5 رمضان 1439

السؤال

أتمنى لو تفضلتم بتوجيهي نحو منهجية للقراءة النافعة، لأني وكثير مثلي يعانون من تشتت القراءة وبالتالي ضعف الاستفادة.

أجاب عنها:
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر

الجواب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

فأهمية القراءة لا تخفى على احد، ولا يجادل في فضلها إنسان، ولا يمار في قدرها عاقل، فهي مصباح ينير الطريق، ونافذة الباحث عن المعرفة، وأول حرف نزل {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}.

 

وهي سباحة في بحار العلم والمعرفة، تتجاوز بواسطتها قيود المكان والزمان، وهي تَواصل مع العلماء عبر العصور.

 

والقراءة المنهجية سبيل العلماء والمتخصصين والمتميزين والمنتجين والمصلحين، تُنير الطريق، وتُحدد المعالم، وتبدد الأوهام، وتبصر بالعوائق {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}.

 

والقراءة على نوعين، قراءة للاطلاع العام والثقافة، وقراءة للتخصص والتدقيق والبحث، وكلاهما يحتاج إلى التوجيه، وإلا كانت ضرراً من حيث أردت أن تنفع بها، وتحديدك قراءتك من أي من النوعين مهم، إذ ستترتب على ذلك أشياء مهمة، منها الاختيار، ومنها التدرج، ومنها تحديد مدى الاستيعاب والفهم والتدقيق والتعمق.

 

ولا بد من تحديد الهدف من القراءة، والسير على بصيرة نحو الهدف، كالمسافر يحدد إلى أين سيسافر، ثم يبحث كيف يصل إلى غايته ويتخذ الوسيلة.

 

ويجب أن تكون القراءة تحت إشراف موجِّه في التخصص الذي تريد، ويمكن أن يكون لك أكثر من موجه، أي في كل فن موجِّه ومعلم.

 

ويشترط في هذا الموجه والمعلم أن يكون متخصصاً فيما يوجه فيه ويبصر به ويعلمه ويرشد إليه، كما يجب أن يلتزم بالتقوى والديانة ليكون إرشاده وتوجيهه صائباً مباركاً؛ ليتحقق الهدى والسداد.

 

ومن المهم مراعاة الوقت عند قراءة الكتب، فإن العمر قصير والعلم كثير، فينبغي على الإنسان أن يعود نفسه ويدربها على القراءة مع التفهم وتحديد الوقت، دون إفراط أو تفريط.

 

وينبغي قبل القراءة محاولة الوقوف على مصطلحات الفن وما اختص به الكتاب من ألفاظ.

 

ويستحسن قراءة ترجمة لصاحب الكتاب ومنهجه وتاريخه وعلمه وآثاره وشيوخه –إن تيسر ذلك-، والمحاور التي تناولها، ومعرفة النقاط التي استدركها، وكذا معرفة السياق الذي كتب فيه الكتاب.

 

ويجب كذلك مراعاة التدرج في القراءة من السهل إلى الأصعب ومن الصغير إلى الكبير، فقد فسر ابن عباس رضي الله عنهما "الربانيين" بأنهم: الذين يربون الناس على صغار العلم قبل كباره.

 

أيضاً عند اقتنائك الكتب وبخاصة من المعارض، تحتاج أن تستنصح الخبراء وتسترشدهم، خصوصاً مع قلة الحصيلة العلمية أو ابتداء الطريق.

 

واختر من الكتب ما ينفعك ولا يكن همك تكديس الكتب وتجميعها، فقد رأيت مكتبة لاثنين من كبار العلماء الأول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز والثاني الشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله، وهما مكتبتان ليستا كبيرتين بالنسبة لمكانتهما في العلم، تحويان الكتب المهمة النافعة وحسب بلا توسع ولا تكديس.

 

وأوصيك بالتقوى والاستقامة، والقرب إلى الله سبحانه، فالتقوى سبيل العلم، قال سبحانه: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}.

 

وأوصيك بالدعاء، والإلحاح على الله جل وعلا، قال سبحانه: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، قال العلماء: ليس هناك أمرا مباشرا مثل هذا الأمر، بزيادة العلم، فتلح على الله أن يزيدك في العلم والتقوى.

 

وأخيراً هناك مَن كتب في منهجية طلب العلم، وأذكر منهم الشيخ الدكتور عبد العزيز القاري إمام مسجد قباء سابقاً، وكذلك معالي الشيخ صالح آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية؛ فارجع إليهما.

 

وفقك الله وسددك، ورزقك الإخلاص والعمل، حتى تكون قراءتك حجة لك لا حجة عليك.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.