أنت هنا

انتفاضة الإسلاميين والهوية.. والبحث عن الهوية
5 ربيع الثاني 1428

هي مرحلة بحث عن هوية مغايرة للأصل حاولت أن تصوغها بلغة أمريكية/إثيوبية جحافل من الجنود الإثيوبيين والطائرات الأمريكية الداعمة، فشلت فيها كلتاهما فشلاً ذريعاً، إذ سرعان ما عادت الصومال إلى طبيعتها الإسلامية والقبلية والعشائرية؛ فانتفضت ضد محتل على أساس ديني، ودعمه حنق استبد بعشائر الهوية التي كانت تسيطر على معظم العاصمة الصومالية بالأمس القريب.
تحالف جديد ضم فريق من الإسلاميين بزعامة شيخ أحمد شريف القيادي البارز باتحاد المحاكم الإسلامية، وأحد أشهر قادة قبيلة الهوية الصومالية حسين عيديد، إضافة إلى رئيس البرلمان السابق الشريف شيخ عادن، وهو تحالف على أساس هدف مشترك رسمه الطرفان الأبرز في المعارضة الصومالية، وربما لا يتعدى هذا الهدف، حيث لا تبدو ثمة أجندة مشتركة لهما غير المقاومة وتحرير البلاد من الغزو، وهو استراتيجية تلجأ إليها قوى المعارضة المسلحة عادة في مسعى منها للحصول على قوة مضاعفة من أجل إزاحة المحتل، بغض النظر عن مدى التوافق على أرضية مشتركة من نظم الحكم، وهو ما يتجلى في مواطن كثيرة من بقع المقاومة حتى في أفغانستان التي يتهم نظامها السابق من قبل خصومه بالنزوع إلى التفرد، لكنه برهن في فترة طويلة على تماسكه مع قوى المقاومة الأخرى كالحزب الإسلامي بزعامة حكمتيار.
المقاومة إذن تنطلق آخذة في نهب المسافات باتجاه تقزيم العدو وتحجيم تحركاته، لاسيما والوقت يمضي في صالحها، بعدما ألهبت عمليات المقاومة، تلك التي جرت في الأسبوعين الماضيين، وحصدت العشرات من جنود الاحتلال الإثيوبي بين قتيل وجريح، إضافة إلى عشرات الفارين إلى اليمن جراء المعارك الشديدة، وآخرها العملية النوعية التي نفذها فدائي صومالي/عبد العزيز داود من "حركة الشباب المجاهدين" أول من أمس بتفجير نفسه في قاعدة عسكرية إثيوبية في الصومال باستخدام مواد كيماوية مثلما أوردت الأنباء في الصومال.
وهذا الانطلاق، محسوب بعامل زمني يسير في صالح المقاومة لا المحتل الذي بات يحاول علاج نتائج فوضاه التي أوجدها في الصومال لاسيما مقديشو من دون جدوى، ومن ثم اندفع يحارب في حرب استنزافية مجبر على خوضها حتى النهاية برغم خسائره العالية التي حاول التقليل منها عبر الانسحاب لحساب قوة أوغندية إفريقية كان من المفروض أن تصل إلى 8 آلاف فإذا بها لا تقوى على تجاوز سقف 1200 جندي، اضطرت مع هذه المعطى إلى مضاعفة جنودها بدلاً من انسحابها الاضطراري (تماماً مثلما يفعل الأمريكيون اليوم في العراق مدللين على صعوبة الاستمرار في مثل هذه الحرب الاستنزافية من دون الهروب حيالها إلى الأمام)، ولقد نقلت وسائل الإعلام عن أمين حسان ادو الذي يقيم في بلدة افغويي جنوبي العاصمة قوله "شاهدت وأحصيت نحو أربعين آلية إثيوبية هذا الصباح آتية من بيداوة ومتجهة إلى مقديشو."
وإثيوبيا من جهتها تواجه موقفاً في غاية الدقة، فزهاء 200 ألف من سكان مقديشو قد هجروها جراء القتال في ثلاثة أشهر فقط بحسب مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وجنودها يفرون إلى اليمن، ووفقاً لصحيفة الأيام اليمنية في تقرير لها فإن 89 جندياً في جيش الاحتلال الإثيوبي وصلوا إلى شواطئ منطقة "عرقة" الساحلية المطلة على بحر العرب بعد أن فروا من الصومال.
ولا يقتصر الأمر على اللجوء ولا على القتلى الأربعمائة الذين ووروا الثرى خلال الأسبوعين الماضيين، وإنما يتجاوز إلى التأثير على الحياة المعيشية لسكان العاصمة التي هجرها ربع مليون صومالي، والتي تضاعف فيها السلع الغذائية، وشاعت جباية المسلحين،
واشتكى كبار تجار «الهوية» من بلوغ الضرائب الجمركية على السلع الأساسية بمرفأ مقديشو، ثلاثة أضعاف ما كانت عليه من قبل.
وحينما تفرش المظالم أوسدتها في كل حدب، تمضي الهزيمة إلى معسكرات المحتل بخطى متسارعة، ويكون الانهيار حتى قبل أن تطأ سنابك الخيل أرض الصومال ظافرة حاملة فوق ظهورها نصراً مؤزراً على عدو مثّل أكبر دعاية ضد ذاته!!