أنت هنا

الأبارتهايد العراقي.. ونظام الفصل العنصري الجديد
7 ربيع الثاني 1428

ناضل الزعيم الإفريقي الشهير نيلسون مانديلا من أجل انعتاق بلاده (جنوب إفريقيا) من ربقة النظام العنصري البغيض الذي كانت تنفذه بريتوريا ضد الأفارقة السود أصحاب البلاد الأصليين، وتكلل جهده بنوع من الاستقلال عن المحتلين الساكسون من جنود بريطانيا أم الديمقراطيات في العالم.
وليس غريباً أن يكون هذا سلوك الديمقراطيين في بلادهم، العنصريين في بلادنا وبلاد الفقراء، فهكذا مردوا، وهكذا ألفناهم، غير أن الغريب أن يظل هذا السلوك دأبهم وهم يبنون استراتيجيات جديدة يودون من خلالها رسم صورة مغايرة عن تلك التي ترسخت في عقولنا عنهم، كشعوب بربرية لحجب وجوهها الكالحة بألوان باهتة من المساحيق.
الأبارتهايد العراقي الجديد، هو باكورة شجرة خبيثة زرعت في واشنطن وتل أبيب ولندن وطهران؛ فأنبتت في بغداد، نظاماً استبدادياً عنصرياً، لم يأتل جهداً في تقليد النماذج الإجرامية في جنوب إفريقيا أو فلسطين المحتلة أو الهند أو حتى في ألمانيا، فأسوارهم الظالمة واحدة، تمتد من جنوب ليبيا إبان جهاد الشيخ عمر المختار إلى جدار شارون العازل إثر استشهاد الشيخ ياسين..
وإذا كان أقرب الجدر المبنية لعزل المسلمين ومقاومتهم كانت على يد الصهاينة في فلسطين، ورأوها أنها قد نجحت إلى حد بعيد في منع كثير من العمليات الاستشهادية من دون أن توقف الهجمات الصاروخية الأقل حدة منها؛ فإنه لا يستبعد أن يكون للصهاينة يد في عزل المسلمين السنة في كانتونات محدودة لاسيما في العاصمة، خاصة إذا ما كانت تعزل هؤلاء وتطلق العنان للأقلية الشيعية في بغداد تسرح في أحيائها وتمرح، ومنها ذاك التيار الصدري الذي عاث في البلاد فساداً، وأدار مع المحتلين الأمريكيين والإيرانيين مسرحية الفرار، التي انجابت عن تغول جديد لميليشيات "جيش المهدي" التابعة للتيار الصدري، مكنها هذا الأسبوع من العودة باسطة نفوذها على مدينة النجف المقدسة شيعياً، وعودة نشاط الميليشيات تدريجياً إلى حي الثورة (مدينة الصدر وفقاً للتسمية الشيعية لها)، وهو ما يشي بهزلية هذا المشهد الاحتلالي لجهة استهداف التيار الصدري أو الرغبة الحقيقية في تحقيق قدر من الأمن في العاصمة العراقية على حساب الإيرانيين وأشياعهم والاحتلال وأعوانه.
الأسوار لا تحقق الأمن، بل تجسد الاحتلال، وتكشف عن وجهه البغيض، وهو لا يماثل "جدار برلين" الجديد ـ مثلما وصفه نصار الربيعي زعيم الكتلة الصدرية بالبرلمان العراقي ـ الذي يكرس التقسيم الطائفي، بل هو كجدار شارون العازل أو موسوليني في ليبيا لأنه يستهدف فريقاً واحداً بالعزل والإقصاء، ويثني بالإقصاء والعزل الحياتي مثلما بدأ بالعزل السياسي والاقتصادي.. إنها سياسة أبارتهايد جديدة ضد سنة العراق، تنفذ وسط محيط سني كثيف يحيط بهذا البلد العريق من جنباته الثلاثة، عدا الجانب الإيراني المتواطئ في تنفيذ مثل هذه السياسة، ولو طالب رئيس الوزراء العراقي الموالي لإيران الأمريكيين بالتوقف عن بناء هذا السور.
إن الولايات المتحدة الأمريكية بمعاونة بريطانية وصمت عربي، تنجز في هذه اللحظة سجناً من سجون العبودية الحديثة، التي لا تنسى أن هنا نشر الإمام سماحة الإسلام، وأعلى من قيمة الحرية، ورفع من قيمة العقل، ودعا إلى التفكر والتأمل.. فحيث أبو حنيفة يبث قيم التراحم، يحوط الأمريكيون وأعوانهم حيه (الأعظمية) بسياج من ظلم وطغيان.. وشتان بين دين يرفع وبربرية تسفل، وبين دين يحرر وإمبراطورية تسجن.