13 ربيع الثاني 1439

السؤال

ما الحكمة التي نخاطب بها المتسائلين حول ضعف المسلمين وهزائمهم المتتاليات وتسلط عدوهم عليهم وتأخر الأمة؟

أجاب عنها:
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر

الجواب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد:

الثقة في موعود الله سبحانه من علامات الإيمان {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}، واليقين ببشارة رسوله صلى الله عليه وسلم من دلائل تصديقه عليه الصلاة والسلام، قال صلى الله عليه وسلم: "ليبلغنَّ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز أو بذل ذليل".

 

وقد وعد الله سبحانه أن ينصر عباده الصالحين، وأن جنده هم الغالبون، كما بشر رسوله صلى الله عليه وسلم بغلبة الإسلام وانتشاره حتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا بلغه هذا الأمر.

 

وقد أمرنا الله سبحانه بأمور مهمة ليتحقق النصر لهذا الدين وهذه الأمة، وأولها الإيمان الحق، ثم الاعتصام بحبل الله سبحانه، وعدم التفرق والتشرذم {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}، ونبذ الفرقة والخلاف، كما أمرنا بالأخذ بالأسباب والتوكل عليه واللجوء إليه.

 

ويظهر للمتابع كم بعدت أمتنا عن هذه الأوامر، وبقدر قربنا منها وتحقيقنا لها بقدر قربنا من رفعة أمتنا وديننا ومنهجنا.

 

وقد علمنا رسولنا صلى الله ليه وسلم أن الله قد يبتلينا بالسراء والضراء ليعلم الصادقين ويميز الخبيث من الطيب.

 

وكثيرا ما يتأثر الناس بالأحداث فتتردد ثقتهم، ويقل يقينهم، لكن أهل الإيمان الراسخ لا تزيدهم الأحداث إلا قوة واستمساكا بمنهجهم الإيماني العظيم.

 

وفارق بين الذي يتساءل ليعرف الحكم، وهو موقن، يريد أن يتعلم ليزداد إيمانه، وبين آخر متشكك متردد، قد أفزعته التقلبات والأحداث في العالم فقلَّ يقينه، {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}..

 

كما أن هناك فارقاً بين السائل العامل الجاد الإيجابي، وبين الناقد القاعد عديم العمل والتأثير، {يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا}..

 

فالعامل لدينه الجاد المؤثر لا يجد وقتاً ولا فراغاً لما يعيقه ويردده ويثقله بالهموم المقعدة التي استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن"، بل هو همام حارث متفائل مُجِد، يسير في طريقه حتى لو كان وحده، ويغرس حتى لو قيل له قد قامت الساعة، كما في الحديث "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها ليغرسها".

 

والذي يظهر لي من خلال الواقع أن أكثر المتسائلين المترددين هم الذين ليس عندهم عمل يؤدونه، ولا يضعون لأنفسهم أهدافاً، ولا يرتبون لأنفسهم برامج عملية.

 

أما الذي عنده عمل، وعنده برامج مدروسة، وعنده أهداف محررة، سيرى التفاؤل وسيرى الإيجابيات وسيرى إقبال الناس.

 

فالإنسان الذي يرى من بُعد غالباً لا يرى إلا الصورة القاتمة لأنه يتابع الأخبار ويتابع ما يقوله الناس فيتشاءم ويقنط ويقول هلك الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من قال هلك الناس فهو أهلكهم".

 

ولهذا فأرى لكل من يتساءل وهو متشائم قد أصابه القنوط أن يوجَه نحو عمل جاد يخدم به دينه وأمته.

 

وأذكر كتاباً طيباً لأحد الإخوة بعنوان "لا تكن كلاً"، فلا تكن كلاً على مجتمعك ولا على بيتك ولا على أمتك.

 

كل إنسان بوجوده في خضم مجتمع العلم والدعوة والتوجيه والعمل الاجتماعي، يستطيع أن يخدم الناس، هنا سيرى التفاؤل، وسيرى الخير والإقبال بإذن الله.

 

إذن إجابتنا إجابة عملية، فالقضية ليست قضية كلام ومحاضرات تُلقى، نعم لا بد منها أحياناً، لكن العبرة حقيقة في برنامج لعمل يسلكه الشاب، فإذا سلكه تتغير حياته بإذن الله.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.