"الحفريات" والتهجير وهدم المنازل.. أذرع إخطبوط تهويد القدس
24 ربيع الأول 1430
نسيبة داود
بينما كان الجميع مشغولا بفعاليات احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009 أواخر شهر يناير الماضي، كانت سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تستمر في العمل على قدم وساق من أجل تهويد القدس.
القدس، تلك العاصمة الدينية والتاريخية والسياسية والاقتصادية لعرب فلسطين ومسلميها، مرت بمؤامرات عديدة ومحاولات يهودية لتزوير هويتها، بدءا من تهويد المقدسات بعمل "حفريات" تحت المسجد الأقصى وبناء الكنس اليهودية ومحاولات عدة لحرق وهدم المسجد واجتياحه، وحتى تهويد السكان عن طريق طرد العرب والمسلمين من المدينة واستقدام يهود آخرين من شتى بقاع الأرض لتغليب تعداد اليهود فيها، ومرورا بتهويد ملامح المدينة عن طريق هدم المنازل وردم الآثار الإسلامية وبناء مستوطنات على أنقاضها.
ومع إدراك المسلمين أن القدس تواجه أخطر هجوم احتلالي تهويدي عليها منذ عام 1967، تصاعدت التحذيرات من جانب الإسلاميين المهتمين بالقضية وعلى رأسهم الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية، والشيخ عكرمة صبري مفتي القدس، اللذان حذرا من أن الخطوة المقبلة هي نسف المسجد الأقصى بعد بناء الهيكل تحته.
تهويد المقدسات
"حفريات" تحت الأقصى وفي محيط الحرم
بدأت "الحفريات" تحت ساحة الحرم المقدسي من الناحية الجنوبية للحرم وبالتحديد من منطقة القصور الأموية القديمة وباتجاه المسجد الأقصى. وتمتد "الحفريات" أسفل السور الجنوبي للحرم القدسي والسور الغربي وتحديدا أسفل باب المغاربة، حتى تصل إلى أقصى الشمال الغربي للمسجد حيث تقع المدرسة العمرية. وأدت هذه "الحفريات" إلى تصدع جميع الأبنية الإسلامية من مساجد وزوايا على الحائط الغربي للمسجد وسقوط بعضها.
وفي عام 1999 قامت حكومة إيهود باراك (وزير الحرب حاليا) ببناء درج عند الجزء الشرقي من السور الجنوبي للحرم الذي هو حائط المصلى المرواني والحد الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك. وقد افتتحه باراك بنفسه وادعى كذباً أن هذا كان مدخل الهيكل اليهودي المزعوم.
وتتابعت "الحفريات" الهيكلية تحت الأقصى إلى أن تم هدم باب المغاربة الواقع على امتداد حائط البراق غربي ساحة الحرم المقدسي. واعتبر ذلك خطوة خطيرة نحو السيطرة "الإسرائيلية" الكاملة على البوابة الجنوبية الغربية للأقصى.
وتقوم سلطة الآثار "الإسرائيلية" ووزارة الأديان بالتنقيب عن آثار يهودية مزعومة تحت المسجد، حيث تقول الروايات اليهودية بوجود الهيكل اليهودي في هذا الموقع، وبناءً على ذلك تقوم بحفر الأنفاق للبحث عن بقايا ذلك الهيكل. هذه هي الرواية "الإسرائيلية"، لكن ما يحدث في الواقع أن السلطات "الإسرائيلية" تقوم ببناء الهيكل الثالث تحت أرض المسجد الأقصى وفي هذه الأنفاق، ربما ليقولوا -عقب تهاوي جدران المسجد نتيجة لخلخلة التربة من تحته ومنع أعمال الترميم الضرورية- إن "حفرياتهم" كشفت وجود الهيكل، الذي هو في الواقع تم بناؤه خلال السنوات القليلة الماضية. ويقتضي الوضع يومئذ الحفاظ على ما سيتم اعتباره "مقدسات يهودية" متمثلة في الهيكل، والإبقاء عليه، وهو ما ينبني عليه عدم إعادة بناء المسجد بعد سقوطه لا قدر الله.
وفي هذه الحالة لن يسمح للمسلمين بالصلاة على تلك الأرض الطاهرة التي تظل هي المسجد وإن هدم البنيان، أو على أقل تقدير سيسمح لهم ببناء مسجد مجاور للموقع ربما أو الاكتفاء بمسجد قبة الصخرة بعد هدم الأقصي، وهي الفكرة التي يدعمها الإعلام الغربي و"الإسرائيلي" عن طريق الخلط عمدا بين المسجدين والإيحاء بأن تلك القبة الذهبية الرائعة التشييد هي المسجد الأقصى، في حين أنها مسجد مجاور بني في عهد الخلافة الأموية.
وأواخر العام الماضي جرى افتتاح نفقين كبيرين أسفل وفي محيط المسجد الأقصى المبارك أحدهما في سلوان والثاني في منطقة الواد في البلدة القديمة قرب منزل الزوربا. كما نقلت سلطة الآثار "الإسرائيلية" بؤرة نشاطاتها إلى منطقة البلدة القديمة في القدس، بهدف تنفيذ ما لا يقل عن تسع "حفريات" كبيرة طويلة المدى. وتتضمن الخطة إقامة الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى، وإقامة ما يسميه اليهود بـ"قدس الأقداس" مكان مسجد قبة الصخرة، إلى جانب بناء "القصر الملكي اليهودي" في موقع المصلى المرواني جنوب شرق ساحة الحرم.
وعلى امتداد تلك الأنفاق، أقامت السلطات "الإسرائيلية" معابد يهودية وكنس ومجسمات للهيكل المزعوم، حيث يفد إليها المصلون اليهود، ويدخلونها من الدرج الذي أنشأته "إسرائيل" عند المصلى المرواني، ليمارسوا طقوسهم الذميمة في تلك الأماكن القدسية الطاهرة. وفي أكثر من مرة تسلل بعض اليهود من خلال هذه الممرات الأرضية إلى ساحات الحرم القدسي وقاموا بتدنيسها.
وسبق أن كشف الدكتور إبراهيم الفني مدير مؤسسة القدس للبحث والتوثيق عن وجود خطتين "إسرائيليتين لتهويد المسجد الأقصى، الأولى تتضمن فتح القاعات الفاطمية الثلاث الموجودة أسفل المسجد الأقصى والتي تقوم عليها أعمدته، الأمر الذي سيؤدي إلى تهاوي المسجد. والخطة الثانية أنه في حال عدم انهيار المسجد فإنهم سيقومون بوضع الهيكل المزعوم في هذه القاعات.
تهويد مقابر المسلمين
ولا تقتصر محاولات التهويد على ساحات المسجد التي يريدون بناء الهيكل على أنقاضها، بل تمتد إلى التعدي على مقابر المسلمين المحيطة بالحرم. وتخوض لجنة لجنة الدفاع عن الأقصى معركة قضائية مع قوات الاحتلال منذ عدة أشهر بشأن التعدي علي مقابر المسلمين والسعي لتحويلها لمركز "تسامح" يهودي. وتشهد أرض مقبرة "مأمن الله" في القدس أعمال حفريات واسعة بمشاركة وتمويل حاكم ولاية كاليفورنيا الأمريكية الممثل الهوليوودي أرنولد شوارتزنيجر. وهذه المقبرة التي تبلغ مساحتها 200 دونما هي أكبر وأقدم مقبرة إسلامية في المدينة وفيها قبور الصحابة الكرام والتابعين والشهداء والعلماء.
وسبق أن وجه الشيخ رائد صلاح رئيس لجنة الدفاع عن الأقصى نداء لسفراء الدول العربية والإسلامية في البلاد لزيارة المقبرة والوقوف على حجم الجريمة "الإسرائيلية" فيها، والعمل على إنقاذ ما تبقى منها.
