أنت هنا

4 سنوات غيرت العالم
4 ربيع الأول 1428

تحل الذكرى الرابعة لغزو العراق وسقوط بغداد في أجواء غير مواتية لإدارة بوش ولمجمل المشروع الأمريكي في العراق والعالم العربي، والذي يعرف بـ "الشرق الأوسط الكبير" أو " الشرق الأوسط الجديد".
ورغم الآلة العسكرية الأمريكية الجبارة، مضافاً إليها قدرات حلفائها، والدعم السياسي الذي تلقاه من الكثير من دول العالم الخائفة والمذعورة من سطوة الأمريكان، فإن المقاومة العراقية استطاعت أن تصمد، وأصبح المحتل هو الذي يئن من الضربات ويعقد المؤتمرات الدولية والإقليمية اعترافاً بالهزيمة وبحثاً عن طريقة للانسحاب يحفظ بها ماء وجهه.

أمريكا إذاً مقتنعة بمأزقها ولكن إدارة بوش تتهرب من وضع جدول زمني للانسحاب لأن هذا الانسحاب يعني تسليمها بالفشل الكامل أمام عيون العالم، كما يعني انتصارا حاسما لكل أعدائها وخصومها، وجماعات المقاومة، وكل من عارض اجتياح العراق من قوى الداخل العراقي والخارج، كما ستدعي "القاعدة" بأنها هي التي أجبرت الأمريكيين على الرحيل، وستستثمر ذلك بمثابة انتصار لها، وهذا يغيظ إدارة بوش ويعكر صفوها.
كما أن هذا الانتصار الحاسم للقوى المعادية لأمريكا ولسياساتها في المنطقة، سوف لا يقتصر على مساحة الانتصار العسكري فحسب، وإنما سوف يمتد ويشمل كل مصالح أمريكا في هذه المنطقة ومصالح ونفوذ وسطوة حلفائها فيها، وسوف يفشل التهديد الأمريكي لدول "محور الشر" وستستأنف إيران مشروعها النووي من دون خوف.

انتصار مؤجل

يرى الخبير الاستراتيجي اللواء صلاح الدين سليم أن المقاومة حافظت على وجودها الفعال في الأراضي العراقية، لكن انتصارها مؤجل حتى يتحقق وفاق وطني كامل وتنسيق بين الأجنحة العسكرية لمنظمات المقاومة، سواء كانت إسلامية أم بعثية أم منتمية لأي تيار آخر، أو كان تحركها له دوافع قبلية، أو حتى من بعض جماعات الشيعة التي أدركت مخاطر الحرب الأهلية التي بدأت في العراق بالفعل نتيجة تآمرات سلطة الاحتلال مع الحكومات العراقية الخاضعة تمامًا للمندوب السامي الأمريكي في بغداد، ومشكلتها أن مصادر دعمها المادي بالسلاح والذخيرة أو التمويل محدود للغاية، فموارد المقاومة الخارجية قد تضاءلت مع بداية العام الحالي، وخصوصًا بعد مؤتمر بغداد الأمني الذي عقد في 10 مارس الحالي.

وفي رأي اللواء صلاح الدين سليم فإن الدول العربية الثماني، وهي دول مجلس التعاون الست ومعهم مصر والأردن ارتكبت خطأ استراتيجيًا بالموافقة على خطة بوش في العراق، والتي تعتمد على القمع والبطش في بغداد والأنبار حتى يوليو القادم دون أن تشترط عقد مؤتمر الوفاق الوطني، الذي يتعث منذ محاولات شرم الشيخ في نوفمبر 2004 حتى الآن، في ظل مماطلة للحكومات العربية.

