خطاب أوباما: (المرأة والاقتصاد والمخلص الأوحد!!)
18 جمادى الثانية 1430
د. محمد يحيى
المرأة المسلمة:
جاء خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في القاهرة تحت عنوان "رسالة إلى العالم الإسلامي" ليحمل في طياته العديد من الأفكار التي يجب الوقوف عندها بالتحليل بعيدًا عما حدث من جانب البعض من تهليل أجوف للخطاب أو من هجوم عليه بدون تدبر، ولعل أبرز الأفكار التي جاءت في حديث أوباما ولم يتطرق إليها التحليل كثيرًا هي الفكرة التي عنونها بـ"تحرير المرأة في العالم الإسلامي"، والتي تضمنت بعض التوجهات التي ذكر أنه يحب أن يراها مثل تعليم الفتيات على وجه الخصوص، وإتاحة الفرصة للنساء في الانشغال بالأعمال من خلال تقديم التدريب لهن مع بعض القروض التي تمكنهن من إنشاء أعمال بسيطة.
وقد جاءت هذه الفكرة في سياق أوسع ذكر فيه أوباما قبلها بقليل أنه لا يجب ولا يمكن أن تفرض أية حكومة أو دولة في العالم على الدول الأخرى، وهو يقصد هنا العالم الإسلامي ما يجب عليها أن تفعله في مجال الديمقراطية أو ما شابه ذلك من أفكار، إلا أن أوباما وفي نفس الخطاب، وبعد أن ذكر هذا بدقائق قليلة مضى إلى فكرة تحرير المرأة التي لا تعني شيئًا إلا فرض المفاهيم الغربية حول المرأة على العالم الإسلامي.
صحيح أن أوباما تحدث في الخطاب عن حق المرأة الإسلامية في ارتداء الحجاب، وإن كان هذا يتعلق بأمريكا فقط، إلا أنه عندما تحدث في فقرة تحرير أو تمكين أو تعزيز مكانة المرأة، لم يكن يأتي بجديد، بل إن هذا هو نفس الخطاب القديم الذي يعرفه العالم الإسلامي منذ ما يزيد على الربع قرن قادمًا في كتابات ما يسمى بالمنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمات الأمم المتحدة كما يعرفه من الخطاب العلماني الداخلي في البلاد الإسلامية، وهو خطاب متأثر بما يأتي من الغرب من أفكار يراد فرضها على المسلمين فرضًا.
ولذلك فإن حديث أوباما في هذه الزاوية ليس حديثًا جديدًا بل هو حديث قديم خبره المسلمون بل وتجرعوا مرارة آثاره على أحوالهم الاجتماعية، وعلى تفكك الأسر وعلى انتشار الانحرافات المختلفة وعلى الاضطراب في العادات والتقاليد والقواعد الاجتماعية الراسخة، بل وانعكس أكثر على تحلل الالتزام بالتعاليم الدينية الإسلامية، كما أن ما اقترحه أوباما بالنسبة إلى أوضاع المرأة المسلمة ليس أيضًا شيئًا جديدًا، لأن أجهزة المعونة الأمريكية الناشطة في الكثير من البلدان الإسلامية وبالتحديد في القاهرة التي ألقى منها الخطاب، كانت منذ ثلاثين عامًا تعمل على إنجاز هذا التغيير في وضع المرأة المسلمة في عالمها وفي بيتها وفي مجتمعها، وذلك من خلال النص الصريح على توجيه الأموال والمساعدات والقروض القادمة في إطار هذه المعونة إلى مشروعات أسميت باسم مشروعات تمكين المرأة أو مشروعات التمييز الإيجابي لصالح المرأة لتعويضها عن ظلم تاريخي مزعوم تعرضت له.
