26 محرم 1432

السؤال

شيخي مررت بحالة صعبة جداً فمنذ سنتين تقريباً أصبت بالوسواس القهري بالعقيدة في كل ما أعمله أفكر بأمور محرمة وسب... تطور الموضوع وأصبح هذا التفكير بالنسبة لي أمراً عادياً، مع العلم أني لم أترك صلاتي ولا صومي ولا الصدقة، بدأت أشعر أني ضعيفة إيمان لم أكن كذلك أبداً فقد كنت أنا من تنصح وتذكر أما الآن فأخاف حتى من الظلمة ولم أكن كذلك.. بدأت أرى كوابيس وأحلاماً مزعجة مع أني أضع القرآن بجانبي وأشغل سورة البقرة ومع ذلك أرى كوابيس والجن وأحلاماً عن الثعابين وأحياناً أخرى أحلاماً مضحكة وأستيقظ من النوم وأنا أضحك، لم أُعالج عند شيوخ أو أطباء أبداً، وأهلي لا يعلمون بأمري.. والأمر المزعج أني كنت أبكي على هذا التفكير، أما الآن لا!! وكأني قابلة هذا الوضع أصبحت قاسية ولم أكن كذلك أعاني من أفكار غريبة جداً تحولني للكفر بالله تعالى بكل وقت وحين وأحياناً أنطق الكفر بالله بقلبي مع أني لم أكن كذلك من قبل كنت عندما أذكر هذا الأمر وعندما تتكرر هذه الكلمات المُرة بقلبي أشعر بالندم والخوف من الله تعالى ومن عقابه وتصبح حالتي سيئة جداً نفسيتي أيضاً وأصير أبكي كثيراً وأندم.

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أختنا الكريمة: عافاك الله من كل بلاء وأجزل لك المثوبة والعطاء , نشكر لك مراسلتك لموقع المسلم ونشكر لك ثقتك بمستشاريه ونسال الله أن يوفقنا وينفعنا جميعا معا
أختنا الفاضلة: إن البلاء لا ينفك عن المؤمن في نفسه وماله وأهله وإن الدنيا دار بلاء واختبار والآخرة دار جزاء وما كانت الدنيا إلا وطنا للابتلاء يبتلى فيها المؤمن على قدر دينه فمن كان في دينه صلابة عظُم عليه الابتلاء حتى ينقيه الله من كل ذنوبه ويلقى الله وليس عليه خطيئة
ونحن لا نختار ابتلاءاتنا ولا يختار أحد ابتلاءه ولو خُيرنا جميعا لوجدنا كل الابتلاءات عسيرة فيجب علينا أن نصبر ونرضى لننال الرضا فماهي إلا أيام قلائل ونلقى الله سبحانه فما تعب الدنيا بجوار ألم الآخرة وما سعادة الدنيا كلها بجوار لحظة أو غمسة في نعيم الآخرة؟
ونلخص ما نريد قوله في نقاط
1- إن ما وصفتيه - أختنا - من تشخيص لحالتك بكلمة الوسواس القهري واستراحت نفسك لهذه التسمية وهي التي تعبر عن مرض من الأمراض النفسية التي تعالج طبيا لهو نوع من سبق الأحداث لأنك كما قلت لم تعرضي نفسك على طبيب أو شيخ فكيف أتيت بهذه التسمية لحالتك التي تحمل في ذاتها عنصر راحة واستسلام للمرض وعنصرا آخر خطأ لأنه قد لا تكون تلك الحالة وسواسا قهريا فقد تكون شيئا آخر غير ذلك تماما فلا تسلمي بتلك التسمية قبل أن تعرضي نفسك على طبيب مختص.
2- ربما يكون الأمر متعلقا بحالة من المس أو غيره فربما تعرضت لذلك الأذى الذي أقره الله عز وجل في كتابه فقال (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) ولهذا لابد من المداومة على التحصن بذكر الله سبحانه وقراءة الرقية الشرعية والإكثار من سورة البقرة التي تطرد الشيطان وأعوانه فقد روي في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَا تَجعَلُوا بُيُوتَكُم مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيطَانَ يَنفِرُ مِنَ البَيتِ الذِي تُقرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ" ولا بأس بتشغيلها من مذياع أو نحوه كما أفتى بذلك كثير من علمائنا الأجلاء.
3- وربما لا يعدو الأمر سوى وهم يتراكم على مر الأيام بالتصديق والاستسلام من الإنسان نفسه لأن النفس تستريح لتصديق أن هناك قوى خفية تسيطر عليها وتتحكم فيها , ولابد حينئذ من الاستبصار والمقاومة ومغالبة أي تأثير سلبي على الإرادة , فقاومي ولا تستسلمي لذلك الشعور وتلك الوساوس - كما سميتها - حتى لا يتفاقم أمرك وتنتهي مقاومتك وحينها يكون العلاج اشد صعوبة من الآن
4- وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقاوم تلك الوساوس بتقوية الإرادة على الانتهاء منها والاستعاذة الدائمة بالله ليقويك ِ على تلك الوساوس , ولست أختنا أول من تعرض لذلك فقد عُرض على الصحابة الأجلاء ما عُرض عليكِ فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فأجابهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به , فقال: (أو قد وجدتموه؟). قالوا: نعم , قال: (ذاك صريح الإيمان). رواه مسلم وفي الصحيحين عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ربك؟! فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته).