6 جمادى الثانية 1429

السؤال

أريد أن يكون ابني مثل الصحابة والسلف، يتمسك بالسنة في الظاهر والباطن، يكون فيه حب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،أريده أن يغضب لله ويحب لله ويكره لله، ولكن له الآن أكثر من 6 سنوات في التحفيظ، وهو في المتوسط ولا أرى أي تربية إيمانية بل انغماس في الدنيا، فماذا أعمل؟

أجاب عنها:
فهد السيف

الجواب

لقد فهمت من سؤالك رغبتك المُلٍِحّة أن يكون ابنك كأحد السلف الصالح في التعلق بربه والتمسك بسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
وأهنئك على هذه الأمنية الكبيرة، وأسأل الله –سبحانه- أن يبلغك ما تمنيت.
ولكي نعرف الداء قبل الدواء، فإن إطلالة منك على المجتمع والحالة التي وصل إليها تجعلك تعرف سببا مهما لضعف التربية اليوم، فالانفتاح الإعلامي والتقني، والانفتاح على ثقافات العالم، يجعل أمر التربية صعبًا، ويجعل السيطرة على أبنائنا أمرا عسيرًا، وحينما كان آباؤنا يتلقون تربية صالحة في كل مكان، في البيت والسوق والشارع والمسجد والمدرسة، وعند الجيران والأقارب، فإننا نرى اليوم أن ما نبنيه يهدمه غيرنا، لا سيما الإعلام المنفتح الذي أصبح يصوغ أفكار الكثيرين وتوجهاتهم.
ولم يعد إغلاق الأبواب على أبنائنا اليوم سبيلا لتربيتهم، بل الأهم من ذلك: تربيتهم التربية الإيمانية التي تحصنهم عند رؤية المنكرات.
ووضع السلف ليس كوضعنا اليوم، بل إن ما نقرؤه من أحوال السلف هو أفضل ما اختاره لنا التاريخ، فلا ينبغي أن نقيس وضع أبنائنا بوضع صفوة الأمة ثم نحاكمهم إليها، فإذا كانوا دون ما نريد مهما كانوا صالحين فإن نعد وضعَهم غير سَوي!
أما مدارس التحفيظ إنما هي جزء من نتاج هذا المجتمع، وما لم يكن لنا دور كبير في تربية أبنائنا فإن هذه المدارس مهما كانت فلن تتولى دور التربية بالنيابة عنا، لا سيما وهو يبقى بيننا أكثر من بقائه في المدرسة، وحين نقصر في حق أبنائنا فلا ينبغي أن نلقي باللائمة على المؤسسات الأخرى، التي يعتبر دورها مكملا لما نقوم به، وليست هي الأساس، كما أنها تضم بين جنباتها من الطلاب والمعلمين من قد لا يكونون وفق ما نريد، وهي كذلك ليست على درجة واحدة من التميز، وإن كانت في العموم أفضل من غيرها، وطلابها أكثر تميزا من المدارس العامة كما تشير إلى ذلك بعض الإحصائيات.
فإذا عرفنا ذلك عرفنا أن الدور الأكبر يقع على عواتقنا، ونحن الذين نتحمله، فسوء أبنائنا نحن السبب فيه، ونحن الذين نمارس التربية معهم، هذا إذا كان هناك من ينبغي أن نلقي اللائمة عليه.
وبسؤال سريع: هل نحن كما ينبغي، وهل بلغنا مرتبة الصحابة –كما تقولين-؟
فإذا لم نكن نشكّل القدوة الصالحة لأبنائنا فلا نرجو منهم أن يكونوا أفضل منا –إلا ما شاء الله- وإن مما ينبغي أن نعرفه، أن أهم جوانب التربية هي القدوة، ومهما سلكنا من السبل التربوية ونحن لا نشكل قدوة صالحة فنحن ننفخ في رماد، وحين ترى بعض الآباء الصالحين في أنفسهم وعدم معرفتهم بأساليب التربية القويمة ثم ترى صلاح أبنائهم تدرك جيدا أن القدوة التي يشكّلونها هي العامل الأفضل والأكبر الذي كان له دور بارز في التربية، وتأتي بعده الأساليب الأخرى.
وحينما نمارس دورنا المأمول منا في التربية فإننا سنرى –إن شاء الله- نتاج تربيتنا ولو بعد حين، وقد نرى ابننا دون الهمة التي نريد، فعلينا حينئذ أن نجتهد في رفع همته وبث روح الحماس في نفسه، وقد نجد نتاج هذا التحفيز حينما يبلغ ابننا مبلغ الرجال، وهذه نتيجة طيبة.
ومن طبيعة صغير السن أنه يميل إلى اللهو والمرح، ويسرع الملل إلى نفسه عندما يكون جادًا، فعلينا أن نوازن قدر المستطاع، حتى يكون الدافع لديه ذاتيا، ويجد المتعة في الجد والطلب.
ومن الأساليب المعينة على تربية أبنائنا وفق ما نريد: البحث عن صحبة صالحة تلبي رغباتنا، وتوجهه نحو الوجهة المطلوبة، ولعل هذه الصحبة تتمثل بصورة واضحة في الحلقات القرآنية في المساجد، فإذا وجدنا الحلقة التي تلبي هذا الجانب نسارع إلى إلحاقه بها، وعندئذ نطمئن كثيرًا إلى سيره في الحياة، وسنجد تلك الحلقة تحقق أهدافنا.
ومن الأساليب الناجعة في علو الهمة العناية بالشخصيات التي يتعلق بها الشاب، وإعطاؤه نبذًا من سير الأنبياء والصحابة والسلف الصالح، وكذلك نبذًا من علماء عصرنا الذين يراهم بعينه ويعتقد أنه بإمكانه امتثال طريقتهم، سواء كانوا من الأموات أم الأحياء.
بل ما أجمل أن نبحث عن أمثلة ناصعة من شباب عصرنا الذين حفظوا القرآن وطلبوا العلم وسلكوا سبيل الصالحين من أقرانه وأسنانه، وضرب الأمثلة بهم، من غير أن يكون الأسلوب الذي توضع فيه المقارنة دافعا له للحسد، أو مثيرا في نفسه البغضاء، بل تذكر تلك الأمثلة دون المقارنة بحال الابن.
احرصي على تنمية وزرع الإيمان في قلوب أبنائنا بالأساليب المتعددة، كاستغلال المواقف، أو بعض الدروس المنزلية، أو قراءة بعض الكتب المناسبة أو تلخيصها أو غير ذلك.
ولا أنسى أن أنبه إلى أهمية مراعاة الفروق الفردية لئلا نطلب من أبنائنا فوق قدراتهم وإمكاناتهم، فيصابوا بالإحباط.
كما لا أنسى أن ما تفوق فيه أقوام قد لا يستطيع أبناؤنا التفوق فيه، ولكنهم يتفوقون في جوانب أخرى ربما لم نلق لها بالا، فلنبحث عن مواطن القوة فيهم وننميها.
إن الجهد الذي نبذله في التربية لا يضيع سدى، بل ستكون له آثار ولو لم تكن واضحة، وإن النصح بالتي هي أحسن، مع الحوار والإقناع وتنمية المواهب المتعددة، والصداقة والتآلف كفيل أن يصنع المعجزات.
ولتستمري دون ملل أو كلل في التربية واصبري على ذلك، واصبري على ما تلقين من ابنك في سبيل ذلك.
أخيرا: أوصيك بكثرة الدعاء والابتهال إلى الله أن يصلح لك ذريتك.

أسأل الله أن يصلح ذرياتنا أجمعين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين