20 ربيع الثاني 1439

السؤال

هل نحن بالفعل في آخر الزمان؟ وما العمل؟ وما هو المفهوم الصحيح للفتن؟ وكيف نقرأ أحاديث أبواب الفتن؟..

أجاب عنها:
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر

الجواب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد:

فإن الله سبحانه قد أتم دينه ببعثة رسوله صلى الله عليه وسلم الخاتم وتبليغه الدين تاماً كاملا، لم يدع فيه نفعاً إلا أمر به ولا ضاراً إلا نهى عنه ولا صلاحاً ولا فلاحاً إلا فصَّله وبيَّنه، قال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.

 

وقد بيَّن لنا نبينا صلى الله عليه وسلم ما أمره ربه من بعض حوادث الزمان، وقادم الأيام، مما فيه نفع للرسالة وتعليم للمؤمنين، وتحذير ونذير، بأحاديث ثابتة، نراها بأعيننا تتحقق بحسب بشارته أو نذارته صلى الله عليه وسلم..

 

وحول سؤالك حول آخر الزمان، فلا شك أننا في آخر الزمان، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين" مسلم.

لكن لهذا المفهوم ضوابط أود أن أشير إليها:

 

فالله وحده من يعلم ميقاتها، ويعلم موعد حصولها، ولم يطلع على ذلك أحدا من البشر حتى الأنبياء.

 

فلا يصح ولا يقبل ما يتحدث به البعض عن حصول للقيامة في وقت كذا وكذا، بناء على كذا أو كذا، فكل هذا تقول بغير علم، قال سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا}.

 

البعض يتصور أن الساعة ستقوم غداً، وهي علمها عند ربي، لكن لها مقدمات، العلامات الصغرى والعلامات الكبرى، صحيح قد

وقعت بعض العلامات الصغرى، لكن العلامات الكبرى لم يقع منها حسب ما أعلم شيء، فهي إذا بدأت توالت.

 

والمؤمن الصادق يضع الآخرة نصب عينيه ولاشك، فمن عاش وهي نصب عينيه عاش عاملا لها محضرا لحياته الآخرة الباقية.

 

والمؤمن الصالح يهمه زمنه الذي يعيش فيه، وعمره الذي يقضيه، وأيامه التي يعمل فيها وتعمل فيه، فيجمع الحسنات ويجتنب السيئات فيكون على استعداد دائم للقاء ربه.

 

وفي الصحيحين عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه"، فقلت: يا نبي الله أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت، فقال: "ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه".

 

فالمؤمن يؤمن بما أعد الله للمؤمنين من الثواب فيحب ذلك فحينئذ يحب لقاء الله، ولاسيما عند الموت إذا بشر بالرضوان والرحمة، وغير المؤمن والعياذ بالله علم بعذاب الله كره لقاء الله فكره الله لقاءه.

 

فأنت يهمك متى تلقى الله جل وعلا سواء كنت في أول الزمن أو وسطه أو آخره، ولذلك عليك أن تركز على كيف تلقى الله جل وعلا.

 

أما عن رؤوس الفتن في الدنيا فهي قسمان: فتنة الشبهات، وتكون في الدين والعقائد، وفتنة الشهوات تكون في السلوك والشهوات، وقد جاء ذلك في قوله تعالى: {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ، وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}.

 

وقد ذكر العلماء أنها كلها موجودة في سورة الكهف ولعل ذلك من الحكمة أنها تُقرأ كل أسبوع.

 

ورؤوس الفتن فيها فتنة المال، فتنة الأولاد، فتنة الشيطان، فتنة العلم، فتنة المُلك.

 

وطريق النجاة من الفتن هو التمسك بكتاب الله وبسنة رسوله عليه الصلاة والسلام كما روي ذلك عن علي مرفوعا: "تكون فتن"، قيل: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: "كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم".

 

وأما الفتن التي في آخر الزمان فموجود بعضها من قبل، فليست كلها تستجد آخر الزمان، صحيح أنها تكثر في آخر الزمن لكنها ليس جميعها مستجدة على الناس.

 

وأحاديث الفتن تثبت المؤمن على طريقه الصائب المستقيم وعلى سبيل نبيه صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.

 

وعلى المؤمن أن يرد بيان معانيها للعلماء الراسخين الأثبات، ليبلغوا فهمها كما أراد بها قائلها صلى الله عليه وسلم، ولا يتناولها كل أحد بفهم قاصر.

 

وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالإكثار من العبادة وقت الفتن والأزمات، وذلك في قوله: "العبادة في الهرج كهجرة إليّ" صحيح مسلم، قال النووي: "وَسَبَبُ كَثْرَةِ فَضْلِ الْعِبَادَةِ أَنَّ النَّاسَ يَغْفُلُونَ عَنْهَا، وَيَشْتَغِلُونَ عَنْهَا، وَلَا يَتَفَرَّغُ لَهَا إِلَّا أَفْرَاد".

 

وقال ابن الجوزي: "إذا عمت الفتن اشتغلت القلوب، وإذا تعبد متعبد حينئذ دل على قوة اشتغال قلبه بالله عز وجل فيكثر أجره".

 

كما أن المؤمن عليه أن يسارع بالصالحات للطاعات ويسابق بها متى استطاع إليها سبيلا كما قال صلى الله ليه وسلم: "سابقوا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم" مسلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.