أنت هنا

جوهر القضية في مسألة فتوى الفضائيات
15 رمضان 1429




لاشك أننا إزاء أي عارض يدهمنا نكون بحاجة إلى قدر من التروي والتثبت وتقليب الأمر من كافة جوانبه، وحيث كانت "الفتوى" ـ أو "التصريح" بأي توصيف كان ـ التي وردت على لسان سماحة الشيخ صالح اللحيدان (رئيس القضاء الأعلى) حفظه الله بشأن ملاك القنوات الفضائية مثار جدل في الأوساط المحلية والعربية والإسلامية والعالمية؛ فإننا نحتاج إلى تحرير القضية بشكل هادئ من عدة زوايا:

الأولى: أن معظم ـ وليس كل ـ من تحدثوا بشأن الفتوى ناقدين مسألة القتل التي وردت بصيغة احتمالية في فتوى الشيخ، قد أرادوا التركيز أكثر على منطقة تبعد مسار الحديث عن جوهر القضية، وهو هذا الذي يعرض في كثير من القنوات الفضائية مما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، ونحوا بها في اتجاه مسألة القتل ذاتها.

ومقتضى العدل أن نفرق بين مسألتين: قضية الفساد الأخلاقي وكذلك العقدي المنتشر في كثير من القنوات العربية، وضرورة التصدي له نصحاً وإرشاداً بالموعظة الحسنة وبالتقاضي إن لزم الأمر، ومسألة الحديث عن قضية القتل ذاتها لملاك القضايا كسقف عقابي تحدث عنه الشيخ بلفظ "وقد يقتل".

ومن المهم ألا يحدث خلط للأمور في الساحتين الإعلامية والثقافية؛ فإن المسألة الأولى جسيمة وهي بحاجة لمعالجة حضارية تضع في الاعتبار أننا لسنا حراساً على الفضاء وعلى الأقمار الصناعية من جهة، وأننا معنيون مع ذلك بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تدعونا لأن نقول لا للفساد بكافة صوره.

كما أن المسألة الثانية هي محل نقاش فقهي بين ذوي الاختصاص والعلم وهم المسؤولون أمام الله قبل الناس عن تبيان الحكم الشرعي وتوضيح الفتاوى بما أخذ الله على العلماء من ميثاق البلاغ.

الثانية: أن مقام الحكم غير مقام الفتوى، وأن دون تنزيل الأحكام على الواقع مستويات يدركها العالمون، ولا ينبغي الخلط بين ما يقال على العموم وما يتنزل على الخصوص وعلى الأحوال بعينها.

الثالثة: أن هيبة القضاء في كل بلاد العالم له احترامها وتقديرها، من دون أن ندعي لأحد عصمة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثَم نرى أن الغوغائية التي تعالج بها مثل هذه الأمور على صفحات الصحف وعلى شاشات الكمبيوتر والتلفزيون لا تؤدي ـ إن لم تعالج بشكل حكيم ـ إلا إلى تصدع في بنى المجتمع وأصوله وثوابته، وأن ما يجري من خلط للأمور وتوجيه دفة الحديث إلى هذا الاتجاه أو ذاك طبقاً لتطلعات البعض إلى تأليب الرأي العام ضد العلماء عموماً وتحميل ردات الفعل الخارجية أكثر مما تحتمل، هو ما ينبغي أن ينظر إليه كمسألة ثالثة خارجة بشكل ناشز عن السياق التفاعلي للفتوى مهما كانت آراء الموافقين أو المخالفين لها.

وإذا كان بعض المغرضين قد نفخ في نار ردود الأفعال ليجني مكتسبات خاصة وفقاً لحساباته الضيقة؛ فعلى الجانب الآخر تتجلى أهمية وعي أولي النهى وتفويتهم تلك الفرصة عليهم.

والله نسأل أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد..