27 جمادى الأول 1433

السؤال

أنا شابٌ على قدر من الالتزام، ولم يسبق لي الزَّواج، وعمري 25 سنة، أردت الزَّواج وإحصان نفسي، ولكن!! حالتي في العمل لم تستقر بعد؛ لأنِّي متدرِّب بها، ولا أقدر أن أفتح بيتاً، فهل تنصحوني بالزَّواج من أرملة، وعندها أطفال، وعندها سكن، منها أنِّي أحسن إليها وأعفُّها، وأقوم على حاجتها، ومنها أنِّي أعفُّ نفسي عن الحرام، والمشكلة أنِّي شديد الشَّهوة، وآسف على هذا الإطراء، ولكن!! أريد نصحكم وإرشادكم جزاكم الله خيراً.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
ألخِّصُ لك - أخي الفاضل - جواب استشارتك في النِّقاط الآتية:
أولاً: أشكرك على ثقتك، بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
ثانياً: أخي الحبيب: تعلم أنَّ نظرة مجتمعنا الشَّرقيِّ للأرملة، تختلف تماماً عن نظرتهم للمطلقة، لأنَّ الأرملة قد ترمَّلت بقضاء الله وقدره، ولا مردَّ لقضائه، بل ينظرون إليها بعين العطف، والرَّأفة، والحزن، ممَّا آل إليه حالها، وحال أولادها. أمَّا نظرتهم للمطلقة، فهي نظرة لؤمٍ، وتساؤلٍ، وتأويلٍ، وقد يتدخل الظُّلم أحياناً، ولهذا نجد الشَّاب لا يتردَّد في زواجه من الأرملة، إن وجد فيها الصِّفات التي يرغب أن تتمتَّع بها فتاة أحلامه، والتي ستكون شريكة حياته في المستقبل.‏ في حين نجد أنَّه يتردَّد كثيراً من زواجه بمطلقة؛ خوفاً من ألسنة النَّاس التي لا ترحم، ولا يتخذ هذا القرار؛ إلا إذا كانت لديه القدرة على الإقناع، أو المواجهة، أو التَّحدِّي لأهله، ولمن يحيطون به.
ثالثاً: عليك أخي بالتَّأنِّي والتَّروي، ودراسة موضوع زواجك ممَّن ذكرت جيدا من جميع جوانبه؛ بعيداً عن العاطفة والشَّهوة، وأن تكون لديك المبرِّرات في إقناع والديك، والآخرين من ارتباطك بثيِّب، وأنت شابٌّ أعزب في مقتبل العمر. واعلم أنَّ الزَّواج له تبعات، وليس قضاء وطر، وانتهى الأمر، كثير ممن يتخذون مثل هذا القرار قد يندمون لأنهم لم يدرسونه جيدا ثم مع انقضاء الفترات الأولى يبدأ في ظلم زوجته أو سوء معاملتها وتبدأ المشكلات، لذا أرجوك أن تدرس موقفك جيدا وتستشير الخبراء، وإذا عزمت فتوكل على الله، بعد صلاة ودعاء الاستخارة الوارد المعروف.
رابعاً: إن اقتنعت بالزَّواج من الأرملة، فأقدم ولا تبالي، فقد يكون ذلك خيراً عظيماً لك، كما كان خيراً عظيماً لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، عندما تزوَّج من خديجة رضي الله عنها، وهي أكبر منه سنَّاً، وغمرته بحنانها ولطفها ومالها، وقال في حقِّها:(وواستني بنفسها ومالها، ورزقت منها الولد)، وسئل ذات مرة د.صالح بن غانم السَّدلان- أستاذ الدِّراسات العليا بكليَّة الشَّريعة بجامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلاميَّة: ما رأي فضيلتكم في الزَّواج من المرأة المطلقة أو الأرملة؟.
