أنت هنا

قطعة من الكعكة أكبر مما ينبغي..
3 ربيع الأول 1428

ربما كان للولايات المتحدة الأمريكية في الماضي ما يسمح لها بالحديث عن الديمقراطية ونشرها في العالم العربي.
(ربما)، ليس لأن هذا ما عملت عليه الولايات المتحدة منذ أن بدأت تتعامل مع العالم العربي سياسياً وعسكرياً في عقود متقدمة من القرن الماضي كان داعماً لأي نوع من أنواع الديمقراطية، كما ولم يذكر لها التاريخ ما يمكنها من أن تفخر بأنها سعت لأن يكون عالمنا كعالمها "الحر"، وإنما لأن الولايات المتحدة لم تكن في الحقيقة بهذا الانكشاف في ترسيخ القناعات لدى الشعوب بتنكرها الشديد للأسس التي قالت إن "آباءها المؤسسين" قد أقاموا صرح إمبراطوريتها عليها.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتحدث ولو من بصوت خافت عن الحريات وعن التعددية وما شابه ذلك من مفردات اللغة الليبرالية.
الآن نحن أمام مشهد ليس مغايراً كلياً وإنما فجاً في وضوحه وتبجحه، فما كان في الماضي يُتحدث عنه كنوع من العار يفزع من ذكره الساسة الأمريكيون، أن تبقي الولايات المتحدة علاقاتها مع دول لا تمنح شعوبها قدراً ولو ضئيلاً من الحريات الأساسية، صار الآن مطية على طريق التغول الإمبريالي المتسرطن، يفخر بها روادها بدلاً من أن يتواروا من كلاحتها خجلاً.
هل تذكرون مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، عنوان الاستراتيجية التي "بشرت" بها كونداليزا رايس وأعاد الرئيس الأمريكي السكير الحديث عنها في معظم خطبه التالية لها؟!
مشروع شرق أوسط "تشرق عليه شمس الحرية والديمقراطية"؟!
لقد ذهب الحديث أدراج الرياح فلم يعد أحد يذكره، ولا يعير له اهتماماً، ولعل صمت الولايات المتحدة عنه الآن هو علامة تحققه في ربوع العالم العربي.. إنها إما تعني الآن أننا إزاء دولاً ديمقراطية "تنعم" بالحريات في العالم العربي، أو أن الولايات المتحدة الأمريكية قد استحبت الكفر بالديمقراطية هنا على الإيمان بها.
ولا أحد بالطبع في الغرب يقول بأن دولنا العربية قد "أشرقت عليها شمس الديمقراطية" مثلما "بشر" المنظرون الغربيون وأذنابهم الذين ضحى بهم الغرب فصاروا نزلاء في سجون الحلفاء.
الخيار الأخير إذن هو أن الولايات المتحدة الأمريكية قد كفرت بما سبق وأن "بشرت" به، ولم تعد ترى لنشر الديمقراطية في البلاد العربية ولا حتى ما يحوطها من بلدان حاجة.
وثالثة الأثافي في الأمر، أنها لم تعد تتحدث عن الديمقراطية كمشجب تعلق عليه طموحاتها الإمبراطورية، فلم يعد هذا مطلبها لا في السر ولا في العلن، لا في الحقيقة ولا حتى ذرا للرماد في العيون، وحيث تمضي دول حليفة للولايات المتحدة في مشاريعها التسلطية عبر مزيد من التضييق على الحريات وخنق القوانين، لا تنبس الولايات المتحدة ببنت شفة..
هذه الثالثة بوضوح، تعبر عنها التصريحات والبيانات الصادرة عن أركان الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، فلا هي تطلب حلفاءها بالمضي في طريق الديمقراطية، ولا هي تعاتب أعداءها أو تتهددهم بهذه الديمقراطية المدعاة.
وجدير أن نذكر، أنه حين دقت واشنطن طبول الحرب ضد العراق، كان الحديث غضاً ودافقاً عن الحرية والديمقراطية والقضاء على "ديكتاتور العراق"، أما الآن؛ فإن واشنطن غير عابئة بهذه اللافتة حتى وهي تضغط قليلاً على إيران أو تناور سوريا أو تستقطب ليبيا.
لقد غاب المصطلح هذا/الديمقراطية عن ألسن الساسة الأمريكيين عند حديثهم مع الأصدقاء أو شجبهم للأعداء. ومحور الشر ليس كذلك لأنه ديكتاتوري في نظر الأمريكيين، بل لأنه يريد أن يلتهم من الكعكة قطعة أكبر مما ينبغي!!