تهويد الساحات والمباني الأثرية في محيط الحرم
قامت الشرطة "الإسرائيلية" عام 1967 بالاستيلاء على مفتاح باب المغاربة (وهو من أبواب المسجد الأقصى المبارك)، وأصبحت بذلك تسيطر على مدخل الحرم الغربي المحاذي لحائط البراق. ومازالت تلك السيطرة مستمرة حتى الآن حيث يستخدم هذا الباب في استقبال الوفود "الإسرائيلية" والسياحية فقط في حين يمنع المسلمون من الدخول من خلاله.
وإلى جانب ذلك، سمحت السلطات "الإسرائيلية" لشركات يهودية باستخدام ساحة خلفية للمسجد تقع على بعد 30 متراً من أسوار الحرم القدسي الشريف وقامت بترخيصها كموقف للسيارات. لكن عصابات المستوطنين المتمثلة بالجمعية الاستيطانية "إلعاد" وبالتنسيق مع سلطات الاحتلال، استغلت الترخيص لتبدأ في مشروع عملاق لبناء مبنى ضخم يضم قاعة مؤتمرات للصهاينة.
وقالت حركة السلام الآن "الإسرائيلية" المناهضة لـ"الاستيطان": "إنه تحت غطاء حفريات أثرية تجري أعمال لتشييد مبنى ضخم بمساحة 115 ألف متر مربع، يشمل قاعة مؤتمرات ومركزاً تجارياً وغرف ضيافة وموقف سيارات تحت الأرض".
كما طالت عمليات التهويد المدرسة العمرية التي تقع في الجهة الشمالية الغربية للمسجد الأقصى المبارك، والتي تعتبر جزء لا يتجزأ منه، حيث يحاول اليهود أن يستولوا عليها ليبنوا كنيسا بها. وقدّمت 3 جمعيات استيطانية "إسرائيلية" طلباً للحكومة "الإسرائيلية" لتحويل المدرسة إلى كنيس يهودي أو السماح لليهود بأداء صلاتهم في هذه المدرسة. وتعتبر هذه المدرسة إرثا إسلاميا دينيا كما أنها إرث حضاري عربي، وتبلغ مساحتها ثمانية دونمات ويقع تحتها أروقة كبيرة تمتد تحت ساحات حرم الأقصى من الداخل، وتصل إلى قبّة الصخرة المشرفة.
حريق المسجد الأقصى
تعرض المسجد الأقصى والمصلون لعدة اعتداءات على مدار تاريخ الاحتلال "الإسرائيلي" كان أشهرها قيام الصهيوني من أصل أسترالي دوينس دوهان عام 1969 بإحراق الجزء الجنوبي من المسجد الأقصى المبارك. والتهمت النيران منبر صلاح الدين الأيوبي الأثري والحائط الجنوبي للمسجد الذي تعود زخارفه إلى العهدين الأموي والعباسي.
وأشارت تقارير إلى تواطؤ السلطات "الإسرائيلية" في الحريق حيث تم قطع المياه عن الحرم منذ صباح ذلك اليوم، ولولا استماتة المصلين في الدفاع عن المسجد لاحترق عن آخره.
وادعت "إسرائيل" أن الحريق ناجم عن ماس كهربي إلا أنها تراجعت عن ذلك بعد تقارير المهندسين العرب وشهادات المصلين، وقامت باعتقال دوهان، ثم ادعت بعد ذلك أنه مختل عقلياً وقامت بترحيله.
وإذا تأملنا في الظروف التي أحاطت بحريق المسجد الأقصى، لأدركنا أنها كانت سيئة بالنسبة للمسلمين لاسيما أن حريق المسجد كان استثماراً واضحاً لجملة من ظواهر التراجع العربي والإسلامي وعلى رأسها هزيمة 67 التي وقعت قبل الحادث بأقل من عامين، ومن ثم كانت ردود الفعل العربية والإسلامية ضعيفة، وهو ما يخشى من تكراره الآن في ظل معطيات أشد سوءاً.
وتذكر غولدا مائير في مذكراتها أن أسوأ يوم في حياتها كان يوم إحراق المسجد الأقصى، وأن أفضل يوم في حياتها كان اليوم التالي. والسبب في ذلك، أن يوم الإحراق جعلها تخاف من ردة الفعل العربية والإسلامية المزلزلة على "إسرائيل"، لكنها أصبحت سعيدة جداً في اليوم الثاني عندما وجدت أن ردود الفعل بسيطة جداً.
وقياسا على تلك الحالة، يرى مراقبون أن أزمة الرسوم المسيئة التي لاقت ردود فعل شعبية واسعة بينما اقتصرت الردود الرسمية على الصمت أو التنديد، قد تشير إلى أن هذه الأزمة لم تكن إلا اختبار صهيوني لحجم ردود الأفعال الإٍسلامية حاليا، تمهيدا لإنتهاك بحق المسجد الأقصى قد يصل لدرجة الهدم، خاصة وأن الصحيفة التي نشرت الإساءات صهيونية.
ومن بين الاعتداءات على الحرم والتي تأتي في إطار بالونات الاختبار أيضا، اقتحام الإرهابي "الإسرائيلي" آرئيل شارون للمسجد الأقصى عام 2000. تلك الزيارة التي أطلقت شرارة انتفاضة الأقصى الثانية والتي أثبت أن الشعب الفلسطيني سينتفض، وهو ما أخّر إلى حد كبير استعدادات العصابات الصهيونية وسدنة الهيكل المزعوم لاقتحام المسجد لوضع حجر الهيكل المزعوم.
وتجتاح العصابات الصهيونية من آن لآخر الحرم القدسي مهددة ببناء الهيكل، لكن المواجهات مع المصلين المسلمين تحول دون تحقيق مآربهم.
منع ترميمات ضرورية للمسجد
جميع الحفريات والاعتداءات على المسجد تنطوي على أخطار تحيق به، حيث تهدف إلى تركه ليتهاوى مع الإمعان في منع الترميمات. وتقوم "إسرائيل" ومنذ احتلالها للقدس عام 1967 بمنع أي محاولة للترميم داخل الأبنية الإسلامية في محيط الحرم من مساجد وقباب وسبل، في محاولة لجعلها تسقط لانعدام الترميم فيها، وتقوم بمنع إدخال أي مواد للبناء أو الإصلاح إلى المسجد.
 
تهويد السكان
طرد المقدسيين
بدأت قصة تهويد السكان منذ اليوم الأول للاحتلال "الإسرائيلي" وسقوط القدس في أيدي الصهاينة، حيث دأبت العصابات الصهيونية على طرد السكان من منازلهم بالقوة، وتسببت حرب يونيو 1967 في رحيل حوالي 350 ألف فلسطيني أصبحوا لاجئين في الأردن.
وفي 11 يونيو 1967 – أي بعد أقل من أسبوع على سقوط القدس في أيدي العصابات الصهيونية- قام اليهود بهدم حارة المغاربة الأثرية المجاورة للحائط الغربي للمسجد الأقصى بعد مهلة 24 ساعة أعطيت للسكان لإخلاء الحي، حيث تم طرد 650 عربي من حارة المغاربة التي أوقفها عليهم الملك الأفضل الأيوبي في القرن الثالث عشر الميلادي.
كما تم طرد 3000 عربي من حارة الشرف، التي أطلق عليها فيما بعد اسم حارة اليهود. وبهدم حارة المغاربة استولى اليهود على الحائط الغربي للمسجد (حائط البراق) وأطلقوا عليه حائط المبكى.
وقام اليهود وفي نفس الفترة من عام 1967 بهدم الزاوية الغربية للمسجد الأقصى والمعروفة بالزاوية الفخرية وهدموا 14 منزلاً فيها. كما استولت "إسرائيل" عام 1969 على المدرسة التنكزية المطلة على ساحة المسجد الأقصى المبارك، حيث طرد 105 أشخاص من 10 منازل إلى جانب المدرسة، وقاموا بتحويل المدرسة إلى مقر لحرس الحدود "الإسرائيلي".