ولا يعنينا هنا سوى القول بأن ما جاء به أوباما في هذا المجال ليس أمرًا جديدًا، بل هو أمر قديم، وهو أمر طالما قاومه دعاة الإسلام وطالما رأينا آثاره السلبية على مجتمعاتنا، إلا أن ما يلفت النظر أن هذه الدعوة المكررة والقديمة والتي أنتجت آثارًا سيئة ترد في خطاب أوباما على أنها هدية جديدة يقدمها إلى العالم الإسلامي، وعلى أنها فتح أتى به ليحرر وينقذ النساء المسلمات من الظلم الواقع بهن فضلاً عن أنه يناقض نفسه في خطابه بين دعوات إلى عدم التدخل في الشؤون العقائدية للمسلمين وبين دعوات إلى عدم فرض أشياء على المسلمين، ودعوات حول احترام الإسلام وحول أن الإسلام دين يقوم على العلم والتسامح والحضارة يكون تناقض بين كل ذلك والادعاءات والدعاوى الواردة في خطابه وبين دعوته المحددة والصريحة إلى فرض نهج محدد ومفصل ودقيق وصارم على المرأة المسلمة في حياتها الأسرية، والاجتماعية داخل العالم الإسلامي.
كذلك فإن اختيار أوباما لهذه النقطة وتركيزه عليها في خطاب يفترض أنه تاريخي ومهم وموجه للعالم الإسلامي على سبيل المصالحة وإقامة جسور التعاون ينم عن خطأ كبير في الفهم لأنه يغفل قضايا كثيرة يعاني منها العالم الإسلامي، بل ويعاني منها بسبب مباشر، هو سبب تدخلات الدول الكبرى الغربية وعلى رأسها أمريكا في الشؤون الاقتصادية والسياسية لبلدان العالم الإسلامي، فهو عندما يتحدث عن تحرير المرأة أو إعطائها إمكانيات التطور ينسى مشاكل صارخة وخطيرة يعاني منها كل العالم الإسلامي، وكل سكانه وليس النساء فقط، وهي مشاكل الفقر والبطالة ونقص الموارد وتدهور الأحوال البيئية والمعيشية وما إلى ذلك، وهي أمور يعاني منها الجميع بل ويعاني منها الرجال أكثر من النساء لأن الرجال في الثقافة الإسلامية هم الذين يقوم عليهم عماد بناء الأسرة ورعايتها والإنفاق عليها، والذي يدل هذا عليه هو أن الخطاب في تركيزه على هذه النقطة بالذات كشف عن عدم وضوح الرؤية، بل عن جهل كبير أو عن تجاهل متعمد للأحوال الحقيقية في العالم الإسلامي كما كشف عن تناقض داخل الرؤية الأمريكية، وتناقض في طرحها، وكشف كذلك عن احتقار للعالم الإسلامي الذي يأتي إليه رئيس دولة يحلو للبعض أن يسميها بأكبر دولة في العالم لكي يقدم لها بعض الأفكار المستهلكة والتي اجترت كثيرًا على أنها حلول تاريخية أو على أنها أمور عظمى مع تجاهل القضايا الحقيقية التي يعاني منها العالم الإسلامي وبالتحديد في علاقته مع أمريكا وسائر الغرب.
* * *
 
الاقتصاد والشراكة:
من القضايا التي ذكرها (الرئيس الأمريكي) باراك أوباما في خطابه الذي ألقاه موجهًا إلى العالم الإسلامي من القاهرة قضية جاءت في أواخر هذا الخطاب إلا أنها لا تخلو من أهمية كما أن معالجته لها لها دلالات كثيرة، وأعني بذلك القضية الاقتصادية ودعواه إلى إيجاد مشاركة بين الشعوب الإسلامية وبين أمريكا من خلال تقديم معونات اقتصادية وتشجيع رجال الأعمال الأمريكيين على الاستثمار في العالم الإسلامي وعلى إقامة شراكات بينهم وبين زملائهم من رجال الأعمال في العالم الإسلامي.
والواقع أن طرح هذه القضية المهمة على هذا المستوى المحدود هو أمر مخل كثيرًا ليس فقط بأهميتها بل أيضًا برؤية الرئيس الأمريكي ورؤية إدارته ودولته معه، فطرحه للقضية يحولها إلى مجرد دعوة لرجال الأعمال الأمريكيين لكي يستثمروا في العالم العربي مما يحقق مصالحهم هم أولاً قبل أن يحقق مصالح العرب والمسلمين، بل إن الأمر كله يتحول إلى قضية محدودة ذات شقين، أولها هو تقديم معونات أمريكية إلى رجال الأعمال من القطاع الخاص في العالم الإسلامي وثانيها هو هذه الشراكة الاقتصادية بين رجال الأعمال من الطرفين، وفي كلتا الحالتين فإن المسألة تتحول من قضية مهمة يجب أن تطرح على أبعاد كثيرة إلى دعوة لتبادل المنافع بين قطاع محدود في العالم الإسلامي ونظيره في أمريكا وهو قطاع رجال الأعمال مع التأكيد على أن الفائدة في هذه الحالة سوف تعود إلى رجال الأعمال الأمريكيين بحكم تمتعهم بالعديد من المزايا وأوجه السبق مما لا تتيسر لنظرائهم في العالم الإسلامي.
