أنت هنا

فرجينيا: متى يحصل الإعلام العالمي على الاستقلال؟!
1 ربيع الثاني 1428

فرجينيا: متى يحصل الإعلام العالمي على الاستقلال؟!

الكاميرات حاضرة، وبكاء الفتيات والفتية تنفطر له قلوب المشاهدين، إنهم من ذوي البشرة البيضاء، إنهم من أهل الشمال؛ فلتشرئب أعناق أهل الجنوب!!
ما بين طرفة عين والتفاتها، كان الخبر يطير إلى كل ركن من أركان العالم، حتى جزر الأطلسي أو الهندي لابد وأن تشاهد الحدث، وبلادنا العربية بالطبع كانت في طليعة الحاضرين في الجنازة الإعلامية.. هي بالتأكيد فاجعة تذهل لها العيون على المستوى المحلي في أي بلد، ومفهوم أن تمثل قدراً كبيراً من الصدمة في الولايات المتحدة الأمريكية، غير أنها ليست كذلك في بلادنا المكلومة بشكل مزمن، ومقهورة على نحو سرمدي أو هكذا يراد لها، نعم، نرى الحادثة مهمة، لكننا لا نفهم أن نعالجها أو نعرضها في نفس الزوايا التي يعالجها به الإعلام الغربي والعالمي.
الإعلام الغربي تناول الحادثة حتى الآن من زوايا غموض الهدف وغموض الدافع، وأهمية المكان، ولم ير داعياً في أن يسلط الضوء على هذا العمل من زوايا أخرى، كقضية العنف غير المبرر سياسياً على سبيل المثال، فتلك مثلاً من القضايا التي تثيرها الولايات المتحدة الأمريكية وتشهرها في وجه العالم كله، لاعتبار أن العنف إذا كان من أجل تحقيق غرض سياسي؛ فهو عين الإرهاب، فماذا لو كان هذا العنف دون مبررات سياسية أو اجتماعية، وإنما كان عنفاً لأجل العنف لا غير، ناهيك حتى عن مسألة "الهستريا" الأمريكية التي يتم تفريغها كثيراً من خلال العنف (أو هكذا يقال لتبريرها أحياناً إذا ما خلت من وازع سياسي أو جنائي)، بخلاف حالات "الجنون" و"الهستريا" التي قد تنتاب البعض في العالم الإسلامي، من المرضى النفسيين الذي عادة ما يكونوا وادعين وهادئين.
ولماذا لا يعالج الإعلام هذا العنف على اعتباره إحدى منتوجات الفكر الغربي الذي لم يحل الفكر الليبرالي دون تكراره ونموه كظاهرة اجتماعية آخذة في النمو ومرآة عاكسة لا ترى فيها الديمقراطية ولا مؤسسات المجتمع المدني وإنما ترى فيها ضروب من دركات الانسفال الحضاري والأخلاقي والقيمي حتى داخل مؤسسات تعليمية عريقة، وأكاديمية راقية؟
ثم لماذا ضرب الإعلام العالمي الذكر صفحاً عن هذا الطيف المتنوع من الجنسيات التي ينتمي إليها الطلاب الضحايا، غير مكترث بتركيز عدساته على هذا اللون من استهداف "السياحة العلمية"؟!!
إن الذي ولّد هذا الحقد الأسود الذي انتاب القاتل ليس هو "القرآن" مثلما حلا لدهاقنة المحافظين الجدد والقدامى و"إسرائيل" ومتطرفي أوروبا أن يرددوا، إنما حقد لا تعبر عنه حالة فردية مهما اجترحت من ضحايا، أو سددت من سهام، بل أصيل يضرب بعطن في منبت هذه "الحضارة المتوحشة"، ولو كان القادم إليها من كوريا الجنوبية، الحليف التقليدي للولايات المتحدة الأمريكية في قلب جنوب شرق آسيا أو في أمريكا ذاتها، وإحدى توابع "الحضارة الغربية".
الحالة فردية بالتأكيد لكنها ليست انفرادية، وتكررت مراراً في مدارس وجامعات أكاديمية، بما لهذه الأماكن من خصوصيات "تسامحية" لا تفي للقاتل بمحفزات، ولا بمظالم ظاهرة تستأهل مثل هذا الانكباب على التسلح الذاتي لدى جموع من المراهقين في الغرب، ومنهم هذا الأخرق..
علينا أن نتذكر أن تشو سيونج هوي، هو طالب في جامعة هي من أرقى الجامعات الغربية تعليماً وطرائق تأهيلية، وهو ليس أبداً خريجاً من خريجي السجون العربية المكتظة، ولعله لم يعل ظهره سوط تأديبي أو تقريري في إحدى معاهد التعذيب العربية العريقة، وهو مع ذلك أمطر زملاءه زخات رصاص وفيرة، ثم يعيب علينا الإعلام العالمي غير المستقل، على مليارين من المسلمين رازح معظمهم تحت نير الظلم والقهر، خروج بضعة آلاف منهم كـ"انتحاريين"، معتبراً ذلك دليلاً على "إرهابية" الإسلام و"قسوته"؟! أوعدم القوم شيئاً من الإنصاف والعدل؟! أم تراهم أعماهم حقد كذاك الذي اعترى الشاب أن يعاينوا ما جنته أيديهم فظنوا أنه "حادث فردي"؟!
إن من التعامي عن جادة الحقيقة أن يرى الإعلام بعين صقر هذه الحادثة، من دون أن يوسع مجال رؤيته، ليرى الدولة، هذه، تلك الفسيحة كقارة وهي تفعل مثل ما فعل سيونج هوي، كل يوم: تقتل وتعذب وتشرد، فيقتل جنودها أو يتواطئوا على قتل أمثال ضحايا الشاب الكوري كل يوم في العراق وغير العراق من دون أن يستحقوا التفاتة لهذه الكاميرا الأمريكية الخلابة، وخلفها مئات الألوف من كاميرات الإعلام العالمي، التي لا تضبط عدساتها إلا حيثما حل أبيض البشرة أو ارتحل أو حتى رحل.. أولم نقل إنه إعلام لم يحصل بعد على الاستقلال!!