خدعة "جولدتسون"..لمحاكمة قادة حماس !
23 شوال 1430
جمال عرفة




بالتأكيد أن كل من سيقرأ هذا التحليل سيقول أنها مستند لنظرية المؤامرة وأن تقرير "جولدستون" أو القاضي "ريتشارد جولدستون" الذي ترأس لجنة التحقيق الأممية في الحرب "الإسرائيلية" الأخيرة على قطاع غزة الصادر يوم 15 سبتمبر 2009 ، له فائدة كبيرة في إدانة الصهاينة بإرتكاب جرائم حرب برغم ان رئيس هذه اللجنة الدولية الذي اقر التقرير يهودي ، ومحقق الأمم المتحدة لحقوق الانسان "ريتشارد هولبروك" أيضا يهودي ، وكانت هناك مخاوف أن يجاملا هما الاثنين "إسرائيل".

ولكن دعونا نقرأ التقرير بهدوء وتهمل ونتريث ونحن ننظر للمستقبل وكيف سينتهي الأمر بالتقرير الذي أخشى أن ينتهي عند طلب محاكمة قادة حماس وعلي رأسهم إسماعيل هنية رئيس الوزراء في غزة أمام المحكمة الجنائية الدولية علي طريقة السودان، وكالعادة لن تنفذ أي اجراءات ضد المسئولين الصهاينة بدعاوي عديدة أو بضغوط أمريكية كالمعتاد !

فالتقرير الذي أدان ما فعله الصهاينة في غزة خلال هجوم ديسمبر وغزة الماضيين، يدين حماس أيضا بإرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية أكثر من العدو الصهيوني ومن خلال بنوده وتوصياته يدين بشدة حركة حماس وعناصرها وقياداتها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بصورة أشد وأقسى وأكثر حدة مما يدين به "إسرائيل" وجيشها، والأغرب أنه يعطي الفرصة لقادة الكيان الصهيوني للهرب من نتائج التقرير لو قاموا بالتحقيق في هذه الجرائم، وهو بالطبع سيكون أمرا صوريا كعادة الصهاينة ليخرج بعدها بعام أو أكثر تقرير يقول أنه لم يثبت أي شئ من هذا الذي ذكره تحقيقي الأمم المتحدة.. ولكن بالمقابل لم يطالب التقرير حكومة حماس في غزة بالتحقيق فيما يزعمه من جرائم حرب كما طالب تل أبيب، ما يعني أنه ليس أمامها خيار لو حول الأمر للمحكمة الجنائية سوى أن يبقي قادتها تحت سيف المحكمة كما فعلوا مع الرئيس البشير ليتأكد أن هذه المحكمة ما هي سوي وسيلة وأداة للقوي الكبري لتصفية المقاومة تحت دعاوي الشرعية الدولية!.

دعونا أولا نستعرض أهم بنود التقرير الذي يربو علي 575 صفحة وأهم الفقرات التي تدين "إسرائيل" وحماس معا بنفس القوة وكأنهما متساويان، ونري ما تعنيه هذه الاتهامات.

 

اتهامات حماس خطيرة

 فيما يخص حركة المقاومة الإسلامية ورغم أنه معروف دوليا أن من حقها الدفاع عن أرضها ضد قوات الاحتلال الصهيونية، فقد أدان تقرير جولدستون حماس بإطلاق الصواريخ: معتبرا أن الصواريخ التي تطلقها المقاومة من غزة باتجاه البلدات "الإسرائيلية" تلحق أضرارا بالمنازل والمدارس والسيارات، وتسقط على مدنيين وأن هذه الصواريخ أثرت على حق الأطفال والبالغين في التعليم نتيجة عمليات إغلاق المدارس، وكذلك نتيجة لتضاؤل القدرة على التعلُم، وهو ما يشاهد لدى الأفراد الذين يعانون أعراض الصدمات النفسية!.

واعتبرت اللجنة الأممية أن لهذه الصواريخ تأثيرا ضارا على الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وأنها تسببت في نزوح المقيمين في بلدات "إسرائيلية" كانت في مرمى صواريخ المقاومة منذ العام 2001 وخلص التقرير إلى أن هذه الأفعال (يمكن أن تشكل جرائم حرب، وأنها قد تكون بمثابة جرائم ضد الإنسانية)، معتبرا أن أحد الأغراض الرئيسية لهجمات الصواريخ الفلسطينية هو نشر الرعب لدى السكان "المدنيين الإسرائيليين"، مما يشكل انتهاكًا للقانون الدولي.