واستمرت السلطات "الإسرائيلية" بعد ذلك في هذه السياسة حتى أغرت سكان الأحياء المجاورة للحرم ببيع منازلهم الزهيدة مقابل آلاف الدولارات، وواجهت تلك المحاولات رفضا واسعا من جانب المقدسيين، ما ترتب عليه إجلائهم من منازلهم بالقوة والاستيلاء عليها لإقامة أحياء يهودية في القدس الغربية.
وبقيت الأحياء في الإسلامية في القدس الشرقية إلى وقت قريب صامدة في وجه محاولات التهويد والتهجير، خاصة بعد الإعلان الدولي بتقسيم القدس لتصبح القدس الغربية لليهود والقدس الشرقية للعرب. لكن استمرار القيود "الإسرائيلية" على بناء منازل للمسلمين في القدس الشرقية أو حتى إصلاح ما تهدم منها ظلت مستمرة.
وأواخر العام الماضي عادت مأساة هدم المنازل الفلسطينية لتتجدد مع إصرار السلطات الإسرائيلية على طرد بعض العائلات من منازلهم وهدمها، بحجة عدم اكتمال التراخيص. كما تعرضت أحياء كاملة للقرارات الهدم والإخلاء من بينها حي البستان وحي سلوان.
ومنذ تولي الصهيوني نير بركات رئاسة بلدية القدس قبل ثلاثة أشهر، وقع على 34 أمرًا بهدم منازل فلسطينية في القدس الشرقية المحتلة، وذكرت إذاعة جيش الاحتلال الإثنين الماضي أنه خلال الشهور الثلاثة الأخيرة قدمت دائرة مراقبة البناء في بلدية الاحتلال أكثر من 300 لائحة اتهامٍ ضد مواطنين فلسطينيين طالبت فيها بهدم منازلهم تحت ذريعة أن بناؤها تم دون ترخيص. وتسود توقعات بأن يشهد هذا العام هدم نحو 120 منزلا على الأقل.
ويمثل إعلان حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف الشهر الجاري موافقته على الدخول في حكومة حزب "الليكود" اليمينية برئاسة بنيامين نتانياهو بمثابة كارثة في انتظار المقدسيين المسلمين؛ فزعيم "إسرئيل بيتنا" هو أفيجدور ليبرمان الذي ينادي بعمليات ترانسفير موسعة للعرب، حيث يدعو إلى طرد العرب من الأراضي المحتلة عام 48 إلى مستوطنات الضفة الغربية. كما أن نتانياهو يؤيد توسيع المستوطنات وتوطين مئات الآلاف من اليهود في أراضي الفلسطينيين. وقد تزداد الصورة قتامة إذا انضم إلى الحكومة حزب شاس الديني اليميني المتطرف الذي يتزعمه سياسيا إيلي يشاي ودينيا الحاخام المتطرف عوفاديا يوسف الذي دعا خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة إلى إبادة الفلسطينيين.
كل هذه النتائج تشير إلى أنه بالرغم من أن أصوات الناخب اليميني "الإسرائيلي" تفرقت بين ليبرمان ونتانياهو وشاس، إلا أن الحكومة اليمينية الجديدة من المنتظر أن تجمعهم من جديد، ليتم تنفيذ المزيد من المخططات التهويدية مع توقعات مظلمة لمصير المقدسيين.
استقدام يهود من روسيا
وتسعى سلطات الاحتلال إلى استقدام سكان يهود من روسيا لتسكينهم محل المقدسيين المسلمين بعد هدم منازلهم. حيث تبحث الحكومة "الإسرائيلية" خطة جديدة لاستقطاب آلاف اليهود المتبقين في روسيا ودول الاتحاد السوفييتي سابقا، مستغلة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها روسيا.
وأعدت الخطة الوكالة اليهودية والجهاز المعروف باسم "نتيف" وهو جهاز مخابرات خاص يعمل في ديوان رئيس الحكومة "الإسرائيلية". وقال تقرير صادر عنهما إن الأوضاع الاقتصادية في روسيا تعتبر فرصة سانحة لـ "إسرائيل" ينبغي استغلالها لاستقدام يهود جدد. وتقول الوكالة إن في هذه الدول 900 ألف يهودي، بينهم نصف مليون شخص لا توجد أية مشكلة في تحديد هويتهم و400 ألف من عائلات مختلطة (أحد الوالدين فقط من أصل يهودي).
