6 محرم 1434

السؤال

ابني يبلغ من العمر 22 سنة، لا يحافظ على الصَّلاة، وأهمل في دراسته، مع العلم أنَّه من الأذكياء، ولا يحبُّ العمل، بالرَّغم من حصوله على فرص متعدِّدة، وصحته جيِّدة، ويكثر من النَّوم، ويدخِّن، ويكذب، ويسرق من البيت ما وقع تحت يديه من النُّقود، ولم يعد يسمع لنصيحة أو موعظة، أو يخاف من تهديد أو وعيد، عنده غرور وكبر، يدَّعي أنَّه يفهم كلَّ شيء، ولا يحتاج إلى نصائح، وأنا الآن أخاف على دينه أكثر من خوفي على دنياه، يأتي في نفسي أن أطرده من البيت، لكنِّي أخاف عليه من الانحراف أكثر، حاولت معه عدَّة أساليب ترغيب وترهيب، أو من خلال أصدقائه الملتزمين، لكن دون جدوى، هو الآن مصدر قلق في البيت، ومصدر إزعاج، مع العلم أنَّنا أسرة محافظة على الدِّين، وننزعج من أبسط الامور التى تمسُّ سمعتنا.
فما العمل؟ وما الحل لهذا الوضع؟ جزاكم الله خيراً.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
ألخِّصُ لك -أخي الفاضل- جواب استشارتك في النِّقاط الآتية:
أولاً: أشكرك على ثقتك، بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يجعلنا أهلاًّ لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
ثانياً: تذكُر أخي أنَّ لك ولداً يبلغ من العمر 22 سنة، ولا يحافظ على صلاته، ومهمل في دراسته، مع قوة ذكائه، كسول كثير النَّوم، لا يحبُّ العمل مع حصول فرص عمل مناسبة له، ولا يشكو من أيِّ مرض "صحَّته جيِّدة"، له سلوكيَّات سيئة كالكذب والتَّدخين والسَّرقة والكبر والغرور، حتى صار مصدر تعب وقلق للأسرة، وتذكر أنَّك استخدمت في إصلاحه طرقاً عدَّة، ولكنَّها لم تعالج سلوكه وانحرافه، ووصلت إلى طريق مسدود في علاجه، وتطلب الرأي والمشورة في موضوع ولدك، أقول لك: أخي الكريم لست وحدك تعاني من انحراف الولد، وليس ولدك الوحيد المنحرف، ولذلك هوِّن الأمر على نفسك، وكلُّ مشكلة ولها حلٌّ في شريعة ربِّنا، فشريعة ربِّنا كفيلة بحلِّ كلِّ مشكلاتنا المستعصية.
ثالثاً: "قلب ولدك بيد ربِّه وربِّك".
فهلَّا جلست وقت السَّحر، وتوضَّأت وأحسنت الوضوء، ثمَّ صلَّيت ما تيسر، ثمَّ رفعت يديك داعياً ربَّك الذي بيديه صلاح ولدك، وتوسَّلت له بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، وباسمه الخفي الأعظم أن يهدي ويصلح شأن ولدك، والله لن يخزيك الله أبداً، خاصَّة وأنت تتمتع بثلاثة أمور: 1- أنَّك في أرض مباركة "فلسطين". 2- ورجل فيك صلاح ودين. 3- ووالد لهذا الولد.
النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ذكر في الحديث الصَّحيح أنَّ دعاء الوالد لولده مستجاب لا يردُّ، وحبَّذا لو توقظ معك أمَّ الولد، وتجتهد وإياها في الدُّعاء بصلاح ولدكما، ولا تكلَّا ولا تملَّا، وأيقنا بالاستجابة حتَّى يستجاب لكم دعاؤكم. فالدُّعاء الدُّعاء.
رابعاً: " الصَّلاة الصَّلاة ".
