أنت هنا

معرض الرياض للكتاب.. سجال الحرية والرقابة والاختلاط
17 صفر 1429

ربما لا ينسى البعض تلك المشادّات التي حصلت العام الماضي في إحدى ندوات معرض الرياض الدولي للكتاب التي تناولت قضية الحرية والرقابة على الثقافة ووسائل الإعلام، ومن بعدها ندوة الدكتور عبد الله الغذامي، والدكتور أحمد الربعي التي احتشدت فيها أجهزة الأمن بشكل كبير جداً، واستمر سير الندوة دون أية مشادات أو مقاطعات. لكن "جدل معرض الكتاب" استمر في عامه الثاني وبنفس القضايا التي أُثيرت عليه من قبل، ليدخل المعرض إلى قائمة القضايا السنوية التي تحتل جدلاً واسعاً بين السعوديين.

ويمكننا أن نختصر موقف (المتحفظين) على طريقة تنظيم معرض الرياض الدولي للكتاب للعام 2007م في ثلاث قضايا رئيسة واضحة في خطابات وبيانات الاستنكار وهي: "السماح بكتب تخالف الشريعة الإسلامية وتروّج للقيم الليبرالية، وضعف الرقابة على الكتب المنحرفة والتي تخالف منهج أهل السنة، والكتب التي تروّج للعلاقات مع الجنس الآخر، إضافة إلى الاختلاط بين الجنسين في أروقة معرض الكتاب".

وقد يكون تصريح وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الدكتور عبد العزيز السبيل الذي أكد بأن معرض الرياض الدولي للكتاب 2007 سيكون خالياً من الرقابة، سوى على الكتب التي تسيء للدين والوطن. وأنه سيُسمح بحضور النساء طوال أيام المعرض، على عكس السنوات الماضية؛ "إيماناً من الوزارة بأهمية المعرض للمواطن السعودي من الناحية المعرفية، وسيكون من حق المؤلف التوقيع على كتابه، سواء أكان المؤلف رجلاً أم امرأة، مع ضرورة مراعاة الآداب والأخلاق العامة للمجتمع".

ربما تكون هذه التصريحات هي الشرارة الأولى التي أثارت حفيظة "القلقين" من معرض الكتاب الذي تقدم خطوات "غير محسوبة في الانفتاح والتحرر وتجاوز قيم البلد المحافظة".
ويبدو أن دور النشر اللبنانية هي التي قطفت ثمار سقف الحرية المرتفع هذا العام، فقد لوحظ إقبال كبير عليها، وحققت دار الساقي ودار رياض الريس أكبر عدد من الزوار.

وذكر مندوب وزارة الثقافة السورية مرسل الصمادي أن الكتب التاريخية والثقافية كانت الأكثر إقبالاً من الجمهور، وكان كتاب "الفرعون الأخير" لجبريل سيفوي من أكثر الكتب مبيعاً لديه. كما نفدت كميات من بعض الكتب الأدبية مثل كتاب (أسس النقد الأدبي الحديث) لهيفاء هاشم، وكتاب (التشريح النقدي) لـ (أريك فروم). كما قام الكاتب العراقي الشيعي حسن العلوي بتوقيع كتابه الجديد "عمر والتشيّع" في ركن التوقيع حيث استمر التوقيع أكثر من ساعتين بسبب كثرة الإقبال على الكتاب.

ولئن كان المنظمون على المعرض قد تقدموا خطوات واضحة فعلاً في رفع سقف الحرية في مستوى الكتب الثقافية والأدبية إلاّ أن الندوات الثقافية على هامش المعرض جاءت هادئة هذه المرة، ومبتعدة عن أي شخصية مثيرة للجدل إسلامياً أو ليبرالياً.

وعلى الرغم من كل الشعارات المناهضة لمعرض الكتاب من التيار الأكثر محافظة في المجتمع السعودي إلاّ أن المعرض الذي انطلق في 27 من فبراير الماضي يقدم أنشطته بسلاسة وانسياب دون أي مشاكل تذكر، إلاّ من خلال تصرفات فردية استفزتها عناوين بعض الكتب التي لم يُعتد عليها في السعودية.