وتسعى الحكومة الإسرائيلية" إلى استقدام 7800 يهودي خلال العام الجاري لتجنيسهم وإعطائهم وحدات سكنية في القدس الشرقية. كما تطلب الوكالة من الحكومة تخصيص مبلغ 40 مليون دولار لهذا المشروع. ويعرض على المهاجرين اليهود الوحدات السكنية بأسعار مغرية جدا وأقساط طويلة الأمد.
 
تهويد ملامح المدينة
تعتبر قضية تهويد ملامح القدس قصة ضاربة في عمق التاريخ منذ بداية البعثات الأوروبية إلى القدس في أواخر عهد الخلافة العثمانية للبحث عن آثار رومانية أو غيرها للقول بأن هذه المدينة ليست إسلامية. ثم حصول البعثات يهودية على إذن للتنقيب عن آثار لربط المدينة بالتاريخ اليهودي المزعوم، واختراع أحداث تاريخية متعلقة ببعض المناطق في المدينة.
ومنذ بداية الاحتلال "الإسرائيلي" دأبت العصابات اليهودية على هدم المباني الإسلامية التاريخية الواقعة في محيط الحرم القدسي، واستولت على عدد منها وحولتها إلى كنس وأماكن لممارسة طقوسهم الدينية.
بالإضافة إلى ذلك تشهد مساجد عدة في مدينة القدس وضواحيها اعتداءات متكررة حيث يتم تحويلها إلى كنس يهودية، وفي بعض الأحيان جرى تحويلها إلى خمارات وحظائر للحيوانات.
وفي الحي الإسلامي الغربي والحي الإسلامي الشمالي المواجهين للجزء الشمالي من ساحة مسجد قبة الصخرة، استولى اليهود على بعض الأبنية بالقوة وجرى تحويلها إلى كنس.
تهويد التاريخ
حرصت وزارة السياحة ومنذ احتلال "إسرائيل" لمدينة القدس الشرقية عام 1967 على تضليل الأفواج السياحية القادمة من مختلف أنحاء العالم وتغييب التاريخ الإسلامي الممتد على مدار 14 قرناً من الزمان في المدينة بشكل عام وفي المسجد الأقصى بشكل خاص. ومنعت السلطات المرشدين السياحيين من العرب من مزاولة مهنة الإرشاد السياحي، حيث قصرت إعطاء رخصة مزاولة المهنة على المرشدين اليهود. وفي ذلك يقول أحد القادة "الإسرائيليين" ساخرا إنه "يمكن للعربي أن يصبح طياراً في سلاح الجو الإسرائيلي، لكن لا يمكن أن يصبح مرشداً سياحياً".
كما عمد اليهود إلى تضليل الرأي العام العالمي والأفواج السياحية من خلال مرشديهم الذين يقنعون زوار المسجد الأقصى بأساطير التوراة والتلمود وحول ما يسمونه بجبل الهيكل المزعوم، ويحدثونهم عن اغتصاب العرب المسلمين لهذه المنطقة وهدمهم للتراث الديني اليهودي المزعوم، الذي لم يثبته أي أثر تاريخي أو معماري طوال 40 سنة من التنقيب عن الآثار.
ومنعت وزارة السياحة الأفواج السياحية من التجول في البلدة القديمة في القدس التي تنتشر فيها الملامح الإسلامية الحقيقية للمدينة. ويُسمح للسياح بالدخول من باب المغاربة فقط ويخرجون منه دون أن يزوروا أي حي عربي إسلامي في القدس. وبذلك استطاعت "إسرائيل" أن توجد رأياً عالمياً لها في إقامة الهيكل على أرض المسجد الأقصى المبارك بوصفه حقاً دينياً مقدساً لا يمكن التنازل عنه تحت أي ظرف من الظروف.