أنت هنا

تفجيرات الجزائر والمغرب: مختلفة نعم.. متفقة نعم أيضاً
26 ربيع الأول 1428

من حيث كونهما بادي الأمر مختلفان لجهة كون تفجيرات الجزائر قد استهدفت أماكن حيوية رمزية، وأنها قد رمت بسهمها قلب الحكومة الجزائرية، ولم تختر هدفاً عشوائياً، وارتبطت بتوقيت يقترب حثيثاً من استحقاق انتخابي، فيما تفجيرات المغرب قد جرت على نحو عشوائي، وخلت تقريباً من تحقيق أي هدف سياسي، وتبدو قد حدثت دون ترتيب لها جيد، فنعم، كل هذا صحيح، ومثله أن الأولى قد تبناها تنظيم القاعدة فور وقوعها، فيما لا يبدو في الثانية أن هناك أي جهة أرادت أن تتبناها، ربما لأنها لا تمنح تنظيمها أي فخر أو منقبة يمكن أن تثمن له.. ذاك كله صحيح، وصحيح أيضاً أن هذه قد وقعت في بلد وتلك وقعت في بلد آخر، فهذا أيضاً وجه آخر للتشابه، يضاف إليه احتراف الأولى وعبثية الثانية من الناحية العسكرية البحتة.
ربما يختلفان كذلك في جانب فكري أسست عليه هذه العمليات التي ضربت في الأولى حكومة نظام لا يمنحه الفاعلون شرعية، بينما الثانية قد توسعت أكثر في قضية حرمة الدم من الأولى..
هذه بعض مواضع الخلاف، وغيرها كثير مما لا تحتمله هذه الورقة بإيجازها، إلا أن المتفق عليه في هذه الحوادث التي ضربت قلب المغرب العربي، وربوعه الآمنة كثير أيضاً ويحتاج إلى تسليط الضوء عليه أكثر من هاتيك الملاحظات الآنفات، يكمن في قضايا هي للأصول أقرب منها للفروع التي تخرج من رحم أفكار قد تحسن النية في مصدرها لكنها لا تقابل تأصيلاً يحميها عن التردي في حمئة الأخطاء بل والخطايا.
هما متفقان في تلك النظرة إلى الدماء المسلمة التي كان لها في الإسلام حرمة تجاوز حرمة الكعبة شرفها الله، فـ"لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراماً" [رواه البخاري]، وكيف يستبيح الرجل أن يبعث من موته ويقوم من قبره، فيلاقي ربه يقضي بين الناس أول ما يقضي في الدماء [كما في البخاري أيضاً من حديث ابن مسعود رضي الله عنه]، لعظم هذه الدماء التي لها في ديننا مقام ومقام، "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم" [قاله النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه النسائي].
متفقان في عبثيتهما، فلا الأهداف واضحة ولا الوسائل مشروعة ولا العلماء حاضرون لدى الفاعلين أو موضع تقدير لديهم، ولا الاستراتيجيات حاضرة، ومن يرد أن يعالج هذه الأخيرة في أحداث الجزائر والمغرب، فليبحث من المستفيد؟؟ وأي دولة يعنيها هذا الاضطراب الحادث الآن في المغرب العربي؟؟ ولمن يمهد هؤلاء الطريق؟!
ينبغي أن يقال الآن:
هل تستحلون سفك المسلمين ولو على سبيل "الخطأ الراجح" في أسوأ الفروض؟
هل تستحلون سفك دمكم أنتم بغير هدف متيقن ومشروع؟
هل سيفضي هذا العبث لشيء؟
من سيفيد من هذه العبثية في عالم الاستراتيجيات؟
عندما يغيب المبرر الشرعي، والتأثير السياسي، والهدف الاستراتيجي، تصبح مثل هذه الأفعال ضروباً من العبثية لاسيما لو عادت بجهود المصلحين خطوات إلى الوراء، ومنحت عشاق التعذيب في البلدان المسلمة مسوغات تحدوهم لأن يذيقوا البعض صنوفاً من العذاب، ويتوسعوا في دوائر الاشتباه مسلحين بهذه المبررات المنظورة على شاشات الرعب/الفضائيات؛ لتبدأ "دورة الموت" من جديد:
تعذيب، فاحتقان، ففكر السراديب، فسلاح، فتفجير..
أوليس لنا أن نسأل ـ في المقابل ـ أنظمة عربية عن هذا النجاح الباهر في تعبيد الطريق أمام جيش من "الانتحاريين" أو "الفدائيين" ـ سموهم ما شئتم ـ تتم صناعتهم بإتقان في حواضن التعذيب؟
لماذا تخرجون مشاريع التفجير في ظلمات السجون؟!