش واحد من تكاليف الزواج، وهذا يتطلب مني منذ اللحظة أكثر من ثلاث سنوات من العمل لأستطيع الزواج، هذا إذا توقفتُ عن الدراسة، علمًا أن درجاتي في الجامعة أهلتني لأكمل الدكتوراه في بلد أجنبي، وهذا حلمي الذي طالما حلمت به، وكذلك الفتاة فرصة قد لا تتكرر.
3- أنا إلى الآن لم أقع في حبها، وأحسُّ أنني أحبُّ حبَّها لي أكثر من حبها هي نفسها، علمًا أنها أول تجربة لي في هذا المجال، وأخشى أن تكون مشاعري هي فقط من باب استكشاف المجهول.
وعندي أيضًا بعض التخوُّفات:
1- هل يمكن أن تكون قد استقامت والتزمت من أجلي ؟. وهل يمكن أن يتغير هذا الالتزام فيما بعد؟
2- هل يمكن أن تكون أحبَّت حالة الالتزام التي رأتني عليها، حيث أنني ربما أول شخص ملتزم تلتقي به أمامها، بعد أن أخذت قرارها بالالتزام، فأحبَّت الحالة أكثر مما أحبَّت شخصي، وهذا الحب قد يزول مع أول نماذج ملتزمة أخرى تلتقي بها.
3- هل يمكن أن تؤثِّر تجاربها السَّابقة على علاقتنا في المستقبل، طبعًا هي لم تقع في الكبائر وغيرها معاذ الله، لكن! الكلام مع الشباب. علمًا أنني أعرف عنها هذه الأشياء، وهي لا تنكر شيئًا، وتقول: التوبة تجب ما قبلها، أحسُّ بأنني يمكن أن أتخطى هذا الشيء، وأتقبل أنها تابت وانتهت عن ذلك، لكن! أخشى في المستقبل أن تتحرك الغيرة الشرقية الكامنة كما يقولون عندنا؟

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: أشكرك على ثقتك بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منَّا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.

 

أخي الكريم: فهمت من عرضك لمشكلتك، أنَّك طالب جامعيٌّ متميِّزٌ وملتزم ومتفوِّق دراسيًّا، ووقعت بحبِّك فتاة من زميلاتك في الكليَّة، ونقل لك زملاؤك إعجابها وحبَّها لك، وتذكر أنَّها تكلِّم الشَّباب الأجانب، ولها علاقات معهم لا تتعدَّى الكلام وتبادل الأحاديث، وأنَّها تابت والتزمت وتحجَّبت، وتركت الحديث والكلام مع الشَّباب والزُّملاء، وتذكر أنَّك لتفوقك نلت منحة دراسيَّة لمتابعة الدُّكتوراه في بلد أجنبيٍّ، وتذكر وضعك الماديَّ ووضع عائلتك، وكون عائلتك لا تستطيع تقديم أيَّ مساعدة لك في مشروع زواجك، وتقول أنَّك إلى الآن لم يقع في قلبك حبُّ الفتاة، وأنت ترغب بالزُّواج منها كونها جميلة والتزمت واستقامت، ولكنَّك متخوِّف من ثلاثة أمور: كونها أحبَّت حالة التزامك ولم تحبَّك شخصيًّا، وكون التزامها من أجلك فقط، وخوفك من أن تحنَّ لعلاقاتها السَّابقة مع الشَّباب بعد زواجكما، وتطلب النصيحة والتوجيه في ذلك، ألخص لك أخي جواب استشارتك من خلال النِّقاط الآتية:
أولاً: قال الله تعالى: {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} الأحزاب: 33.
قال ابن زيد: " قولاً حسناً جميلاً معروفاً في الخير، ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم، أي: لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها " تفسير ابن كثير.

 

ويقول سيَّد قطب - رحمه الله - في الظلال: "لا ينبغي أن يكون بين المرأة والرجل الغريب لحنٌ ولا إيماء، ولا هذرٌ ولا هزل، ولا دُعابة ولا مزاح، كي لا يكون مدخلاً إلى شيء آخر وراءَه من قريب أم من بعيد".
 

فالأصل في الكلام بين الرجل والمرأة الأجنبية جائز بالضوابط الشرعية التالية: 1- أن يكون الكلام معروفًا. 2- وأن يكون قدر الحاجة. 3- وأن يكون دون خضوع بالقول من قبل المرأة.
 

وعلى هذا فحديث الزميلة مع زميلها والعكس في الجامعة بالضوابط الشرعية الثلاثة السابقة جائز، وباختلال شرط واحد منها غير جائز، فإذا كان حديث الفتاة التي تتحدث عنها مع الشباب منضبط بالشرع، فهذا لا يعيبها، ولا يُنقص من أدبها وعفتها، وما دامت قد لبست الحجاب، وتركت الحديث مع الشباب نهائيًّا، فهذا خير وفأل حسن فيها.
 

ثانيًا: الزَّواج له تبِعات وذيول.
قرار الزَّواج قرارٌ صعب، وعليك أن تفكِّر جيَّدًا قبل اتِّخاذه، خاصَّة وكونك ليس لديك استطاعة ماديَّة تغطِّي نفقاته، وعائلتك لا تستطيع مساعدتك بشئ، وتحتاج لأن تعمل لمدَّة ثلاث سنوات حتَّى توفِّر تكاليف زواجك كما ذكرت، وأنت تجهِّز نفسك للسَّفر لمتابعة دراسة الدُّكتوراه، فالزَّواج له تبعات متعدِّدة لا تخفاك، وما دمت جادًا في إنجازه، فثق ثقة تامة بعون الله لك، وتيسيره سبلاً كثيرة لسعة الرزق، فقد قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف) رواه الترمذي والبيهقي وأحمد، وحسَّنه الألباني.

 

ثالثًا: قال الله تعالى: {كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} النساء: 94.
أفادتِ الآية الكريمة ضرورة حفْظِ الجامعة الدينيَّة، وهي بثُّ الثِّقة والأمان بين أفراد الأمَّة، وطرح ما مِنْ شأنِه إدخالُ الشكِّ؛ لأنَّه إذا فتح هذا الباب عَسُرَ سَدُّه، وصار السَّبيل سهلاً للوقوع بأعراض المسلمين، والطَّعن بشرفهم وعفَّتهم وأمانتهم، ودين الإسلام سريع السريان في القلوب، فبمجرد قبول الشخص وميل قلبه للدين، ما يلبث أن يألفه، وتخالط بشاشته قلبه، حتى يرسخ في قلبه رسوخ الجبال الرواسي، فيثق السابق باللاحق، ويعين السابق اللاحق، فأنت أخي ما دامت الفتاة دنت من الدين والالتزام، فأنت تكمِّل نقصها وضعفها والتزامها، والمرأة شديدة التأثُّر بزوجها، وطيِّعة ومنقادة له، خاصَّة وكونها محبَّة لك ومتعلِّقة بك، والمحِبُّ لمن يحبُّ مطيع.

 

رابعًا: استخر واستشر.
إن كنت مصِرًا وعازمًا على الزَّواج من الفتاة، فأنصحُك بأن تصلِّي ركعتين، ثمَّ تدعو الله بدعاء الاستخارة المعروف، وتطلب منه جلَّ وعلا أن يختار لك الخير حيث كان، وأن يوجِّهك لما فيه رضاه عنك، واستشر أهل الخبرة في العوائل وأصولها وتاريخها، وابدأ بذلك بوالديك وقرابتك، ثمَّ أرسل أمَّك وأختك لتجلسا مع الفتاة عن قُرْب وكثب، وتتحدَّثا معها وجهًا لوجه، وتتفحَّصانها خَلْقًا وخُلُقًا ودينًا، ثمَّ تسألا عنْهَا من يلوذ بها من أهلها وجيرانها وقراباتها، فالمسألة مسألة زواج وعشرة عمُر، وحياة طويلة مديدة، تستحقُّ منك المتابعة الدَّقيقة لكلِّ أمر.

 

خامسًا: راقب سيرها دون أن تشعر.
هي زميلتك في الكلية، راقبها عن بعد، وتتبع سيرها وحركاتها، وتأكد من كون التزامها عن قناعة ورغبة، وليس عليك حرج شرعي بمتابعتك لها، ما دمت قد عزمت على الزَّواج بها، فنظر الرَّجل إلى المرأة التي له رغبة صادقة جادَّة في نكاحها من الأمور المشروعة، ولا يشترط لذلك علمها، ولا علم أهلها على الصَّحيح من أقوال أهل العلم، قال جابر رضي الله عنه: (خطبت جارية من بني سلمة، فكنت أختبئ لها تحت الكرب، حتَّى رأيت منها بعض ما دعاني إلى نكاحها فتزوَّجتها) رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.

 

سادسًا: تخوُّف الزَّوجين من بعضهما قبل الزَّواج طبيعي.
كلُّ شاب وفتاة قبل ارتباطهما ببعضهما يحصل عندهما بعض التخوُّفات، وهو أمر طبيعي يحدث مع الجميع، فما عليك إلا أن تراعيَ ما بيَّنته لك، وبحكمتك وحلمك ومعاملتك الحسنة ستملأ الفراغ العاطفي فيها، وستنقطع عن الكل، وتلقي بنفسها في بحر عاطفتك وحنانك.

 

وما دامت قد التزمت بحجابها، وتحمَّلت تبعات وضع الحجاب بعد سفور، وبقيت صامدة على موقفها رغم التعليقات والسُّخرية ممَّن حولها، فهذا مؤشِّر إن شاء الله على ثباتها على دينها والتزامها.
 

سابعًا: زيادة في الحرص والتَّأكد.
ما دامت ظروفك المادِّيَّة ضعيفة، يمكنك أن تُقْدِم على خطبتها، وتعقد القران، وتؤجِّل موضوع زواجك إلى حين تيسر تكاليف الزَّواج معك، وتكون خلال هذه الفترة قد درستها أكثر، ووقفت على أمورها وأحوالها، وتأكَّدت من صدق التزامها وحجابها.
وفقك ربي وأعانك وسددك، وجمع بينك وبين من تحب على خير وحبٍّ ومودة وسعادة.