وبغير الوفاق الوطني، وتعديل بعض مواد الدستور العراقي، بما يكفل مواجهة خطة وضرب الهوية العربية، وما لم تتخذ حكومة بغداد موقفًا حقيقيًا من الميليشيات الشيعية التي تقتل السنّة على الهوية؛ فإن العراق لن يعرف الاستقرار في العام الحالي مطلقًا. كما أن تردي الأوضاع الاقتصادية ونهب البترول العراقي من جانب المسئولين الفاسدين بصورة مبالغ فيها وخطيرة، وارتفاع نسبة البطالة إلى 60 % من قوة العمل، وانخفاض مستويات التغذية والحالة الصحية المقبولة لنصف أطفال العراق، والتي ستؤدي إلى تعبئة شعبية حقيقية ضد الاحتلال، وبخاصة إذا وجدت تأييدًا من الدول العربية، والتي ننتظر منها جميعًا أن تكفّر عن أخطائها الماضية في العراق ولبنان.

ويواصل اللواء صلاح الدين حديثه حول إمكانية أن يتغير المشروع الأمريكي في العراق بعد فوز الديمقراطيين قائلاً: إن المشروع الأمريكي في المشرق العربي لم ينهزم بعد؛ لأن هذا المشروع ليس مشروع اليمين وحده بل تخطيط استراتيجي أمريكي؛ لكنه وجد ممانعة حقيقية، وأحدث بأمريكا خسائر مادية وبشرية باهظة، كما كان هناك صمود في لبنان أمام النظام الصهيوني الحليف المباشر لواشنطن؛ ولذا فإن هزيمة المشروع الأمريكي تقتضي ممانعة عربية حقيقية، وهي لن تحدث إلا إذا عاد التنسيق الاستراتيجي كاملا بين مصر وسوريا والسعودية، ووجد ذلك تطوراً حقيقياً في نظم الحكم العربية التي تقمع شعوبها وتعتمد على الدعم الأمريكي.

تقسيم العراق يمكن تجنبه بشروط

أما المفكر الإسلامي د. محمد يحيى فيرى أن تقسيم العراق يمكن تجنبه بشرط أن تتدخل الدول العربية التي لها نفوذ، مثل السعودية وسوريا ودول الخليج، وكذلك الجزائر والسودان في المصالحة بين الأطراف، ومساعدتهم على العمل سويًا من أجل التوحد، أما مواجهة أي مخططات إيرانية داخل العراق فلن يكون إلا من خلال وعي الشعب العراقي نفسه بأهمية الاستقلال، وعدم جعل بلاده ممراً لأية طموحات إقليمية، أو أية صراعات ما بين دول إقليمية ودول كبرى.
ويمكن القول نسبيا إن المقاومة العراقية قد انتصرت لسبب بسيط وهو أن أمريكا والقوى المتحالفة لم يستقروا في حكم العراق أو السيطرة عليه بالكامل، صحيح أنها لم تتمكن من إخراج الأمريكان ولكنها ألحقت بهم خسائر كبيرة، ولم تجعلهم يستقرون في السيطرة الكاملة على العراق، وإذا كانت أمريكا تفكر في الانسحاب؛ فإن المقاومة لعبت دورًا استراتيجيًا لأنها لم تمكّن أمريكا من أن تعمل بحرية واستقرار من داخل العراق لتنفيذ مخططاتها بالنسبة للدول المحيطة بالعراق، وأيضًا في سائر المنطقة العربية مثل سوريا وحتى إيران وأفغانستان، فالهزيمة إذن حقيقية رغم المكابرة الأمريكية والدعاية الموالية لأمريكا، وسوف يضطر بوش إلى الاعتراف بها ولو بعد فترة.

