أنت هنا

قانون النفط المهمة الأخيرة للعبة التفكيك
4 ربيع الأول 1428

القانون يؤكد إنفصال الأقاليم على أساس عرقى وطائفى

مع بداية العام الخامس للإحتلال الأمريكى للعراق، وبعد أربع سنوات من إعلان بوش " إنتهاء العمليات العسكرية "، تكافح إدارة المحافظين لتدعيم القوة العسكرية الأمريكية فى العراق بآلاف الجنود الجدد، فى مواجهة معارضة داخلية متنامية ومتسارعة للاستراتيجية المعتمدة للمحافظين الأمريكييين، سواء على المستوى الشعبى، أو على مستوى المؤسسات الأمريكية الحاكمة "الكونجرس والشيوخ" والتى فقد المحافظون سيطرتهم عليها من جهة، ومن جهة ثانية تتصاعد المقاومة لقوات الاحتلال كما وكيفا، وتتعثر كل مخططاته للسيطرة على الأوضاع الأمنية داخل العراق، الأمر الذى بات يهدد صيغة التحالف المتعاون مع الاحتلال، كما يهدد باندلاع المواجهات بين أطراف هذا التحالف ذاتها، وبالتالى الانفلات التام وتحول الأراضى العراقية كافة إلى حقول ألغام لا خرائط لها ولا أدلاء.
لم تسفر السنوات الأربع إذن عن الإنجاز المطلوب من الاحتلال، وأصبح واضحا لدى المخططين الاستراتيجيين الأمريكيين أن العراق لن يقدم القاعدة المركزية العسكرية والسياسية والاقتصادية لخطة الشرق الأوسط الكبير .. على الأقل فى المدى المنظور .. كما أصبح واضحا لديهم أيضا أنه لا يمكن المراهنة على بقاء طويل على الأراضى العراقية حتى ولو بكلفة عالية، فقد تكون هذه الكلفة وفق أغلب المحللين أكبر من القدرة على التحمل.. فليس أقل من الخروج بكعكة النفط لصالح الشركات المرتبطة ببوش وتشينى ورامسفيلد، ولو على أشلاء العراق وجمهور الأمريكيين البسطاء.

