أنت هنا

زندقة "ولا مهديّ لها"!
23 ربيع الأول 1429
د. عبدالعزيز العبداللطيف

إن كفر اليهود والنصارى ونحوهم من المشركين من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة سواءً كانوا محاربين أم لا كما قال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المائدة:73)، وقال سبحانه: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (التوبة:30)، وقال سبحانه: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) (البينة:1).
قال ابن حزم: "واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفاراً" مراتب الإجماع119، وقال القاضي عياض: "ولهذا نكفّر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده" الشفا2/1071، وقال شيخ الإسلام "ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوّغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر" مجموع الفتاوى 28/524
وقررت النصوص الصحيحة الصريحة وجوب الكفر بالطاغوت كما في قوله تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) (البقرة: من الآية256)، وقال عز وجل: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (النحل: من الآية36)، وقال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ...) (النساء: من الآية60).
وعن أبي مالك الأشجعي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل" أخرجه مسلم.
أفيسوغ بعد هذه النصوص أن يتفوّه بعض المفتونين المتهوكين فيزعم أنه لا يكفر اليهود والنصارى وسائر المشركين إلا من كان محارباً.أو يهذي الآخر قائلاً: إن الكفر بالطاغوت تشويه للتوحيد!!
وإن ما حرره الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر البراك رفع الله قدره في فتواه "حكم من لم يكفّر الخارجين عن شريعة الإسلام" لهو أمر ظاهر بيّن لا نزاع في تقريره: إذ قد بيّن الحكم الصحيح في هذه المسألة مقروناً بالدليل الصريح، فهي فتوى محكمة في مضمونها، واضحة في أسلوبها، فلا مُسوّغ لاستدراك أو تعقيب.
فمن تلبّس بناقض من نواقض الإسلام، وقامت عليه الحجة واجتمعت فيه الشروط وانتفت الموانع فإنه كافر يجب قتله مرتداً عن الإسلام، فالمبيح لدمه هو الكفر بعد الإٍيمان وكما هو مبسوط في موضعه من كتب الاعتقاد والفقه،ولا يزال ولاة الأمور من العلماء والحكام قديماً وحديثاً يقررون ذلك علماً، ويحققونه عملاً، قال الحافظ ابن كثير في حوادث سنة 167هـ " وفيها تتبع المهدي [الخليفة العباسي] جماعة من الزنادقة في سائر الآفاق فاستحضرهم وقتلهم صبراً بين يديه" البداية 10/149
وقال القاضي عياض: "وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الإلهية والقول بالحلول، وقوله أنا الحق، مع تمسكه في الظاهر بالشريعة، ولم يقبلوا توبته" الشفا 2/1091
ومن أخبار المرتدين ما سجله الحافظ ابن كثير في حوادث سنة 726هـ "حيث ضُربت عنق ناصر بن الشرف الهيشي على كفره واستهانته بآيات الله وصحبته الزنادقة.، قال البرازلي: وربما زاد هذا المذكور المضروب العنق عليهم ـ أي الزنادقة ـ. بالكفر والتلاعب بدين الإسلام والاستهانة بالنبوة والقرآن.
وحضر قتله العلماء والأكابر وأعيان الدولة، قال وكان هذا الرجل قد حفظ "التنبيه" وكان يقرأ في الختم بصوت حسن، وعنده نباهة وفهم، ثم انه انسلخ من ذلك جميعه، وكان قتله عزاً للإسلام، وذلاً للزنادقة وأهل البدع.
قلت [ابن كثير]: وقد شهدتُ قتله، وكان شيخنا أبو العباس ابن تيمية حاضراً يومئذ، وقد أتاه وقرّعه على ماكان يصدر منه قبل قتله، ثم ضربت عنقه وأنا شاهد ذلك"البداية 14/122
وقد كفر جمع من المحققين ابن عربي كما هو مبسوط في كتاب (تنبيه الغبي في تكفير ابن عربي) للإمام البقاعي.
وحكم علماء هذه البلد على عبدالله بن علي القصيمي بالردّة والكفر الصراح من أمثال الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم عبدالله العنقري عبدالله بن حسن آل الشيخ، كما هو منقول مثبت في كتاب "بيان الهدى من الضلال في الرد على صاحب الأغلال" لإبراهيم السويّح 2/331
وقال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي عن زندقة القصيمي: "وقول وصل إلى هذا الحد ليس بعده تقدم إلى الكفر وإنما هو النهاية في الكفر والتعطيل والجحود لرب العالمين" المجموعة الكاملة لمؤلفات السعدي، ثقافة، تنزيه الدين وحملته2/437.
وأما ما يشغب به هواة الأقلام، وما عهد عنهم من الفجور في الخصومة، واتهام أهل العلم بالتشديد والتكفير، وتهويلهم بإشاعة الأراجيف، فإنا نربأ عن هذا التحريض المكشوف والاستعداء المكرور، وندعوهم إلى التوبة إلى الله، بأن يكفوا ألسنتهم وأقلامهم عن الطعن في أصول الدين وشرائعه، وأن يقلعوا عن التوثب على دين الله تعالى، لتتحقق لهم السلامة في دنياهم وأخراهم.
وإن أعظم مقاصد الشريعة حفظ الدين، وتعظيم شعائره وشرائعه فلا يسوغ أن يعبث بدين الله، أو يستخف بالشرع المنزل، ولقد شرع الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم قتل المرتد تحقيقاً لحفظ الدين كما في حديث ابن عباس مرفوعاً: "من بدّل دينه فاقتلوه" أخرجه البخاري.
قال ابن تيمية: "فإنه لو لم يقتل ذلك (المرتد) لكان الداخل في الدين يخرج منه، فقتله حفظ لأهل الدين وللدين، فإن ذلك يمنع من النقض، ويمنعهم من الخروج منه" الفتاوى 20/102
وعلى هؤلاء المأبونين وأشباههم أن يعرفوا قدرهم، فقيمة المرء ما يحسنه، فلا يتخوضوا في دين الله تعالى، ولا يتطاولوا على العلماء الربانيين كشيخنا العلامة عبدالرحمن البراك والله حسبنا ونعم الوكيل.