ويعتقد د. محمد يحيي أن ضغوط الديمقراطيين والشعب الأمريكي متصاعدة وحقيقية، وتتمثل في المظاهرات والاحتجاجات في أمريكا نفسها وفي معظم الدول الغربية.
ولكن ما الذي يمنع الدول العربية الآن من المساهمة بشكل حيوي في مساندة العراق؟ يرجع د. محمد يحيي ذلك إلى ضعف تلك الدول، وخضوعها للضغوط الأمريكية والأوروبية، بحيث أصبحت لا تستطيع أن تفكر باستقلالية عن هذه السياسات الغربية، ولذلك فهذه الدول لا تملك الآن سياسة محددة المعالم لمواجهة أية احتمالات للسياسة الإيرانية في العراق و في منطقة الخليج، وهي لا تملك سوى أن تبشر بنفس السياسة الأمريكية، وهي اتباع القوة العسكرية، بينما هذه الدول العربية لا تستطيع امتلاك قوة عسكرية خاصة بها ومستقلة يمكنها ممارستها في وجه أية سياسات إيرانية في العراق وما حولها؛ ولذلك فالحل هو أن يكون للدول العربية قوة سياسية ومادية خاصة بها، وهي لا يجب أن تستعمل هذه القوة العسكرية أو السياسية في شكل مباشر، ولكن يكفي امتلاكها كعملية ردع لأي مخططات معادية.

الهزيمة الأمريكية ليست كاملة

د. ضياء رشوان الخبير بمركز الدراسات السياسية بالأهرام يتناول معايير النصر والهزيمة بالنسبة للمقاومة العراقية ويرى أن هذه المعايير معقدة جدًا، وخاصة في حرب العراق، فبعض الأمريكيين أقروا على المستوى الرسمي والشعبي بأن أمريكا لم تنتصر، وهناك أقاويل لا تقر بالهزيمة، وطالما أقروا بأنهم لم ينتصروا فالسؤال المطروح تلقائيًا هو: هل الطرف الآخر هو المنتصر؟ ولكن الطرف الآخر ليس طرفًا واحدًا، إنها المقاومة المسلحة النبيلة، سواء أكانت إسلامية أم قومية، ولدينا هنا مسألة الصراع الداخلي والذي دخلت فيه العديد من الأطراف، والتي لم تقاتل ويصعب علينا حسابها على المقاومة، وفي هذا الإطار فإنّ الفشل الأمريكي هو هزيمة، صحيح أنها ليست كاملة، ولكن تبقى المقاومة الشريفة صاحبة الفضل والدور الرئيس في هذا الفشل الأمريكي، وهذا ينقلنا إلى محور آخر وهو ضغوط الديمقراطيين ضد إدارة بوش، وهل هي حقيقة أم ادعاء؟
الشيء الحقيقي في هذا الأمر هو أن الديمقراطيين لن ينصفوا إلا أنفسهم، ويبحثون عن مصلحتهم وليس عن مصلحة العراق، فأمريكا وفرنسا وكل من ساهم في هذا الاحتلال لا يبحث إلا عن مصلحة بلاده، وربما تتقاطع المصالح بين هذا وذاك، لكننا لا يجب أن نكون في حالة انتظار ونستنفر المقاومة، وإذا كانت الإدارة الأمريكية القادمة تبحث عن الهروب من العراق، وحقق لنا هذا مصلحة؛ فإنها لن تأتي لإنقاذ العراق والعراقيين.
ومن ناحية أخرى فإن سيناريو تقسيم العراق لن يحدث، وفيه صعوبة لأنه يتصادم مع مصالح إقليمية كبيرة في المنطقة، وأولها أن تركيا لن تدعم الأكراد في العراق، ولأنها لن تسمح مطلقًا بدولة كردية، وكذلك بالنسبة للإيرانيين فليس من مصلحتهم تقسيم العراق إلى شيعة وسنة، وذلك على المستوى الإقليمي فإيران أمامها معضلة كبيرة وهي أمريكا، وإذا كانت على المستوى الداخلي تؤثر في المشروع الطائفي في العراق وتدعم الشيعة؛ فإن التقسيم على مستوى المنطقة يعد بالنسبة لها خسارة، وكذلك بالنسبة للأمريكان فهم حريصون على عراق موحد، المهم أن يكون خاضعًا لهم لأن هذا أفيد لهم من عراق مقسم، فالمشهد الكلي في العراق معقد، وهناك تعارض بين المصالح الداخلية والإقليمية لكل من إيران وأمريكا، فإذا كانت لإيران مصلحة في أن يكون الشيعة قوة حتى لو أدى ذلك لنزاعات داخلية فإنها في نفس الوقت حريصة على مصلحتها الإقليمية مع دول الجوار في مواجهة أمريكا، فهي ترتب أوراقه حسب مصالحها.