التقسيم والانسحاب خطان متوازيان

لقد أصبح المسار الوحيد الممكن أمام المحتل الأمريكى هو تأجيج الصراعات المذهبية والعرقية، وتأكيد الدعائم الاقتصادية للنزعات المناطقية لاستنزاف قوى المقاومة من جانب، وفتح إمكانية استغلال موارد العراق النفطية بالتعاون مع أمراء الحرب فى الكانتونات العرقية والمذهبية، لتحقيق أحد أهم أسباب العدوان على العراق، وهو ما يحقق فى نفس الوقت إمكانية سحب الغالبية العظمى من القوات، مع الإبقاء على قوات متمركزة فى مناطق آمنة لدعم أمراء الحرب والمحافظة على لعبة التوازن بينهم.
وما ذهبنا إليه ليس استنتاجا تحليليا، فقد كشف النائب الديمقراطي دينيس كيسينيش انه ينوي التقدم بطلب للكونجرس لإعادة النظر في العواقب المترتبة على فرض جدول زمني على الحكومة العراقية لإجراء إصلاحات، أهمها سن قانون جديد يفتح الباب للشركات الأجنبية للاستثمار في مجال النفط. وقال كيسينيش لصحيفة نيويورك تايمز في عددها ليوم 14 /3/ 2007 ، إن قانون النفط الجديد يشمل بندا يضمن لشركات النفط الأجنبية معاملة مماثلة للشركات العراقية ولا يعطي أي أفضلية للشركات العراقية، سواء كانت خاصة أم حكومية. وأضاف كيسنينش "لا يجب على الولايات المتحدة أن تجبر العراق على فتح حقوله النفطية أمام الشركات الأجنبية كشرط على إنهاء الاحتلال، وإن إصرار الولايات المتحدة على سن قانون جديد للنفط ليس له أي علاقة بمصلحة الشعب العراقي".
ويأتى هذا الطرح الأمريكى "لتنظيم" التعامل مع النفط العراقى فى إطار واقع الإنفصال الفعلى للمنطقة الشمالية بكل ما تحويه من حقول مكتشفة وإحتياطيات مؤكدة، ليدعم ويؤكد النزوع الانفصالى لأكراد الشمال وكان رئيس حكومة "إقليم كردستان العراق" نيجيرفان بارزاني اتهم اواخر سبتمبر الماضي وزارة النفط في بغداد بـ«تخريب» جهود الاكراد لتطوير مواردهم في هذا القطاع.واكد بارزاني ان الاكراد يعارضون بشدة اي محاولة لحرمانهم من حقهم في تطوير صناعتهم النفطية وحذر من ان المحاولات "الخارجية" في هذا الشان ستؤدي الى احياء المطالب باستقلال اقليم كردستان.واضاف "ان الشعب الكردي اختار طوعا ان يكون في عراق موحد وفقا للدستور. واذا كان الوزراء في بغداد يرفضون الدستور، فانه يحق للشعب الكردي اعادة النظر في خياره".
كما يتواكب مع الطرح الشيعى لإقامة كونفدرالية مع الولايات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية
فى هذا الإطار يأتى الطرح المتعجل لقانون النفط الجديد فى العراق..
فلدى العراق أكبر منابع نفطية مخزونة في العالم, إذ تفوق توقعات الإحتياطي النفطي 215 بليون برميل. كما يشكل حجم النفط الإحتياطي المثبث 115 بليون برميل, مما يضعه في موقع متساوى مع المملكة العربية السعودية. بل ويمتاز النفط العراقى بانخفاض تكاليف إكتشافه واستخراجه، فهى ضمن الحقول الأقل تكلفة في الشرق الأوسط. وبالرغم من أن الحد الأقصى لمعدل الأنتاج الذي وصله تاريخياً لم يتجاوز 3,5 مليون برميل يومياً, فإن مستوى إنتاج النفط العراقي لم يتناسب مع الاحتياطي النفطي الذي يملكه, رغم تدني تكاليف إستخراجه .
إن قابلية الإحتياطي النفطي المثبت حالياً يدعم الصعود بالأنتاج إلى مستوى 10 ملايين برميل يومياً, والإحتفاظ بهذا المستوى لعقد من الزمن.
هذا مع العلم بأن العراق من أصل حقوله النفطية الأربعة والسبعين المكتشفة والقائمة، لم يستغل إلا 15 حقلاً، بحسب محللي قطاع النفط.
ورغم تلك الإمكانيات النفطية الكبرى تبدو الطاقة النفطية في العراق معطلة وقاصرة على حقلين رئيسيين الأول: حقل الرميلة في الجنوب وبهذا الحقل 663 بئرًا منتجة. وحقل كركوك وبه نحو 337 بئرًا لكنه يعاني من مشكلة تعرضه للاستنزاف بسبب التركيز عليه منذ فترات طويلة (اكتشف في سنة 1927) وخاصة خلال فترة الحصار.

قانون النفط .. أو عملية السطو التاريخى للكاوبوى الأمريكى
القانون تأكيد لانفصال الأكراد ودعوة للآخرين