النَّبيُّ الكريم عليه الصَّلاة والسَّلام، وهو في سكرات الموت، آخر ما نطق به الوصيَّة بالصَّلاة لأهميَّتها ومكانتها في التَّربية والسُّلوك، فأرى أن تبدأ وتركِّز عليها، فهي نقطة الارتكاز في صلاح ولدك، فالصَّلاة هي النَّاهية عن الفحشاء والمنكر، وكلِّ سلوك وتصرُّف وانحراف، لو صلَّى ولدك صلاة ذات خشوع وخضوع، ستجد جميع تصرُّفاته التي تشكو منها ستنتهي رويداً رويداً، وأنا أرى أنَّك مقصر في تربية ولدك من نعومة أظفاره على الصَّلاة وحبِّ التديُّن، فلو ربَّيته من الصِّغر على الصَّلاة والقرآن لما عانيت في كبره ممَّا تذكر، ولكن كما قيل: أن تأتي متأخِّراً أفضل من ألا تأتي، فباشر من الآن بتذكير ولدك بالصَّلاة، وتابعْه واحذر الشِّدَّة المفرطة معه، فالنَّفس الإنسانيَّة لها إقبال وإدبار، وتميل للمعاندة والمخالفة، فذكِّر ولدك وانصحه وقت إقبال نفسه، واجتنبه وابتعد عنه وقت إدبارها، مع ملاحظته ومتابعته من بُعْد.
خامساً: " صاحب ولدك ".
ولدك عمره 22 سنة، فهو وصل إلى مرحلة لا يجدي معه سوى المصاحبة والمصادقة، فاجعله رفيقك وصديقك، وعامله عل هذا الأساس، ومن مستلزمات الصَّداقة: الصَّراحة والوضوح، فلتكن علاقتك بولدك قائمة على المصارحة والوضوح، لا الإرهاب والتَّخويف، وعلاج مشكلة السَّرقة أن تقنعه بأن يطلب منك حاجاته واحتياجاته دون خجل أو حرج، ووفِّر له ما تستطيع من ذلك، وأقنعه بعدم قدرتك على ما لا تستطيع، وفي حالة قدرتك على ذلك ستوفر له ما طلب، واطلب منه الصَّبر حتَّى يتحقَّق له طلبه، وخوِّفه بأنَّ الإنسان إذا سرق شيئاً في الدُّنيا، جاء يوم القيامة يحمله على ظهره أو كتفه، أو بيده، يفضح على رؤوس الأشهاد؛ بأنَّ ما يحمله هو سرقاته في الدُّنيا، ولو كنت ربَّيته من صغره على الخوف من الله ودوام مراقبته، لكان تذكير بسيط يجعله ترتعد فرائصه خوفاً من ملاقاة ربِّه، وهو مذنب ومقصِّر.
سادساً: " امنحه الثِّقة به ".
الكذب شؤمه معروف، ومستقرٌّ لدى أصحاب العقول السَّليمة، قبل أن يأتي الشَّرع بذمِّه، وليس أدل على ذمِّ الكذب من أنَّ أكذب النَّاس لا يرضى أن يُنسب إليه الكذب، ومصيبة الكذب أعظم من مصيبة السَّرقة، والمؤمن يطبع على الخلال كلِّها إلا الخيانة والكذب، فاجتهد في أن تصاحب ولدك وأن تعطيه الثِّقة التَّامة؛ وتبيِّن له بكلِّ هدوء وتؤدة عواقب الكذب الدِّينية والدُّنيويَّة، لعلَّ في ذلك علاجاً له من صفة الكذب.
سابعاً: " ما أطال النَّوم عمراً ".
كثرة النَّوم من ولدك، وشربه للدُّخان، مرضان خطيران على الصِّحة، أرى أن تستشير الطَّبيب المختصَّ في علاجه منهما، فالطَّبيب المختصُّ يفيدك في تشخيص وضعه، وإعطائه العلاج المناسب.
ثامناً: " الكبر: بطر الحقِّ، وغمط النَّاس ".
بطر الحقِّ: ردُّ الحقِّ إذا خالف الهوى، وغمط النَّاس: احتقار النَّاس، وولدك تكبَّر على النَّصيحة، ورفض الوعظ والإرشاد له منك، بسبب أنَّ النصيحة تخالف هواه وشهوته، ولذلك غمطك وغمط كلَّ من يقف ناصحاً وواعظاً له، ويرى الجميع غير جديرين بنصحه وإرشاده، فعليك أن تذكِّره بضعفه، وأنَّه خلق من نطفة ضعيفة من ماء مهين، وأنَّه يحتاج إلى حمام لقضاء الحاجة، وأنَّه يأكل من هنا ويخرج من هنا، وأنَّه إذا لم يستقم على طاعة الله، صار إلى النَّار، بهذه الكلمات وغيرها يعرف ضعفه، وأنَّه مسكين، ولا يجوز له أن يتكبَّر، قل له: على من تتكبَّر يا ولدي؟. أعلى أبيك وأمِّك وأهلك؟. أعلى من ضحُّوا بالغالي والرَّخيص من أجلك؟. أعلى من سهرا لتنام؟ ومن تعبا لترتاح، ومن جمعا لتتنعَّم.