خطة إسرائيل في العراق

يرى د. ضياء رشوان أن أخطر طرف في قضية العراق هي إسرائيل، فليس هناك عاقل يستطيع أن يدعي أنه لا توجد مخابرات إسرائيلية تعمل بدأب في العراق، وإذا كانت جميع أجهزة المخابرات العالمية موجودة في العراق؛ فيقينًا ولأسباب قوية تعمل إسرائيل من خلال قوى مباشرة أو عبر آخرين في العراق، لأنه لا توجد مصلحة إقليمية إلا لإسرائيل، والجدير بالذكر هنا أن هناك جواسيس إسرائيليين في السجون الأمريكية كانوا يعملون لحساب إسرائيل، وفكرة التطابق الكامل بين مصالح أمريكا وإسرائيل ليست بهذه الصورة، فحينما تختلف المصالح بينهما ولو بالقدر البسيط؛ فإنه يحث افتراق بنفس هذا القدر، فالكل يعمل لمصلحة بلاده وإنني من هذا المنطلق أتصور أن الضربة التي قد تأتي لإيران قد تكون من قبل إسرائيل، وأتصور أيضًا أنّ الذي بدأ الفتنة المذهبية في العراق هي إسرائيل، وصحيح أن الكثيرين قد تورطوا، لكن المؤكد أن الإسرائيليين تلاعبوا عن طريق التخفي والخداع بأوراق الخلاف الطائفي بين الشيعة والسنة، ومسألة تقسيم العراق هي مصلحة إسرائيلية مباشرة.

أما د. محمد يحيي فيؤكد أن العراقيين يدركون جيداً أن الكثير من العمليات التي تستهدف تجمعات مدنية عراقية، وبيوت عبادة على أنواعها إنما يقف وراءها الاحتلال الأمريكي وأدواته وأعوانه، بل والموساد الصهيوني الذي دخلت شبكاته العراق مع قوت الاحتلال، وذلك لتحقيق أغراض ثلاثة أولها تشويه صورة المقاومة بعد أن يأس المحتل من القضاء عليها، وثانيها الانتقام من الشعب العراقي الذي تثبت كل الاستطلاعات رفض أكثريته الساحقة للاحتلال، وثالثها التمهيد لحرب أهلية تكون مبررا لبقاء الاحتلال من جهة ومدخلا لتقسيم العراق والمنطقة بأسرها من جهة أخرى، وهو التقسيم الذي كشفت الكثير من الوثائق عن أنه مشروع صهيوني قديم ألبسته تل أبيب وواشنطن لباس مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير.

الدور العربي في العراق

بالنسبة للدور العربي في العراق؛ فإن د. ضياء رشوان يرى أن هناك انحسارًا للدور المصري عمومًا في المنطقة العربية، حتى بالنسبة للسودان، وهذا نتيجة سياسات عامة لنظام كامل، والدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه الدول العربية وعلى رأسهم السعودية ودول الجوار، وهي أدوار متكاملة، المهم في وصفة العلاج أن يرغب العراق داخليًا في الاستجابة لهذا الدور، وعلى المستوى الخارجي؛ فإنه لا يمكن أن يتم تفعيل كل تلك الأدوار بدون قرار أمريكي بالانسحاب، وهذا القرار ليس بالضرورة أن ينفذ فورًا، المهم أن يكون هناك قرار تبنى عليه استراتيجيات.