ما بين صياغة المسودة الأولى "مع التحفظ عليها" والمسودة الثالثة للقانون يظهر وجه بوش وديك تشينى ورامسفيلد، ومن خلفهم تظهر لافتات شركات النفط الأمريكية، وبين السطور يمكنك أن تميز بوضوح لهجات ولغات مناطقية وعرقية، ووجوه كثيرة لمضاربين ومغامرين من كل جنس ولون.. فقد استخدم فى صياغة هذا القانون بمراحلة المختلفة، كل أنواع الضغوط والحيل، بدءا من تهديد المالكى بصيغة ـ عدم قدرته على السيطرة على الأوضاع ـ وبالطبع استجاب نورى المالكى حيث وعد وزير الطاقة الاميركى بفتح قطاع النفط للشركات الاجنبية مع استكمال مشروع قانون الاستثمار الجديد.. اى ان الامر خرج من الابواب المغلقة الى الباحات المكشوفة! وانتهاء بالمفارقات الواضحة بين الصياغتين بالإنجليزية والعربية، سواء بتجاهل بعض الفقرات فى الترجمة العربية، أو بالترجمة المغلوطة لبعض الكلمات ـ بما يعيد إلى الذاكرة صيغة قرار الأمم المتحدة بانسحاب القوات الصهيونية من أراض "فى النسخة الإنجليزية" ومن الأراضى فى النسخة العربية ـ وإن كانت حالة قانون النفط أكثر فجاجة بما لا يقاس ( أنظر مشروع قانون النفط والغاز: دراسة تفكيكية مقارنة السبت 17 مارس لـ د. سيّار الجميل ).

