أنت هنا

بعد قضية أطفال الإيدز الليبيين.. متى يفرج العقيد عن الإسلاميين؟
12 رجب 1428

لم تشكل النهاية التي آلت إليها قضية أطفال الإيدز الليبيين مفاجأة للمراقبين للشأن السياسي هناك، بخاصة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، والرسالة التي أراد خبراء الإعلام في واشنطن إرسالها إلى ما يطلق عليه "الأنظمة الثورية" في الوطن العربي، عبر صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وهو يخرج من حفرة تحت الأرض في وضع مزر، وهو ما تبين في ما بعد أنه كان مفبركا بإحكام لتوصيل الرسالة المطلوبة إلى من يهمه الأمر.

منذ هذا التاريخ والخطوات الليبية لاسترضاء الدول الغربية وأمريكا تتسارع على الأرض، عبر التخلي نهائيا عن فكرة الوحدة العربية من منظورها القومي (والتي لا يشترط طبعا موافقتنا عليها)، ولو في حدها الأدنى، عبر التهديد بالانسحاب من جامعة الدول العربية، ومهاجمة المملكة العربية السعودية في أكثر من مناسبة لانتمائها الإسلامي وهويتها الواضحة التي تعتز بها، وإعلان العقيد أنه اكتشف، ربما بشكل مفاجئ، أن بلاده إفريقية الجذور، مقطوعة الصلة عن المحيط العربي، ودعوته المتكررة لولايات متحدة إفريقية، وتخلي ليبيا عن برنامجها النووي، والرضوخ للمطالب الغربية بخصوص تعويضات لوكيربي، وغيرها الكثير من الشواهد على مرحلة "الانبطاح الليبية" الجديدة.

لكن قضية أطفال الإيدز الليبيين كانت مختلفة، فلطالما تشدق النظام الليبي باحترامه لأحكام القضاء، والدولة التي تنتمي إليها الممرضات البلغاريات لا تأثير لها تقريبا على الساحة الدولية، فضلا عن الطبيب الفلسطيني الذي وفرت له الجنسية البلغارية الجديدة وضعا ما كان له أن يحلم بمعشاره لو ظل على انتمائه الفلسطيني العربي، والضحايا من الأطفال الليبيين يموتون يوميا أمام سمع العالم وبصره، ما جعل القضية بعيدة عن فزاعة "الإرهاب" التي أشهرتها واشنطن في وجه العالم بعد أحداث سبتمبر، ويسر على نظام العقيد تعليق الأمر برمته برقبة القضاء الليبي، ملوحا بنزاهة القضاء، وليته فعل.

ما حدث في الفصل النهائي للقضية كان مأساويا للمواطن العربي العادي على كل الأصعدة، فبعد أن ثبتت محكمة ليبية أحكام الإعدام على المتهمين في هذه القضية، للمرة الثانية، خفف مجلس القضاء الليبي الأعلى الحكم إلى المؤبد، ثم فوجئ المشاهد العربي بالإفراج عن الممرضات البلغاريات، ومعهم الطبيب البلغاري (الفلسطيني سابقا) ووصولهم إلى مطار صوفيا بعد وساطة "نسوية"، ليجدوا في استقبالهم كأبطال رئيس الدولة، وعدد من كبار المسؤولين البلغار، وهو مشهد لا يمكن أن يكون مناسبا لمدانين في قضية سقط فيها مئات الضحايا الأبرياء، حتى لو كان في نية الرئيس البلغاري العفو عنهم في ما بعد... وبعد ذلك بسويعات فضح الرئيس الفرنسي الحقيقة بالإعلان عن أن الأموال التي تم دفعها لأسر الأطفال الليبيين لم تتكلف بلغاريا ولا أية دولة أوروبية فلسا واحدا فيها، ما يعني أن الحد الأدنى لمطالب الأسر المتضررة لحفظ كرامتها وهو "الدية" تم دفعها بأموال ليبية، وربما بمساعدة إحدى الدول الخليجية التي توسطت في الموضوع.

لا يعنينا الدخول في تفاصيل مشهد "الانبطاح الليبي" الجديد، ولكن ما حدث يدعو للتساؤل: أليس من اللائق بنظام العقيد في "صورته الغربية" الديمقراطية الجديدة، أن يفرج عن آلاف المعتقلين الليبيين الإسلاميين الذين يقبعون في سجون بلاده منذ عقود من دون تقديمهم حتى للقضاء، أو إدانتهم بأي شكل من الأشكال، غير أنهم أصروا على العبودية لله سبحانه وحده، وعدم الاعتداد بكتاب العقيد الأخضر وخيالاته "الثورية" ودعواته "القومية" التي تحطمت على صخرة الواقع الجديد للنظام العولمي بقيادة واشنطن؟

وهل يحتاج الفلسطينيون في الشتات وفي بلادهم المنكوبة بالاحتلال الصهيوني لجنسية جديدة حتى يلتفت العالم لمحنتهم ويعمل على حلها، على غرار ما حدث للطبيب الفلسطيني المتهم في القضية، الذي كان من الممكن أن يكون معلقا على أعواد إحدى مشانق اللجان الثورية، لولا الحصانة الجديدة التي وفرتها له الجنسية البلغارية التي منحت له أثناء نظر القضية؟