وبالنسبة للعراقيين؛ فإنهم قد تعرضوا لمصير قاتم منذ الاحتلال ومن خلال الحرب الطائفية، ولن تصل الأمور إلى أكثر من ذلك، وعليهم أن يتمسكوا بخيار المقاومة، وكذلك كل الأطراف الفاعلة في ممارسة ضغوط بالسلاح وتخويف الأمريكان لإجبارهم على إعلان فكرة الانسحاب، وهذا هو بداية الحل، وتلقائيًا سيكون على كل الأطراف المتصارعة داخليًا أن تتحمل مسئولياتها في إعادة ترتيب واحتواء الشأن الداخلي وإعادة التكيف، صحيح أن هذا الأمر لن يكون سهلا وسيمر بمراحل سواء على المستوى الداخلي ما بين الشيعة والسنة والأكراد، أو على مستوى الأدوار الإقليمية لدول الجوار، لكن عادة التكيف ستنشأ بقوة الواقع والحقيقة الجغرافية والتاريخية.

دروس التاريخ تؤكد انتصار المقاومة

ومن جانبه يؤكد د. محمد نبهان أستاذ التاريخ المعاصر أن دروس التاريخ وتجاربه تؤكد لنا أن جميع حركات التحرر الوطنية على مدى التاريخ، قد انتصرت بدون استثناء، واستناداً إلى هذا الدرس التاريخي، فإن انتصار المقاومة الوطنية العراقية مسألة غير قابلة للنقاش، مهما كانت قوة وجبروت وغطرسة الامبريالية الأمريكية، وأن العراق سيتحرر مهما طال الزمن.
كذلك تعتبر المقاومة الوطنية العراقية الاستثناء الأول في تاريخ حركات التحرر الوطنية،لأنها فاجأت الجميع في سرعة انطلاقتها، حيث أنها انطلقت بعد يوم واحد من احتلال بغداد، عكس الكثير من حركات المقاومة التي احتاجت لسنوات وربما عقود كي تبدأ.
والمقاومة العراقية أيضاً استثناء فريد في التاريخ! فجميع حركات المقاومة الوطنية تلقت المساعدات والدعم المادي والمعنوي والتسليحي والبشري والإعلامي من دول وشعوب ومنظمات دولية وإقليمية وأحزاب عالمية ووطنية طيلة فترة نضالها وكفاحها، إلا المقاومة الوطنية العراقية، فإنها لم تتلق أي دعم من أية جهة، بل تكالب عليها الجميع وتآمر عليها الجميع.
ويضيف د. محمد نبهان أن العالم الآن يكاد يسمع أنين الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني ووزير دفاعه الحالي والسابق وجنرالاته وبقية أركان إدارته المرعوبين من الفشل.
والصمود الأسطوري للمقاومة العراقية أمام أشرس وأعتى قوة عسكرية في التاريخ قد أجبر القادة العسكريين الأمريكيين العاملين في العراق أن يؤكدوا في تقاريرهم بأن القضاء على المقاومة العراقية يحتاج إلى فترة تتراوح بين سبع سنوات إلى تسع سنوات، ويجبر رامسفيلد على الاعتراف بأن القضاء عليها ربما يحتاج إلى 12 عاما أي أكثر من فترتين إضافيتين للرئيس بوش وبطول فترة حرب فيتنام، ورغم تفاؤل رامسفيلد، فإن الجنرالات يقولون بأن الحل العسكري للقضاء على المقاومة غير مجد ولابد من إيجاد طرق أخرى.