إن المسكوت عنه والمسقط والمغفل ذكره في خطاب أوباما حول هذه النقطة بالتحديد هو أمر كبير وخطير فهو لا يتحدث مثلاً عن عملية العولمة والتي جعلت أمريكا هي القوة السائدة في العالم وبالذات في المجال الاقتصادي كما لا يتحدث عن نهب الغرب، وعلى رأسه أمريكا ومعها في ذلك بقية الدول الغربية لمقدرات والمصادر الطبيعية في العالم الإسلامي واستخدامها لهذه المصادر رخيصة الثمن والتي فرض عليها هذا الرخص للسعر لكي تقيم حضارتها الزاهرة وتقيم نمط حياتها الاستهلاكي المسرف الذي يهدد الآن بتدمير كوكب الأرض ومن عليه، ومع ذلك فإن أوباما يتجاهل كل هذه القضايا الحيوية ويحول الحديث عن الاقتصاد في رسالته إلى العالم الإسلامي إلى مجرد دعوة لتنشيط التجارة بين الطرفين تحقيقًا لمصلحة الطرف الأمريكي أولاً، وبعدها تحقيقًا لمصالح حفنه محدودة من رجال الأعمال في العالم الإسلامي لا يمثلون بحال شعوبهم بل على العكس يحتكرون الثروات وينفقونها على أنفسهم دون أن يتعدى هذا الإنفاق إلى مجتمعاتهم الإسلامية إلا قليلاً.
إن هذا التسطيح الخطير لتناول القضية الاقتصادية، إنما يشير إلى عدم إعداد خطاب أوباما جيدًا أو على أنه أعد ليكون فقط خطاب علاقات عامة يدغدغ فيه مشاعر بعض الأطراف الإسلامية هنا وهناك وهو في هذه الزاوية بالذات اختار بدلا من أن يطرح قضية مهمة ورئيسية في العلاقة بين الإسلام والغرب أن يطرح هذه القضية مدغدغًًا مشاعر وتوقعات حفنة رجال الأعمال الذين يعملون على امتداد العالم الإسلامي دون أن يلتزموا بقضايا أمتهم، ودون أن يضيفوا إليها الكثير مما تحتاجه ودون أن يستثمروا أموالهم استثمارًا يعود بالخير على مجتمعهم وإنما يستثمرونها فقط بما يعود بالنفع والربح عليهم وعلى أسرهم وعلى النخب المحدودة التي يتحركون في إطارها إن لم يستثمروها في الغرب نفسه وفي أمريكا ليحققوا بذلك الربح الأعظم والنفع الأكبر للمصارف الغربية ولشتى المؤسسات المالية والاقتصادية في الغرب.
إن هذا الطرح الذي طرحه أوباما لا يكشف فقط عن ضعف منهجه في توجيه رسالة إلى العالم الإسلامي بل يكشف أيضًا عن تسطيح متعمد وتهرب من مواجهة القضايا الحقيقية القائمة بين الإسلام والغرب في مجال الاقتصاد وهي قضايا الهيمنة الغربية على هذا المجال الاقتصادي والاحتكار والتحكم والسيطرة من خلال المصارف والبورصات وخفض أسعار المواد الأولية التي ينتجها العالم الإسلامي وحرمان العالم الإسلامي من الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة ورفض إقامة شراكات حقيقية والعمل على العكس من ذلك على إقامة شراكات وهمية تحقق أرباحًا للأمريكان أولاً، وتلقي ببعض الفتات إلى النخب المحدودة الصغيرة جدًا السائرة في ركابهم، والدائرة في فلكهم من رجال الأعمال ومن النخب العلمانية الثقافية.
