الأرقام تتغير من حولنا
20 ذو الحجه 1433
خالد بن صالح الغيص

من عجيب ما رأيت في هذه الأيام! تغيّر الأرقام من حولنا، تتغير من أرقام عربية إلى أرقام إنجليزية: أرقام لوحات السيارات، أرقام ما يكتب في الصحف اليومية، حتى أرقام المعاملات الرسمية للدولة وغيرها، تغيّرت من رسمها العربي - بحجة أنّ أصلها هندي - إلى الرسم الإنجليزي، تتغيّر من غير مستند من الشرع أو حتى الدستور والقانون، وبعد تتبعي - المتواضع - ومراسلاتي التي قمت بها مع جهات رسمية وشعبية وجدت أنّ الموضوع كأنّه قام به "اللهو الخفي" - على حكاية إخواننا المصريين - فلا أحد يدري من الذي أمر بذلك؟! وعلى أي أساس اعتمد؟! فلا مستند من شرع أو دستور أو قانون!! إذن كيف حدث ويحدث كل هذا بتتابع محيّر كأنه تساقط أحجار دومينو؟! كأننا نتسارع في ستر سوأة كُشفت عن غير قصد!! فهذا ديننا يحذرّنا من مشابهة اليهود والنصارى ومتابعة سننهم فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ" رواه البخاري، وهؤلاء علماؤنا - الذين أمرنا الله بطاعتهم بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [سورة النساء:59]، وأولو الأمر هم العلماء والأمراء – فهم قد قرّروا عدم جواز استبدال رسم الأرقام العربية برسم الأرقام المستعملة في أوروبا كما جاء في القرار الثالث (من قرارات المجمع الفقهي بمكة المكرمة):

الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً - أما بعد:

فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد نظر في الكتاب الوارد إلى الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي من معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في الأردن الاستاذ كامل الشريف، والبحث المقدم من معاليه إلى مجلس الوزراء الأردني بعنوان "الأرقام العربية من الناحية التاريخية" والمتضمن أن هناك تشيع بين بعض المثقفين، مفادها أن الأرقام العربية في رسمها الراهن (1، 2، 3، 4 الخ) هي أرقام هندية، وأن الأرقام الأوربية (1، 2، 3، 4 etc) هي الأرقام العربية الأصلية، ويقودهم هذا الاستنتاج إلى خطوة أخرى هي الدعوة إلى اعتماد الأرقام في رسمها الأوروبي في البلاد العربية، داعمين هذا المطلب بأن الأرقام الأوروبية أصبحت وسيلة للتعامل الحسابي مع الدول والمؤسسات الأجنبية التي باتت تملك نفوذاً واسعاً في المجالات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية، وأن ظهور أنواع الآلات الحسابية والكمبيوتر التي لا تستخدم إلا هذه الأرقام يجعل اعتماد رسم الأرقام الأوروبي في البلاد العربية أمراً مرغوباً فيه إن لم يكن شيئاً محتوماً لا يمكن تفاديه.

ونظرا أيضاً فيما تضمنه البحث المذكور من بيان للجذور التاريخية لرسم الأرقام العربية الأوروبية.

 

واطلع المجلس أيضاً على قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته الحادية والعشريةن المنعقدة في مدينة الرياض ما بين 17 - 28 من شهر ربيع الآخر عام 14.3هـ في هذا الموضوع، والمتضمن أنه لا يجوز تغيير رسم الأرقام العربية المستعلمة حالياً إلى رسم الأرقام المستعملة في العالم الغربي للأسباب التالية:

أولاً: أنه لم يثبت ما ذكره دعاة التغيير من أن الأرقام المستعملة في الغرب هي الأرقام العربية، بل أن المعروف غير ذلك، والواقع يشهد له، كما أن مضى القرون الطويلة على استعمال الأرقام الحالية في مختلف الأحوال والمجالات يجعلها أرقاماً عربية، وقد وردت في اللغة العربية كلمات لم تكن في أصولها عربية وباستعمالها أصبحت من اللغة العربية، حتى أنه وجد شيء منها في كلمات القرآن الكريم "وهي التي توصف بأنها كلمات معربة".