المقاومة طورت أساليبها

ويؤكد اللواء سامي نجيب أن المقاومة العراقية بدأت بعمليات بسيطة وقدرات محدودة، ثم اعتمدت عمليات الاختطاف لكل من يعمل مع قوات الاحتلال، أو يساند هذه القوات، وحققت هذه العمليات وكذلك ضرب الشاحنات، التي تنقل المعدات والمؤن للجيش الأميركي أهدافها، واضطرت الأميركيين إلى الاعتماد على التخزين أو التجهيز من خلال المقاولين المحليين الذين تم استهدافهم أيضاً، ووضعت المقاومة خططاً لقتل كل من يتعاون مع قوات الاحتلال، بعد تحذيره ثلاث مرات عبر منشورات ورسائل.

ومن الملاحظ أن الغالبية العظمى من الشركات العربية والأجنبية، أعلنت انسحابها من العمل مع القوات الأميركية، الأمر الذي أكد نجاح المقاومة العراقية، في فرض حصار على الأميركيين الموجودين داخل العراق، ورغم حديثهم عن اعتماد أسلوب النقل الجوي، فإن الطائرات لا تستطيع نقل كميات كبيرة من احتياجات الجيش لأنها لا تمتلك المدارج المفتوحة بسبب تعرضها لنيران وصواريخ المقاومين العراقيين.

ويرى اللواء سامي نجيب أنه إذا كان حصار الفلوجة الأول في أبريل عام 2004، قد أفضى إلى خروج المقاومة بهذا الحجم فإن اجتياح الفلوجة أواخر عام 2004 وتدميرها بالكامل، قد أفضى إلى عمليات نوعية يومية تستهدف القوات الأميركية باستخدام السيارات المفخخة، وبروز هذه الظاهرة ووصول عدد العمليات اليومية إلى معدل يصل إلى خمس عمليات يومياً يؤكد نجاح المقاومة بصورة كبيرة.
وأكثر التقديرات الأمريكية تفاؤلا تشير إلى أن أكثر من ثلث القوات الأمريكية في العراق قد خرج من المعركة فعلياً، إما كقتيل أو كجريح أو كمريض عقلياً ونفسياً أو كفار من الخدمة، حيث بلغ عدد الفارين إلى كندا وحدها حوالي أربعة آلاف عسكري، بالإضافة إلى ثلاثة آلاف فروا من الخدمة، ناهيك عن النسبة العالية من الضباط الشباب الذين يتركون الخدمة في القوات المسلحة فور انتهاء عقود عملهم.

المقاومة فرضت نفسها داخلياً وخارجياً

د. محاسن إسماعيل أستاذة العلاقات الدولية تؤكد أن المقاومة العراقية فرضت بصمتها على الداخل العراقي، وعلى المحيط الإقليمي، بل وعلى الساحة الدولية.
فعلى المستوى العراقي الداخلي فإن المحاولات مستمرة ومحمومة لتغطية فشل أمريكا وعملائها سواء بالعملية السياسية التي تزداد ارتباكا، أو بالفتنة الداخلية التي يشتد سعيرها كلما اقتربت ساعة الحقيقة بالنسبة للمحتل وأعوانه.
وبالنسبة للعملية السياسية، فإنها في جوهرها عملية إعادة إنتاج للوجوه والمجموعات السياسية ذاتها التي جاءت مع الاحتلال، بعد أن تحالفت مع دوله قبل الغزو.
وأفضل ما يمكن أن نصف به أركان العملية السياسية وركائزها ممن جاء مع المحتل هو ما قاله بول بريمر، أول حاكم أمريكي للعراق بعد الاحتلال، في أعضاء مجلس الحكم الانتقالي الذين يتناسلون في كل المؤسسات التشريعية والحكومية التي قامت في ظل الاحتلال:"إنهم حفنة من المنفيين الكسالى الذين لا يمثلون إلا أنفسهم، وهم لا يتمكنوا حتى من تنظيم مسيرة".