وفي تفاصيل هذه التهم لحماس نجد البند (108) يقوله : (أن الصواريخ ، والى حدٍ أقل مدافع الهاون، التي أطلقتها المجموعات الفلسطينية المسلحة غير قادرة على التوجه نحو أهداف عسكرية محددة، وأطلقت على مناطق يتجمع بها سكان مدنيون (اسرائيليون) في صورة هجمات عشوائية على السكان المدنيين في جنوب إسرائيل وليس على أهداف عسكرية، وهذه الأعمال من شانها أن تشكل جرائم حرب ويمكن أن ترقى لجرائم ضد الإنسانية).

أيضا نص البند 1747 على ما يلي: (في ما يتعلق بإطلاق صواريخ وقذائف الهاون على جنوب إسرائيل من قبل مجموعات مسلحة في قطاع غزة فان البعثة ترى أن الجماعات الفلسطينية المسلحة فشلت في التمييز بين الأهداف العسكرية والسكان المدنيين والأهداف المدنية في جنوب إسرائيل، إذ أن الصواريخ وقذائف الهاون لا يمكن أن تستهدف بدقة كافية الأهداف العسكرية وتخالف المبدأ الأساسي للتمييز، حيث انه لا يوجد أي هدف عسكري مقصود فان إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون على المناطق المدنية يشكل هجوماً متعمداً ضد السكان المدنيين، أن هذه الأعمال تشكل جرائم حرب وقد تصل إلى حد جرائم ضد الإنسانية) .

الأغرب – وما يؤكد تعمد حشر حماس في التقرير لإدانتها – أن التقرير يتهم حركة حماس في قطاع غزة بالقيام بجرائم ضد الفلسطينيين من معارضيها السياسيين في قطاع غزة (بحسب اتهامات حكومة رام الله) ويغفل تماما أي حديث عن انتهاكات وجرائم يقوم بها جيش الاحتلال ضد أهالي القدس وضد المصلين في المسجد الأقصي والاعتداء علي المقدسات مع أنها جرائم حرب؟!

وأحد الفقرات التي تهاجم حماس هنا - بلا مبرر في تقرير يفترض أنه يتقصي اعتداء "إسرائيلي" علي غزة وليس مراجعة سياسات حماس الداخلية (!) – تقول: (لقد قامت حماس في غزة بتنفيذ عمليات إعدام خارج نطاق القضاء وإحداث عاهات جسيمة واعتقالات تعسفية واحتجاز وسوء معاملة للناس وخاصة المعارضين السياسيين وكل ذلك يشكل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، أن الممارسات والاعتقالات التي قامت بها حماس ضد معارضيها السياسيين لأسباب سياسية تشكل انتهاكاً لحقوق الفرد في الحرية والأمان على شخصه وحقه في محاكمة عادلة والحق في عدم التعرض للتمييز بسبب الآراء السياسية للأفراد، أن التقارير بخصوص التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة أثناء الاعتقال والاحتجاز تتطلب التحقيق الفوري والمساءلة) .

ولهذا أصدر التقرير توصية بمحاسبة حماس عما ارتكبته من إعدامات خارج نطاق القضاء بحق نشطاء فتح والفصائل الأخرى في غزة، وما قامت به من عمليات اعتقالات تعسفية وتعذيب وإحداث العاهات المستديمة في الأفراد!

والملاحظ هنا أن التقرير يحاول أن يظهر حماس كمجرمة حتي بدون العدوان الصهيوني على غزة، ويزيد علي هذا بنسب "جرائم" حماس لقيادتها وأفراد فيها هم الجناح العسكري ويتجاهل أن هناك حكومة شرعية في غزة، وبالتالي فهو يعطي المحكمة الجنائية الدولية الفرصة الأكبر – باعتبارها محكمة مخصصة لمحاكمة أفراد لا دول – لمقاضاة قادة حماس وطلب اعتقالهم دوليا كما فعلوا مع الرئيس السوداني عمر البشير.