إن كيفية هذا الطرح من جانب أوباما الجانب الاقتصادي في خطابه إنما يدل على أن هذا الخطاب لم يكتب فعلاً ليكون رسالة إلى العالم الإسلامي بقدر ما كتب كما أشرت قبل ذلك ليدغدغ مشاعر ويخاطب فئات محدودة جدًا في ذلك العالم الإسلامي يرى أوباما ودولته أنها تدور في الفلك الغربي وتشتغل بالعمالة والتبعية لهذا الغرب، قبل أن تكون مخلصة لأمتها، ولعل في توجيه الخطاب إلى هذه الدوائر التابعة فقط دون توجيهه إلى القطاعات الأكثر اتساعاً من العالم الإسلامي يدل في حد ذاته على نوعية هذا الخطاب، وإلى من يتوجه به وهو يدعم الجانب العاطفي والدعائي في هذا الخطاب، ذلك الجانب الذي تجلى أكثر ما يتجلى في كثرة الاستشهاد بمعان للآيات القرآنية وفي إسراف المديح على العالم الإسلامي وعلى الدين الإسلامي وتاريخه بطريقة مبتذلة تسير مسار الدعايات التجارية الأمريكية التي نعرفها من الإعلانات عن السلع الاستهلاكية التي نشاهدها في التليفزيون والسينما وسائر وسائل الإعلام.
* * *
العاجزون والمخلّص الأوحد!!:
 
لاحظ الكثيرون ممن تابعوا الضجة المثارة حول زيارة أوباما إلى مصر لإلقاء خطاب وصف بأنه رسالة إلى العالم الإسلامي، لاحظوا عدة أمور هي في حد ذاتها خطيرة وقد صدرت أصداؤها في أجهزة الإعلام المحلية كما وجدت أصدائها في أجهزة الإعلام العربية عمومًا، ولعل أبرز هذه الأصداء هي تحويل أوباما كشخص وكرئيس للولايات المتحدة إلى نوع من المخلص أو الزعيم القائد الذي جاء إلى العالم الإسلامي يحمل رسالة جديدة، ويحمل مبادرات عديدة تنقذ هذا العالم وتحل مشاكله، إن لم يكن مع نفسه ومع سائر كوكب الأرض فعلى الأقل مع الغرب.
إن هذا الانطباع أو هذه الصورة التي أوجدها الإعلام في العديد من البلدان العربية وبالقطع في مصر، حيث كانت المحطة الثانية لأوباما في جولته العربية قد أدى إلى إحساس رهيب بأن العالم العربي يفتقد الزعامات والقيادات، بل ويفتقد الأفكار والمبادرات التي تمكنه من أن يحل مشاكله ويأخذ سبيله نحو التقدم والعلا بعيدًا عن إملاءات الغير، لقد ظهر هذا العالم العربي بالذات من خلال تلك التغطية الإعلامية الغريبة والمهللة لمقدم أوباما على أنه عالم يخلو من الأفكار ومن المبادرات ومن النشاط ومن الفعل الإيجابي، ويجلس منتظرًا أن يأتيه رئيس أمريكي كل مائة عام أو أكثر أو أقل لكي يرشده إلى سبيل الهدى ولكي ينشطه ويحركه ويعرض عليه ماذا يفعل، كما يوضح له الاتجاهات التي يجب أن يأخذ بها ويبين له سبل الرشاد وينصحه بالعمل الاقتصادي مع الأمريكان في شركات وينصحه كذلك بتعليم الفتيات والنساء وإعطائهن بعض المشروعات الصغيرة، كما ينصحه باتباع سبل الشفافية والوضوح في أعمال الحكومات وانتهاج سبل الديمقراطية وحرية التعبير في مجالات الفعل والنشاط الاجتماعي، كما ينصح هذا العالم أيضًا أو بعض قواه بالكف عن الإرهاب والتطرف وينصحها بالتعامل والتعاون مع "إسرائيل" على أساس حل لم تتضح معالمه بعد، بل ويقول أحد الذين علقوا على الزيارة أن معالم هذا الحل الذي بشر به أوباما في خطاب سوف تظهر رؤوس عناوينها بعد ستة أشهر، ويعلم الله وحده إذا كانت رؤوس العناوين سوف تظهر بعد ستة أشهر، فمتى سوف تظهر العناوين نفسها، ومتى سوف تصدر التفاصيل وتفاصيل التفاصيل حول هذه المبادرة؟