وعلى مستوى المشهد الدولي فهناك من الدول والحكومات والحركات والمنظمات والأحزاب من هو مازال مدركا للترابط بين المقاومة العراقية وبين حركة مواجهة الهيمنة الأمريكية على امتداد العالم، فتخرج في الكثير من عواصم ومدن العالم مسيرات شبه يومية تندد بالحرب والاحتلال في العراق، وتودي صناديق الاقتراع ببعض رموز هذه الحرب اللاشرعية واللاقانونية فيخسر برلسكوني في ايطاليا وهو رابع أربعة في التخطيط العدوان على العراق، وقبله خسر أثنار في إسبانيا، فيما تصل شعبية شريكيهما بوش وبلير في الانخفاض إلى نسب غير مسبوقة.

وتأثير الحرب على العراق واضح في كل هذه التطورات سواء في أوروبا أو في أمريكا اللاتينية، إذ أن أول ما وعد به روماني برودي بعد فوزه في الانتخابات الايطالية هو سحب قوات بلاده من العراق فور تسلمه السلطة، فيما تتسع رقعة المساحة الجغرافية والسكانية الخارجة عن سيطرة واشنطن في أمريكا اللاتينية ليتعزز موقع فيدل كاسترو، ومعه شافيز الذي كان الرئيس الوحيد في العالم الذي تحدى الحصار الأمريكي على العراق فزاره قبل الحرب مؤكداً أن المعركة الدائرة في بلاده لإسقاطه آنذاك كانت جزءً من الحرب التي يخططون لشنها على العراق.

ثم إن الرئيس الفنزويلى تطوع شخصيا، أثناء زيارته للهند، وفضح جرائم الاحتلال الأمريكي في العراق واستخدام هذا الاحتلال للأسلحة الكيماوية ضد أبناء العراق دون أن يطلب أحد من هذا الرئيس الثائر أن يتبنى قضايا العراق وشعب العراق.

كما أن شافيز أشاد بالمقاومة العراقية وقال إن هزيمة أمريكا ليست مستحيلة واستشهد في قوله هذا بالمقاومة العراقية، واعتبر نفسه وشعبه امتدادا للمقاومة العراقية.

أما الرئيس البوليفي الجديد إيبو موراليس فقد أكد أكثر من مرة أنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تقوم بسحب قواتها من العراق قبل أن تطلب منه قطع علاقته بنظيره الفنزويلي أوجو تشابيث.
وأعلن ايفو موراليس أكثر من مرة أن الإرهابي الوحيد الذي أعرفه في العالم هو الرئيس الأميركي جورج بوش، فتدخله العسكري، مثل الذي حصل في العراق، هو إرهاب دولة.

الرئيس الروسي بوتين خرج هو الآخر عن صمته ووجّه نقداً شديداً لأمريكا يصل إلى درجة الهجوم السياسي عليها ، وكان ذلك على مرأى ومسمع من كلّ القوى المتحالفة مع أمريكا ، ومن منصّة مؤتمر الأمن الذي عُقِدَ في ألمانيا، لأجل إنقاذ أمريكا من ورطتها. ولعل الذي جرّأ الرئيس بوتين على الخروج من الصمت، وإعلان هذا الموقف الذي وُصِف بأنه عودة للحرب الباردة هو ما حققته المقاومة العراقية من إنجاز ضخم، ولولا المقاومة العراقية الباسلة لما اجترأ أحد من رؤساء الحكومات على مجاهرة الولايات المتحدة الأمريكية بالنقد، والهجوم السياسي.

وإذا أضفنا إلى هذه الإشارات المتعددة، ما يمكن وصفه بالتململ الروسي والصيني من سياسة القطبية الأحادية الأمريكية المتبعة منذ ما يزيد عن عقد، بالإضافة إلى سحب العديد من دول ما يسمى "بالتحالف" لقواتها في العراق، لأيقنا بعمق المأزق الذي يعيشه الاحتلال الأمريكي، وباقتراب هزيمته، حيث يحاول أن يقلّل من حتمية وقوعها من خلال ما يحيكه للعراق من فتن محاولاً إغراقه في حرب أهلية.