فأجاب: الزَّواج بالمطلقة أو الأرملة يعتبر من أفضل الأعمال، وأجلِّ القربات؛ إذا قصد الإنسان بذلك وجه الله جلَّ وعلا، ثمَّ الإحسان إلى هذه المطلقة أو الأرملة، إنَّ الزَّواج بالمطلقات والأرامل هو هدي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فإنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يتزوَّج إلا واحدةً بكراً، وبقيَّة زوجاته اللاتي دخل عليهنَّ، يصل عددهن إلى أربع عشرة امرأة أو خمس عشرة، كلهنَّ مطلقات أو أرامل، وبعضهنَّ كبيرات في السِّنِّ؛ سوى عائشة ابنة الصِّديق رضي الله عنهما، وسائر نسائه صلَّى الله عليه وسلَّم ثيِّبات. قال بعض أهل العلم: ماتزوَّج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم امرأة من أجل نفسه إلا عائشة. أمَّا بقيتهنَّ تزوجهنَّ من أجلهنَّ، والإحسان إليهنَّ، فهذا هو هديه صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذا هو عمل خير البشر، وأفضل الخلق، ولو أراد أن يتزوَّج أبكاراً من أجمل نساء العالمين لحصل له ذلك، من غير عناء ولا مشقَّة، فإذا كان هذا هو هدي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في تخفيف ألم المطلقات والأرامل، فلا عبرة بمن يعيب تزوُّج المطلقة أو الأرملة، أو يعتبر ذلك نقصاً في حقِّ الزَّوج. لذا فإنَّنا نؤكِّد على أن يحتسب الإنسان العمل الصَّالح الجليل. نقل عبد الله بن المبارك في كتاب الزُّهد، أنَّ بعض أهل العلم، يسأل عن المرأة المطمورة (أي المتروكة) التي تركها الخطاب؛ لدمامتها وعدم جمالها، فيتزوجها احتساباً لله، ويقول: أسأل الله أن يزوِّجني بدلاً منها من الحور العين. هكذا يجب أن يكون رجال المجتمع المسلم، مشفقين على هذه النَّوعيَّة من النِّساء، اقتداء برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
خامساً: إنَّ النَّظرة التي تُطال المطلقة أو الأرملة، بعيدة كلَّ البعد عن سماحة ديننا الحنيف، وسنَّة رسولنا صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنَّ المطلقة أو الأرملة في عهد الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم، لم تكن تعاني من هذا الظُّلم والجهل، لقد كانت زوجات بعض الصَّحابة مطلقات، فهذه أسماء بنت عميس رضي الله عنها، تزوجت من جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وعندما استشهد تزوجها الصِّديق أبو بكر رضي الله عنه.
سادساً: يقول د. حلمي صابر الأستاذ بجامعة الأزهر: المطلقة أو الأرملة امرأة مسلمة لها كافَّة الحقوق الاجتماعيَّة والإنسانيَّة والشَّرعيَّة، والمجتمع المسلم تقع عليه مسؤوليَّة أن يحصِّن كلَّ فتاة وكلَّ امرأة. فإن أرادت المطلقة أو الأرملة أن تبدأ حياة جديدة، مع زوج وأسرة فلها ما أرادت، وعلى المجتمع المسلم أن يهيئ لها ذلك، وإن أرادت أن توجه طاقتها لخدمة أولادها؛ فيجب أن يساندها المجتمع، وينظر بعين الرِّضا والامتنان لمجهودها مع أولادها، أو لأي مجهود، أو خدمات تقوم بها، وفي المجتمع الإسلاميِّ الحقِّ كانت المرأة تمارس كلَّ حقوقها بفاعليَّة، ولا يمثل الطَّلاق أو التَّرمُّل عيباً يقلل من قدرها واجتهاداتها على كافَّة المستويات.
سابعاً: تحقَّق من نفسك جيِّداً، أنَّك تتحلَّى بصفات الصَّبر والتَّحمُّل، وحسن التَّصرُّف، وعدم الأنانيَّة، لأنَّ زوجتك مستقبلاً ليست لك وحدك، فلها أطفال من غيرك، فلا بدَّ من تحلِّيك بالصِّفات المذكورة، لكي لا تندم في المستقبل.
ثامناً: أخي الفاضل: الزَّواج أمرٌ شخصيٌّ، وخاصٌّ جدَّاً بالزَّوجين فقط، فإن كنت مقتنعاً بالزَّواج من أرملة كلَّ الاقتناع، فليس أمامك سوى أخذ القرار في داخل نفسك، ثم أطلع والديك على الأمر، وأقنعهم به، ولكن!! بكلِّ أدبٍ، وهدوءٍ، ولطفٍ، ثم صلِّ صلاة الاستخارة، وما ينشرح له صدرك بعد صلاة الاستخارة، أقدم عليه ولا تتردَّد.
أختم نصيحتي لك بأن أقول لك: أنَّه بعمرك 25سنة، كان عمر النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، حين تزوَّج من خديجة رضي الله عنها، وكان عمرها أربعين عاماً. أسأل الله أن يجعله زواجاً صالحاً سعيداً ميموناً، وأن يرزقك الله منها الذُّرية الصَّالحة، وأن يعينك على رعاية وتربية أيتام أخيك المسلم، فكن لهم أباً رحيماً حنوناً عطوفاً، وأسأل الله أن يجعلهم سبباً لدخولك الجنَّة.