أنت هنا

المبادرة: جدل عربي لا يلامس أذن "إسرائيل"
11 ربيع الأول 1428

الذين يرفضون المبادرة العربية للسلام بين العرب و"إسرائيل" على خلفية احتوائها على بنود تضمن الاعتراف بـ"إسرائيل"، والتطبيع المشروطَين معها مقابل منح الفلسطينيين بعضاً من حقوقهم، لاعتبار أنها تعلن اعترافاً جماعياً بكيان احتلالي ليس له مشروعية في الاحتفاظ بأية ذرة من التراب الفلسطيني، والذين يقبلون بها استناداً لكونها تتسق مع تعريف السياسة ذاته الذي ينص على كونه فعل الممكن، كلاهما قد يكون ممارساً لجدل داخلي عربي لا تسمعه "إسرائيل" أو ترقبه في صمت انتظاراً لما يقدمه العرب إليها مجدداً لكن من دون ثمن تريد أن تدفعه.
فالمبادرة العربية لم تصدر اليوم، وإنما مضى على إطلاقها في مثل هذا اليوم تحديداً، خمس سنوات، مرت بالقضية الفلسطينية الكثير من الأحداث دلت في مجموعها على أن "إسرائيل" لا ترفض المبادرة فقط وإنما تنفض يدها من أي يد تمد إليها سواء أوافقناها أم خالفناها.
في خمس السنوات الماضيات استشهد الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي والشيخ صلاح شحادة وغيرهم، واغتيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي لم يتخلف عن حضور العديد من القمم العربية السابقة على جالساً على المقعد الذي صار مقعدين يشغلهما الرئيس الفلسطيني أبو مازن ورئيس وزرائه إسماعيل هنية.
المبادرة مرفوضة "إسرائيلياً".. وأيضاً أمريكياً إلا في إطار صفقة تتجاوز ما في فلسطين من صراع وتتسع رقعتها لتشمل منطقة "الشرق الأوسط" كلها وتتماس مع التوتر مع إيران، والتعثر "الإسرائيلي" الداخلي والخارجي، والوضع المتردي في العراق.
المبادرة محل إجماع عربي رسمي لكن الشعوب العربية سبق وأن رفضت مسألة الاعتراف بـ"إسرائيل" أو التطبيع، وهي في معظمها لم تر من "إسرائيل" ما يشجع على التعاطي معها فضلاً عن كون ذلك ضد ما تعتقده وتؤمن به، وتاريخ الصهاينة الدامي مع العرب كفيل بأن يشيح وجوه العرب عن بنود لا يحترمها العدو، ولا يؤيدها كثير من الأصدقاء.
في مثل هذا اليوم، منذ خمس سنوات، اجتمع القادة العرب في بيروت، وتبنوا هذه المبادرة لأول مرة، وكان البيان الختامي ينص فيما ينص على ما يلي:
• يؤكد القادة في ضوء انتكاسة عملية السلام، التزامهم بالتوقف عن إقامة أية علاقات مع "إسرائيل"، وتفعيل نشاط مكتب المقاطعة العربية لـ"إسرائيل"، حتى تستجيب لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ومرجعية مؤتمر مدريد للسلام، والانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة حتى خطوط الرابع من يونيو 1967.
• التأكيد على أنّ السلام في الشرق الأوسط لن يُكتب له النجاح إن لم يكن عادلاً وشاملاً تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن رقم 242 و338 و425 ولمبدأ الأرض مقابل السلام، والتأكيد على تلازم المسارين السوري واللبناني وارتباطهما عضوياً مع المسار الفلسطيني تحقيقاً للأهداف العربية في شمولية الحلّ.
• وفي إطار تبني المجلس للمبادرة السعودية كمبادرة سلام عربية يطلب المجلس من "إسرائيل" إعادة النظر في سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الإستراتيجي أيضا.
- كما يطالبها القيام بما يلي:
أ - الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو 1967، والأراضي التي مازالت محتلة في جنوب لبنان.
ب- التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
ج- قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.

- عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي :
أ - اعتبار النزاع العربي "الإسرائيلي" منتهيا، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين "إسرائيل" مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.
ب- إنشاء علاقات طبيعية مع "إسرائيل" في إطار هذا السلام الشامل. ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة.
- يدعو المجلس حكومة "إسرائيل" و"الإسرائيليين" جميعاً إلى قبول هذه المبادرة المبينة أعلاه حماية لفرص السلام وحقناً للدماء بما يمكن الدول العربية و"إسرائيل" من العيش في سلام جنباً إلى جنب ويوفر للأجيال القادمة مستقبلا آمناً يسوده الرخاء والاستقرار.
- يدعو المجلس المجتمع الدولي بكل دوله ومنظماته إلى دعم هذه المبادرة.
- يطلب المجلس من رئاسته تشكيل لجنة خاصة من عدد من الدول الأعضاء المعنية والأمين العام لإجراء الاتصالات اللازمة بهذه المبادرة والعمل على تأكيد دعمها على كافة المستويات وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن والولايات المتحدة والاتحاد الروسي والدول الإسلامية والاتحاد الأوروبي.

إلى هنا انتهت بنود المبادرة، ومعها انتهت آمال المتفائلين و"المعتدلين".. فلم تنفذ "إسرائيل" الجزء الأول ليكون واجباً على الحركات والقوى الفلسطينية وغير الفلسطينية أن تبدي شيئاً من "المرونة" أو يتجادلوا حول تعاطيهم الإيجابي أو السلبي مع المبادرة لأنها بالطريق إلى الاصطفاف إلى جوار القرارات الدولية العتيقة ومؤتمرات السلام التي لم تلتفت لها "إسرائيل" يوماً ما كما لم يلتفت أسلافهم إلى رحابة العيش مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في المدينة وما حولها فترددت مصائرهم ما بين القتال والإجلاء، وضاقوا بالجزية والموادعة..