لمحات من القانون..
ـ سحب إختصاصات وزارة النفط لصالح الشركاة والأقاليم والأفراد حيث يقرر القانون ” ينبغي أن توزع الفعاليات النفطية التي تقوم بها حاليا وزاره النفط بين هيئات وكيانات تجارية وتقنية رئيسية بما فيها شركة نفط وطنيه عراقية تجارية مستقلة واعطاء دور للأقاليم والمحافظات المنتجة ".
ـ يؤكد القانون على سلطة الأقاليم على عقود النفط بل ويتمادى فى غير مادة بحيث يعطى ولاية كاملة لها على عقود التنقيب الجديدة.
ـ يقصر القانون دور السلطات والشركات والأطراف العراقية على التعامل مع النفط الخام دون التصنيع أو النفط المصنع حيث نص على جاء في الفقرة ب‌ من المادة 2 ما نصه: " يستثني من نطاق هذا القانون تكرير البترول وتصنيع الغاز واستخداماتهما الصناعية وكذلك خزن ونقل و توزيع المنتجات النفطية ".
ـ يحدد القانون الهدف الإجمالى منه بوقاحة شديدة حيث يقول في الفقرة أ من المادة 3 حول الغاية من القانون ما يلي: " يؤسس هذا القانون نظام إدارة العمليات النفطية في جمهورية العراق مع الأخذ بالاعتبار الاتفاقيات الدولية القائمة بين جمهورية العراق ودول أخرى فيما يتعلق بنقل النفط الخام ".
ـ انه يفتح الباب على مصراعيه للصراع الداخلي بين الاقاليم والمحافظات.. وبين المنتجة وغير المنتجة منها (المادة 3): " يهدف هذا القانون إلى تحديد أسس التعاون بين الوزارات المعنية في الحكومة الاتحادية ، فضلا عن إنشاء قاعدة للتنسيق و التشاور بين السلطات الاتحادية وسلطات الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط ".
وقائمة الملاحظات لا تنتهى .. فحقوق الملكية تقع فى دائرة الغش فى الترجمة بين أكثر من 50% (فى النص العربى) وبين على الأقل 50% فى النص الإنجليزى، والصياغات التى تحدد سلطات الاختصاص ملتبسة.. "الهيئة المختصة" - وزارة النفط أو شركة النفط الوطنية العراقية أو الهيئة الاقليمية "، والمجلس الاتحادى للنفط تشكيله يشير بوضوح إلى هدف الإثارة الطائفية والعرقية والمناطقية حيث يتشكل من وزراء النفط و المالية والتخطيط والتعاون الانمائي في الحكومة الاتحادية.. ومحافظ البنك المركزي العراقي.. وممثل عن كل اقليم بدرجة وزير.. ممثل عن كل محافظة منتجة غير منتظمة في اقليم.. الرؤوساء التنفيذيون لأهم المؤسسات النفطية ذات العلاقة والتي من بينها شركة النفط الوطنية العراقية وشركة تسويق النفط.. خبراء مختصون بشؤون النفط والغاز والمال والاقتصاد لايزيد عددهم عن ثلاثة يتم تعيينهم لمدة أقصاها خمسة سنوات بقرار من مجلس الوزراء.
ويراعى في تشكيل المجلس الاتحادي للنفط والغاز تمثيله للمكونات "الاساسية" للشعب العراقي " (لاحظ ان هذا السطر الاخير هو نص اقحم على القانون في النسخة العربية فقط)...راجع دراسة د. سيار الجميل السابق الإشارة إليها... وهو مجلس كما هو واضح تحكمه أغلبية من الأقاليم على حساب السلطة المركزية، بكل ما لهذا من تداعيات سواء فى التناحر بين الأقاليم أو فى تغليب المصلحة الخاصة للإقليم على المصلحة القومية فى منج استراتيجى وحيوى كالنفط.. بل وتزداد الأمور وضوحا حينما تقرر نفس المادة أن يقوم هذا المجلس باختيار مجلس مستشارين من الأجانب والعراقيين ذوى الخبرة لتقديم المشورة والتوصيات للمجلس الاتحادي للنفط والغاز حول عقود التراخيص و خطط تطوير الحقول وأية امور ذات صلة تحال إليه من المجلس الاتحادي للنفط والغاز "، ويعين أعضاؤه لمدة عام واحد قابل للتجديد ؟!!!
كما تشير النقطة سابعا من البند ث إلى حكومات أقاليم " وليس إلى حكومة إقليم كردستان" .. والأمر لا يحتاج إلى تعليق أو تكهن لنوايا من صاغوا القانون.
ولا يقتصر الأمر على السلب بالتراضى بل لم يغفل القانون عن أن يعطى الفصل فى المنازعات أيضا للأجانب حيث تنص النقطة ث‌ من المادة 41 حول حل النزاعات على " يتم اجراء التحكيم بين جمهورية العراق والمستثمرين الأجانب حسب أنظمة إجراءات التحكيم لغرفةالتجارة الدولية في باريس أو جنيف لتسوية النزاعات بين الدول و مواطني دول أخرى أو تبعا لمعاهدة تسوية النزاعات بين الدول ومواطني دول أخرى و على اساس القانون العراقي.
القائمة طويلة وما يزال الشيطان الأكبر يكمن فى التفاصيل التى قد تحتاج إلى كتاب كامل .. وما ورد من أمثلة على سبيل العينة يكفى لتوضيح الصورة، حتى دون التعرض لمخاطر ما أورده القانون فى باب الاستكشاف والتنقيب .. أى ملكية الأجيال القادمة من العراقيين الذين يغتال القانون مستقبلهم بعد أن اغتال الاحتلال أبائهم وأمهاتهم.
والخلاصة :
أن مشروع القانون والذى ووجه بمعارضة شديدة وحملات إعلامية من كل قطاعات المجتمع العراقى ـ وخاصة المختصين والخبراء بالشؤون النفطية ـ نجحت فى إرجاء طرحه ولو لبعض الوقت، هو مشروع مطلوب على وجه السرعة لقوات الاحتلال وبعض القوى العرقية والطائفية والتى يعمل الوقت فى غير صالحها، لتكبيل العراق حاضرا ومستقبلا باتفاقيات تمتد ما بين 25 و40 عاما وتؤسس للمصالح العرقية والمذهبية الضيقة على حساب الدولة العراقية الموحدة القوية، وعلى الرغم من مخالفة إصدار مثل هذا القانون حتى للدستور الموضوع فى ظل الاحتلال، والمعارضة القوية التى تواجهه، فإن الحاجة الماسة للاحتلال والقوى صاحبة المصلحة فى وجود المحتل وتقسيم العراق، ما تزال تمتلك الوسائل اللازمة لاستصدار هذا القانون من التشكيلات الحاكمة ببنيتها المذهبية والعرقية .. والمبنية على فكرة المحاصصة الطائفية، وهو ما ينذر بأوخم العواقب، وبعام خامس من الدم والنار على الجميع فى بلد أنهكته الجراح وأعياه النزيف.