ويبدو أن ثنائية (الحرية والرقابة) كانت هي الأوفر جدلاً هذا العام، بينما خفت سجال (الاختلاط بين الجنسين)، على الرغم من أن إدارة المعرض قد سمحت بدخول النساء للمعرض حتى ولو بدون محرم. إضافة إلى تواجد عناصر من الأمن النسائي ـ بحسب ما أكدته صحيفة سعودية ـ لتيسير عملية البحث في المعرض للنساء دون أن تتعرض لأي مضايقة.

وربما كانت حجج المؤيدين لفتح المجال لدخول النساء أكثر عقلانية وإقناعاً: "فلماذا يصبح الاختلاط محرماً ومنكراً في معرض الكتاب، بينما هو مباح وواقع في الأسواق والمكتبات التجارية في كافة أنحاء المملكة؟!"

الشيخ محمد الفراج.. خطوات حركية للاحتساب
في هذا السياق يقدم الشيخ محمد الفراج خطوات حركية تحت عنوان (حتى يكون حضورك لمعرض الكتاب إيجابياً)، والمقال موجَّه لشريحة معينة من القرّاء، فكما يقول الشيخ الفراج في مقدمة مقاله: "من المعلوم أن أعداداً هائلة من الأساتذة والطلبة والمحبين للعلم والثقافة وغيرهم سوف تغشى هذا المعرض بكرة وعشياً، فهل يقف دور المسلم على مجرد الحضور والتجوّل في ردهات المعرض، ثم شراء ما تيسر له من كتب؟ هل تبرأ الذمة بذلك حتى لو رافقه شيء من التذمر وصاحبه قدر من الاشمئزاز لما يرى من تجاوزات ومخالفات في نوعية المعروض وطريقة الارتياد لهذا المعرض؟".

ويسرد الشيخ الفراج بعدها خطوات "مقترحة" للتعامل مع التجاوزات والأخطاء التي تحصل في معرض الكتاب، مؤكداً على أهمية "حضور طلبة العلم والمشايخ وأهل الغيرة والحسبة لهذا المعرض، وتحصيل ما يحتاجونه من كتب ومراجع قد لا تتوفر في غير هذه المناسبة وللاحتساب المأمور به شرعاً". مشدداً في الوقت ذاته أن "الاحتساب إنما يكون وفق الطريقة الشرعية الصحيحة الحكيمة، وبما لا يسبب مفسدة أكبر وبالرفق واللين ومشاورة أهل العلم".

وفضل الشيخ الفراج "لو كان مع كل متسوّق ورقة وقلم ليعمل جرداً بدور النشر التي تسوّق لكتب الإلحاد والبدعة والفرق المخالفة لأهل السنة وروايات الفجور والمجون، وكذلك يعمل جرداً لما تقع عليه عينه من كتب ومنشورات وروايات سيئة، وفي النهاية يضمنها كتاباً إلى المسؤولين والعلماء عملاً بواجب النصيحة وإبراء للذمة".

وأوصى الفراج "بمقاطعة تلك الدور التي تروّج للزندقة والبدعة والضلالة والمجون والخلاعة، وإن كل ريال يُدفع لها عون لها على دورها الإجرامي وسند لرسالتها الشيطانية. وعلى كل من رأى سفوراً أو تبرجاً أن ينكر بأسلوب رفيق، أسلوب ناصح، ويصبر على ما قد يتعرض له من جهل المنصوح".

وأكد الشيخ الفراج على أهمية "ضبط النفس والتحلي بالصبر والرفق والحكمة حتى لو حاول بعض المغرضين جر المحتسب واستدراجه إلى مشاجرات وردود أفعال غاضبة، فعليه أن يتذكر أنه لا ينتقم لنفسه ولا ينتصر لذاته، وأن يدفع بالتي هي أحسن، ويعفو عمن ظلم".

