زيارة تقريب وجهات النظر
10 رجب 1434
إسماعيل باشا

زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة لواشنطن كانت أهم زيارة يقوم بها للعاصمة الأميركية منذ توليه رئاسة الوزراء نظراً للملفات الساخنة التي وضعت على الطاولة في المباحثات بين الطرفين، مثل الملف السوري والملف العراقي وعميلة السلام مع حزب العمال الكردستاني وتطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية، بالإضافة إلى الملفات المتعلقة بالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.

 

 واستضافة أردوغان هذه المرة في منزل الضيافة الرئيسية «بلير هاوس» المخصص لاستقبال كبار الشخصيات العالمية والاجتماع المطوَّل الذي جمع أوباما وأردوغان في البيت الأبيض والحفاوة التي استقبل بها رئيس الوزراء التركي في لقاءاته ومأدبة العشاء التي استمرت أكثر من ثلاث ساعات، كانت كلها من المؤشرات التي تدل على أهمية الضيف والزيارة والملفات المطروحة.

 

 اختلاف وجهات النظر الكبير في بعض هذه الملفات لم يكن خافياً على المتابعين، وكذلك الأولويات؛ فبينما أولوية تركيا في الملف السوري فرض حظر الطيران وفتح ممرات آمنة وتسليح الثوار بأسلحة نوعية لإسقاط النظام السوري، كانت -ولا تزال- الأولوية للولايات المتحدة محاربة جبهة النصرة وعودة علاقات أنقرة مع تل أبيب إلى ما كانت عليه قبل الاعتداء على سفينة مرمرة.

 

ومما لا شك فيه أن النيران حين اشتعلت في مكان ما يختلف قلق صاحب البيت المجاور عن قلق من يسكن بعيداً عن مكان الحريق. وقد لا تكون الإدارة الأميركية في عجلة من أمرها إلا أن الحكومة التركية تكتوي بنار الأزمة السورية وتشعر بكل حرارتها، وبالتالي، ضياع الوقت ليس لصالحها. وهناك مساعٍ حثيثة للنظام السوري وحلفائه يقودها قائد فيلق القدس في الحرس الإيراني الفريق قاسم سليماني لنقل الأزمة السورية إلى داخل تركيا وإثارة فتنة طائفية خاصة في محافظة هاتاي، ما يجعل الأمر في نظر أنقرة لا يتحمل التسويف والانتظار.

 

 لا يمكن القول بأن أحد الرئيسين نجح في إقناع الثاني بتبني رأيه ولكننا نستطيع أن نقول إن الزيارة أسفرت عن تقريب وجهات النظر إلى حد ما، وكذلك طمأنة الإدارة الأميركية والدول العربية الصديقة التي اشتكت تركيا وقطر إلى أوباما، واتهمتهما بدعم الإسلاميين. وعلى سبيل المثال لم يعدل أردوغان عن زيارته المقررة لغزة ولكنه أكّد أنه سيزور في شهر يونيو القطاع والضفة معاً وأن زيارته لا تعني دعماً لأحد الطرفين، بل ستسهم في تحقيق المصالحة الفلسطينية.

 

 ومن النقاط التي اتفق عليها أوباما وأردوغان حول الملف السوري دعم المعارضة السورية وعدم السماح للنظام السوري باستخدام الأسلحة الكيميائية، ومنع تحوّل الأراضي السورية إلى ملجأ للجماعات الإرهابية، وحماية الأقليات، وبذل مزيد من الجهود الدبلوماسية لتشديد الضغوط الدولية على النظام السوري، بالإضافة إلى ضرورة رحيل بشار الأسد وإقامة نظام ديمقراطي في سوريا وهذا ما يتمناه أيضاً الشعب السوري ويسعى إلى تحقيقه منذ اندلاع الثورة ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: «كيف سيتحقق ذلك؟».

 

 الأمر الذي تأكد من جديد خلال زيارة أردوغان لواشنطن أن أوباما لا يرغب على الإطلاق أن يرسل جنوده إلى سوريا، كما لا ينتظر أحد من تركيا التدخل العسكري دون غطاء دولي. ولكن لا يوجد أيضاً تراجع في موقف حكومة أردوغان من الثورة السورية، بل ستواصل تركيا دعمها للاجئين والثوار، وجهاز الاستخبارات التركية هو من سيتولى القيام بالجزء الأكبر من هذه المهمة وليست المؤسسة العسكرية، وهذا ما يشير إليه حضور رئيس جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان مع أردوغان وداود أوغلو في مأدبة العشاء التي شارك فيها من الجانب الأميركي كل من الرئيس باراك أوباما ووزير الخارجية جون كيري ومستشار الأمن القومي توم دونيلون.

 

 «ليست هناك وصفة سحرية للحل في سوريا»، كما قال أوباما في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع أردوغان في «روز غاردن» ولكن هناك تباطؤاً بل وتواطؤاً دولياً مع النظام السوري، كما يرى العالم.

 

المصدر/ صحيفة العرب القطرية