والمعني والمغزى هنا أنه لو تم رفع التقرير إلى محكمة لاهاي، وأدانوا حماس – كما هو مؤكد - بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية، فسوف يسارع أوكامبو لتنفيذ طلب المحكمة الدولية باعتقال قادة حماس، وسيطلبون من الإنتربول الدولي جلب قيادات من حماس كمجرمي حرب، ومطاردتهم ما يجعل استهداف "إسرائيل" لهم وقتلهم مسألة قانونية دولية وتنفيذ للشرعية الدولية أيضا؟!

وقد ألمح الطيب عبد الرحيم أمين عام الرئاسة الفلسطينية لهذا – في مقال (لمن يريد أن يعرف الحقيقة) بجريدة الأهرام 10 أكتوبر 2009) – حينما قال: (إن لنا تحفظات لأسباب وطنية ان تتم معاملتهم (قادة حماس) كما سيعامل مسئولون اسرائيليون بصفتهم متهمين بجرائم حرب‏)!

ولم ينس أن يتهم حماس بنفس اتهامات لجنة حقوق الإنسان الدولية واتهامات "إسرائيل" أيضا بأنهم ‏(قيادة حماس): "رفضت مناشدة الرئيس اكثر من مرة‏(‏ مباشرة وعير مباشرة‏)‏ بوقف اطلاق الصواريخ كمبرر ستتخذه إسرائيل لشن عدوانها‏).

 

اتهامات روتينية لـ"الاسرائيليين"

وبالمقابل نلاحظ أنه فيما يتعلق بإدانة "إسرائيل"، يتعامل تقرير جولدستون مع "إسرائيل" كدولة ويقصر اتهامها علي انها تخرق اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بـ(حماية المدنيين في وقت الحرب) فقط، وخصوصا المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص علي أنه: "تحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب السلب محظور وتحظر تدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم" والمادة 31 بخصوص معاملة المدنيين.

ففي البند 1172 من التقرير جاء: (تلقت البعثة معلومات تتعلق بوجهٍ خاص بالمعاملة التي تلقاها بعض الشهود مثل التكبيل والضرب المبرح أثناء الاعتقال، والاستجواب، والتي تمت في ظروف كريهة وقاسية أو بالحبس الانفرادي وتعد مثل هذه المعاملة انتهاكاً للمادة 31 من اتفاقية جنيف الرابعة ) ، ولاحظوا هنا الفرق في نص عبارات الاتهامات الموجهة لاسرائيل مقابل تلك الموجهة لحماس .. فيما يتعلق بإسرائيل يجري الحديث عن انتهاكها للمادة 31 من اتفاقية جنيف الرابعة أما ما يتعلق بحماس فالحديث يدور حول (جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية)، وهذه الاتهامات بالتحديد هي النوع الذي تنظره المحكمة الجنائية الدولية المسماة بنظام روما!

أيضا نص البند 1732 من تقرير جولدستون على ما يلي: (من الحقائق التي تم جمعها وجدت البعثة أن الانتهاكات الجسيمة التالية لاتفاقية جنيف الرابعة والتي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة مثل القتل العمد، والتعذيب أو المعاملة اللانسانية تتعمد أحداث آلام شديدة أو أضرار خطيرة بالبدن أو بالصحة، والدمار الواسع النطاق للممتلكات لا تبرره الضرورة العسكرية وينفذ بصورة غير مشروعة وتعسفية كمخالفات جسيمة وتترتب عن هذه الأفعال مسؤولية جنائية فردية)!

ويلاحظ هنا التركيز في الحالات الصارخة علي أن مسئولية "إسرائيل" ليست مسئولية دولة محتلة ولكنها مسئولية أفراد (مجهولين) من الجيش "الاسرائيلي" أي جنائية فردية ، وبالتالي إعفاء الكيان الصهيوني من اتهامات بأن هذه الجرائم كانت وليدة سياسته أو أنها جرت بتعليمات من حكومته، ما يقلل من أهمية هذه الجرائم ويجعلها مجرد حالات فردية مجهولة!