ويتضح من خلال المقال أن الشيخ محمد الفراج يستحضر في رسالته التأكيد على ضبط النفس والرفق والرقة في التعامل مع "الآخرين المخالفين"، حتى لا يتكرر في معرض الكتاب سيناريو "أحداث كلية اليمامة بالرياض"، وما جرى فيها من مصادمات بين الجمهور والمنظمين أدّت إلى اعتقال عدد من الشباب المعترضين على بعض الأنشطة الثقافية.

بيان "استنكار" مقتضب
تعميقاً لسجال الحرية والرقابة والاختلاط في معرض الكتاب.. صدر بيان نُشر على شبكة الإنترنت عن مجموعة من الدعاة في السعودية من بينهم (الشيخ عبد الرحمن البراك، والشيخ عبد العزيز الراجحي والشيخ ناصر العمر، والشيخ سعد الحميد، والشيخ عبد العزيز العمر، والشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف، والشيخ محمد الهبدان) يعبرون فيه عن رفضهم واستنكارهم "لمعرض الكتاب الذي تشرف عليه وزارة الثقافة والإعلام؛ إذ اشتمل على كثير من المخالفات الشرعية، وجاء مصادماً للسياسة الإعلامية".

البيان جاء مقتضباً ومباشراً في توجيه رسالته إلى منظمي المعرض، حيث استهجن البيان " فتح الباب لجميع دور النشر العربية والعالمية، وفيها دور تروّج للرذيلة، ودور لا تفرق بين حق وباطل وغايتها المال من أي طريق فتنشر الغث والسمين، وما يحارب دين الإسلام ودور أخرى لطوائف من المبتدعين كالرافضية، والإباضية والزيدية التي تروج لمذاهبهم. وتجد في بعض مكتبات المعرض كتب الديانات المنسوخة كالتوراة والإنجيل وكتب الوثنين كالصابئة والهندوسية، وكتب الانحراف الفكري والأخلاقي ككتب الحداثة والجنس".

كما ندد الموقعون على البيان بـ"عدم اعتبار المشرفين على المعرض لجهود المحتسبين، وعدم الالتفات للشكاوى من المخالفات، وحصول الاختلاط في كل يوم في المعرض بين الرجال والنساء لا سيما مع الزحام وضيق الممرات".

وختم البيان برسالة إلى وزارة الثقافة والإعلام ودور النشر بأن "يتقوا الله فإنهم مسؤولون عن كل ما يجري في ولايتهم، وعليهم أن يعيدوا النظر في سياسة المعرض، فلا يفتحوا الباب على مصراعيه في الكتب والمكتبات، وأن ينتقوا من دور النشر، ويمنعوا من الكتب ما يضر بالعقائد والأخلاق".

وأضاف البيان: "كما نذكر أصحاب دور النشر والمرتادين للمعرض أن يتقوا الله ويراقبوه فيما يبيعون ويشترون، ومن المعلوم أن ما يضر بالدين والأخلاق أخطر مما يضر بالأبدان. والمكاسب الحاصلة من التجارة المحرمة مكاسب خبيثة لا تُقبل الصدقة منها، ولا يُبارَك فيها، وما يُبذل من المال في كتب الضلال هو من التبذير والإسراف الذي نهى الله عنه".

و مفتي السعودية أيضاً..!
وعلى خط السجال المستمر، يتدخل مفتى عام المملكة العربية السعودية سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ محذراً من دور النشر التي تبيع الكتب التي تضر بعقائد الشباب، وتشكّكهم في دينهم في معرض الرياض الدولي للكتاب. وفقاً لما نشره موقع (آسية) الإلكتروني.

وطالب الشيخ بنشر الكتب النافعة التي تحث الشباب على الالتزام بدينهم وعقيدتهم ومبادئ الإسلام الصحيحة.
وقال المفتي: لا يجوز اقتناء وبيع الكتب التي يغلب عليها التشكيك بعقائد الإسلام. وأضاف: إن ما يشتريه الشباب من كتب تحتوي على أفكار ضالّة أو منحرفة تؤثر عليهم وهي تمثل ضرراً على الأمة.