 

ثانياً: أن الفكرة لها نتائج سيئة، وآثار ضارة، فهي خطوة من خطوات التغريب للمجتمع الإسلامي تدريجياً، يدل لذلك ما ورد في الفقرة الرابعة من التقرير المرفق بالمعاملة ونصها " صدرت وثيقة من وزراء الإعلام في الكويت تفيد بضرورة تعميم الأرقام المستخدمة في أوروبا لأسباب وجوب التركيز على دواعي الوحدة الثقافية والعلمية وحتى السياحية على الصعيد العالمي ".

 

ثالثاً: أنها "أي هذه الفكرة" ستكون ممهدة لتغيير الحروف العربية واستعمال الحروف اللاتينية بدل العربية ولو على المدى البعيد.

 

رابعاً: أنها " أيضا " مظهر من مظاهر التقليد للغرب واستحسان طرائفه.

 

خامساً: أن جميع المصاحف والتفاسير، والمعاجم، والكتب المؤلفة كلها تستعمل الأرقام الحالية في ترقيمها في الإشارة إلى المراجع، وهي ثروة عظيمة هائلة، وفي استعمال الأرقام الإفرنجية الحالية (عوضاً عنها) ما يجعل الأجيال القادمة لا تستفيد من ذلك التراث بسهولة ويسر.

 

سادساً: ليس من الضروري متابعة بعض البلاد العربية التي درجت على استعمال رسم الأرقام الأوروبية، فإن كثيراً من تلك البلاد قد عطلت ما هو أعظم من هذا وأهم وهو تحكيم شريعة الله كلها مصدر العز والسيادة والسعادة في الدنيا والآخرة، فليس عملها حجة.

 

وفي ضوء ما تقدم يقرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي ما يلي:
أولاً: التأكيد على مضمون القرار الصادر عن مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في هذا الموضوع والمذكور آنفاً، والمتضمن عدم جواز تغيير رسم الأرقام العربية المستعملة حالياً برسم الأرقام الأوروبية المستعملة في العالم الغربية للأسباب المبينة في القرار المذكور.

 

ثانياً: عدم جواز قبول الرأي القائل بتعميم رسم الأرقام المستخدمة في أوروبا بالحجة التي استند إليها من قال ذلك، وذلك أن الأمة لا ينبغي أن تدع ما اصطلحت عليه قرونا طويلة لمصلحة ظاهرة وتتخلى عنه تبعا لغيرها.

 

ثالثاً: تنبيه ولاه الأمور في البلاد العربية إلى خطورة هذا الأمر، والحيلولة دون الوقوع في شرك هذه الفكرة الخطيرة العواقب على التراث العربي والإسلامي.
والله ولي التوفيق وصلى الله على نبينا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم. [اللجنة الدائمة، نقلا من فتاوى إسلامية (4/ 717، بترقيم الشاملة آليا) جمع وترتيب محمد بن عبدالعزيز المسند].

 

وحتى بعض الدساتير العربية، فهذا دستور دولة الكويت مثالا قد نصّ في (مادة 3): لغة الدولة الرسمية هي اللغة العربية، وفي (مادة 12): تصون الدولة التراث الإسلامي والعربي.

 

فماذا بعد هذا التوضيح والبيان؟!! فلابد أن نسعى جاهدين في المحافظة على مقومات أمتنا الإسلامية العربية، فلا يخفى عليكم أنّ لغتنا العربية هي لغة القرآن الكريم وقد خصّها الله تعالى وفضلها على سائر اللّغات، وأنّ المحافظة عليها هو سبيل رضا رب العالمين، وأنّ الأمم تتميز بلغاتها فلو وقف أمامنا رجلان من أوربا لم يُميز بينهما – عموماً - إلا عندما يتحدثان فلو تحدث أحدهما بالفرنسية لعلمنا أنّه فرنسي ولو تحدث الآخر بالألمانية لعلمنا أنّه ألماني، وأنّ أغلب أمم الأرض تعتز بلغاتها وتحافظ عليها بشتى الطرق والإجراءات بل وتجد رجل الشارع العامي منهم يرفض أن يتكلم بغير لغته الأم اعتزازاً بها - وقد لاحظ ذلك بعض من زار تلك البلاد - فكل أمم الأرض تسعى جاهدة في المحافظة على تراثها ومقوماتها وما يميّزها عن غيرها، فأرجو أن نتخذ الخطوات العملية لتحقيق ذلك.

والله من وراء القصد،،،

 

المصدر:

http://www.islamtoday.net/salman/artshow-43-175279.htm