إن هذه التغطية الإعلامية المعيبة لزيارة أوباما، ودعك من عملية التهليل الساذج والمسرف والمبالغ فيه إلى حد مضحك، قد أظهرت العالم العربي على أنه يعاني من أزمة غياب القيادة والفكر والتوجه والمبادرة، بل وحتى مجرد الرغبة في إنقاذ نفسه، والغريب أنه بينما جاء أوباما وأبدى احترامه لحكمة قائد عربي مثل ملك السعودية، وأيضًا أبدى احترامه للمبادرة العربية التي وضعتها السعودية، وكان قبل ذلك قد أبدى احترامه لقادة تركيا عندما زار تلك البلاد منذ أسابيع قليلة، إلا أن الإعلام قد أصر على إظهار أوباما على أنه هو الزعيم الحقيقي والوحيد في العالم العربي وعلى أنه هو الوحيد القادر على الإتيان بالأفكار والمبادرات، وهناك أيضًا تناقض غريب في تلك التغطية الإعلامية ونوعيتها إذ بينما أكد أوباما في خطابه على أن الإسلام دين يقوم على بناء الحضارة وعلى قيم العلم والمعرفة والتقدم مما يعني أن أوباما يرى في الإسلام دينًا قادرًا على التعامل مع مشاكل العصر وعلى القيام بمبادرات وعلى تقديم أفكار ليس فقط لنفسه بل لسائر الإنسانية، أقول على الرغم من هذا كله لا يزال الإعلام العربي والمحلي أو القطاع الأكبر منه يرى أن هذا العالم عاجز عن أن يساعد نفسه وأنه يجب عليه أن ينتظر شخصًا مثل أوباما قادمًا إليه من وراء المحيطات لكي يقدم له الأفكار والمبادرات التي تعمل على نهضته ونشاطه من جديد.
والغريب أيضًا أنه بينما يعلن أوباما في خطابه عن عدم رغبته في أن تقوم بلاده بفرض تصورات ومفاهيم معينة عن الديمقراطية أو عن غيرها إلا أنه هو نفسه يفرض مفاهيم على العالم الإسلامي فيما يتعلق بوضع المرأة أو فيما يتعلق بالنشاط الاقتصادي، ثم يقوم أتباع أوباما وأتباع بلاده في الإعلام العربي بإكمال المهمة، وتصويره على أنه هو الوحيد المنقذ والمخلص الذي قدم ليوضح للعالم العربي والإسلامي كيف يتصرفان، وكيف يتقدمان حتى في خطوات بسيطة ومحدودة لا تحتاج إلى من يأتي من أقصى الدنيا لكي يبشر بها مثل إقامة المشاريع الهادفة إلى الربح أو تشجيع تعليم الفتيات وقيامهن بخدمة مجتمعهن، أو بالتسامح نحو الأقليات الدينية الموجودة في العالم العربي.
إن الإعلام الذي هلل لزيارة أوباما والذي قرن ذلك بتحويله إلى البطل المنقذ والمخلص قد أدان من حيث لا يدري الأمة الإسلامية بتصويره لها على أنها أمة تخلو من الفكر ومن القيادة ومن العمل ومن حس المبادرة، كما أن الذين شاركوا في الزفة والتهليل لزيارة أوباما وتحويلها إلى حدث تاريخي نادر قد أسهموا أيضًا من حيث لا يدرون أو لعلهم من حيث يدرون في إدانة العالم العربي وتصويره بمنظر العاجز والقاعد الذي لا يفعل شيئًا بنفسه والذي ينتظر لكي يأتيه الفرج وتأتيه الهداية من الخارج وكأنه كالعبد الذي أشار إليه القرآن الكريم الذي أينما يوجهه سيده يكون كلاًّ عليه ولا يأتي بخير، ولعل في هذا التصوير ما يشي بمصير مبادرات أوباما لأنه اعتمد فيها على اتجاهات لا تقدر على أن تقوم أو تأخذ بالمبادرة.