وجاء في التقرير أن "إسرائيل" "لم تتخذ الاحتياطات اللازمة المنصوص عليها في القانون الدولي للحد من الخسائر في الأرواح البشرية وفي الإصابات التي تنال المدنيين والخسائر المادية" ، وأن "إطلاق قذائف من الفوسفور الأبيض على منشآت لوكالة الأونروا (وكالة غوت وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) والقصف المتعمد لمستشفى القدس بقذائف متفجرة وفوسفورية، والهجوم على مستشفى الوفاء، خروقات للقانون الإنساني الدولي".

وخلص التقرير إلى أن إسرائيل انتهكت الالتزامات التي تقيدها بها اتفاقية جنيف الرابعة بوصفها سلطة احتلال، مثل واجب المحافظة على المنشآت والخدمات الطبية ومنشآت وخدمات المستشفيات. واعتبرت اللجنة الأممية أن إسرائيل انتهكت القانون الدولي الإنساني لأن الأوضاع الحياتية التي فرضتها في غزة قبل الحرب وأثناءها وبعدها تشير إلى نية توقيع العقوبة الجماعية على سكان القطاع.

وذكر التقرير أن الحصار يحرم سكان غزة من أسباب العيش ومن فرص العمل والسكن والمياه، ومن حرية التنقل ومغادرة بلدهم، ويحد من إمكانية لجوئهم إلى المحاكم القانونية الفعالة، واعتبر أن هذه الأفعال يمكن أن تكون بمثابة اضطهاد، أي جريمة ضد الإنسانية.

وعندما تحدث التقرير عن (وجود سياسة متعمدة ومنهجية من جانب القوات العسكرية الإسرائيلية لاستهداف المواقع الصناعية ومنشآت المياه، واعتبر تدمير مطحن الدقيق الوحيد الذي كان ما يزال يعمل في قطاع غزة تدميرا غير مشروع ولا تبرره ضرورة عسكرية) قال أن هذه بمثابة جريمة حرب.

وبشأن تدمير مزارع دواجن في القطاع أثناء الحرب، خلصت اللجنة إلى أن ذلك كان فعلا متعمدا من أفعال التدمير المفرط الذي لا تبرره أي ضرورة عسكرية، وأسقطت عليه نفس الاستنتاجات القانونية التي خلصت إليها في حالة تدمير مطحن الدقيق، وكذلك الشأن بالنسبة لتدمير بئرين لمياه الشرب في القطاع.

وحققت اللجنة في أربع حوادث أجبرت فيها القوات المسلحة "الإسرائيلية" مدنيين فلسطينيين معصوبي الأعين ومصفّدي الأيدي تحت تهديد السلاح بالاشتراك في عمليات تفتيش لمنازل أثناء العمليات العسكرية. وخلصت إلى أن هذه الممارسة هي بمثابة استخدام للمدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية، وأنها محرمة بموجب القانون الإنساني الدولي وتشكل جريمة حرب.

كما اتهم التقرير "إسرائيل" بإساءة معاملة المدنيين بصورة مستمرة ومنهجية، والاعتداء على كرامتهم وإذلالهم وإهانتهم، ورأت أن هذه المعاملة تعد توقيعا لعقوبة جماعية عليهم، وهو ما رأت فيه خرقا خطيرا لاتفاقيات جنيف وجريمة حرب.

والخلاصة أن التقرير أورد ايجابيات بإدانة "الدولة" الصهيونية ولكنه خفف كثيرا من هذه الادانات لقرابة 100 جريمة صهيونية في حين ركز علي ما اعتبره جريمة واحدة لحماس هي قصف أهداف "مدنية إسرائيلية" برغم أنه اعترف أن هدف القصف أهداف عسكرية اسرائيلية ولكن الصواريخ الضعيفة وقذائف الهاون القصيرة المدي اصابت أهدافا مدنية .

وخطورة التقرير ليست في اتهام الصهاينة بجرائم او انتهاك معاهدات دولية – فهذه جرائم متكررة في تقارير دولية ألقيت في صفيحة القمامة، ولكن خطورة التقرير أنه عظم ما اعتبره جرائم حماس وحاكم حكومة حماس في غزة برغم أن هذا ليس إختصاصه، بهدف وحيد هو مساواة الضحية بالجلاد كي يعطي الفرصة للجلاد في الهرب من جهة ويضمن إحالة قادة حماس للمحكمة الجنائية الدولية ولا يمس الصهاينة بأذى!