تاسعاً: " الرِّفق ما كان في شيء إلا زانه ".
أحذِّرك من مسألة طرد ولدك من البيت، فخروجه للشَّارع مفسدة عظيمة، وعواقبها جسيمة، وولدك في هذه السِّنِّ يحتاج إلى التَّعامل بحكمة، فهو يحبُّ أن يشعر بشيء من الاستقلاليَّة، فينبغي للوالد أن يُعين ولده على برِّه، فلا يُثقل عليه بالأوامر التي يظنُّ أنَّه سيخالفها، ويعطيه حقَّه في الاختيار واتِّخاذ القرار، ما دام الأمر لا يتعلَّق بفعل واجب شرعيٍّ أو ترك محرَّم، وإنَّما هو في أمور المعاش التي تختلف فيها وجهات النَّظر، وللعلم أجاز العلماء طرد الولد البالغ العاقل من البيت في بعض الحالات، إذا اقتضت المصلحة ذلك، وكانت المفسدة في طرده أقلَّ من مفسدة بقائه في البيت، وما دمت تهتمُّ بمسألة سمعتك ومكانتك الاجتماعيَّة، فحاول حلَّ مشاكلك في منزلك، ولا تنشر غسيلك أمام النَّاس.
عاشراً: " المؤمن ضعيف بنفسه، قويٌّ بإخوانه ".
استعن بمن ترى فيه الإخلاص والنُّصح، من أهلك وأقربائك وأصدقائك، وحاوِّل أن تختار لولدك محاضن تربويَّة موثوقة، وأن ترسل له شباب صالحين من سنِّه، يتعرَّفون عليه بطريقة غير مباشرة، كأن ترتِّب معهم لقاء في مكان تتَّفقون عليه، ثمَّ تأخذ ولدك بدون أن تذكر له شيئاً، ثمَّ يتولَّى الشَّباب الصَّالح الباقي، وتظهر لولدك وكأنَّك مستغرب كيلا يشكَّ بالأمر، وممكن أن تنسِّق مع خطيب الجمعة في حيِّك أن يخطب الجمعة في موضوعات تعالج سلوكيَّات ولدك، دون أن تذكر ذلك أمام أسرتك وولدك.
حادي عشر: " تفعيل الطُّموح في ولدك ".
وذلك بمحادثته عن الزَّواج، وتكوين أسرة وأولاد، وأنَّه بحاجة إلى العمل وترك الكسل، وأنَّ النَّعيم لا يُدرك بالنَّعيم، بل بالتَّعب والنِّضال والصَّبر والمصابرة، وأنَّه يحتاج إلى المال الحلال لتحقيق مراده وطموحاته، ولا يتحصَّل ذلك إلا بالعمل الجادِّ المثمر، فتخلُق بذلك في نفسه الطُّموح، فيبادر إلى العمل، ويحرص على فرص العمل التي تأتيه، وجنِّد معك أمَّه وإخوانه وأخواته ليقنعوه بترك الدَّعة والرَّاحة، والانطلاق في دروب الحياة الصَّحيحة، وأنَّ العمل سبيل إلى المجد والرُّقي، وهو السَّبيل السَّليم والصَّالح لكسب المال الحلال، قل له: أبوك وأمُّك ليسوا دائمين لك، وسيأتي يوم لا تجدهما حولك، فاعتمادك عليهما خطأ، وتجاهلك لهما، وتقصيرك في حقِّهما وبرِّهما ستندم عليه أشدَّ النَّدم، وستقبض العقوق من ولدك مستقبلاً.
أسأل الله لي ولك صلاح النِّية وصلاح الذُّرِّيَّة، إنَّه سميع مجيب.