أنت هنا

طلاب الابتعاث السعوديين في أمريكا بين المطرقة والسندان
14 صفر 1428


قواعد التعامل "بالفعل" و"رد الفعل" هي من أولى بديهيات التعامل مع الآخر، مهما كان هذا الآخر، طالما أنك تمتلك قدرة على التصرّف واتخاذ قرار، وقوة لتنفيذ هذا القرار..
وهناك ربما خط عام، يقال له في بعض الأحيان "الأكثر شيوعاً" في التعامل مع الآخر، والأمثلة كثيرة ومتنوعة، كمثل القرار الذي اتخذته حكومة حماس بتشكيل قوة تنفيذية بعد أن عاثت قوات أمن السلطة الفساد، وقرار كوريا الشمالية رفع الأختام عن المنشآت النووية الخاضعة للمراقبة الدولية بعد أن توقفت الولايات المتحدة عن تزويدها بالنفط، وقرار ملايين المسلمين مقاطعة البضائع الدنمركية بعد الإساءة للنبي الكريم _صلى الله عليه وسلم_ وعدم قبول الاعتذار.. وغيرها كثير.

وبمقابل الخط العام لردات الفعل، هناك في بعض الأحيان نماذج لأشكال يصبح فيها رد الفعل مبالغاً، ويأخذ أبعاداً كبيرة المدى، طالما كان صاحب القرار قادراً عليه.. والمثال الأبرز هنا ما قام به الولايات المتحدة من توقيع معاهدات "إجبارية" مع عدد من دول العالم، تحظر فيه محاكمة الأمريكيين في تلك الدول، مهما كان الجرم، وقد جاءت هذه الاتفاقية بعد قيام الولايات المتحدة باحتلال العراق، وانتشار دعوات لمحاكمة الأمريكيين أمام محاكم دولية. وتنص الاتفاقية التي وقعتها الولايات المتحدة مع تلك الدول، على استثناء الأمريكيين من المحاكمة أمام محكمة العدل الدولية، وعلى أن يتم تسليم أي جندي أمريكي متهم بارتكاب جرم ما على أراضي البلد الموقع على الاتفاقية الثنائية إلى الولايات المتحدة لكي تتم محاكمته في الأراضي الأمريكية حصراً.

وفي مقابل هذه المبالغة في ردات الفعل، نجد أمثلة على "شبه غياب" لردات الفعل، مهما تنامت قوة "الفعل" المؤثرة.. وعلى هذا النموذج تبدو قضية المعتقل السعودي الطالب حميدان التركي في الولايات المتحدة، أحد أبرز الأمثلة عليه. وبالتالي قضية طلاب الابتعاث إلى أمريكا.
فالتركي، هو قبل كل شيء؛ طالب مبتعث إلى الولايات المتحدة لإكمال دراسته، مثله مثل غيره من آلاف الطلبة السعوديين في الولايات المتحدة، مورست بحقهم مضايقات وملاحقات أمنية، وتمت مراقبتهم بشكل مستمر، وباتوا عرضة للتشكيك الدائم بنواياهم، قبل أن تقرر الجهات الأمنية تلفيق "تهمة ما" عليه، ليصبح بعد ذلك معتقلاً، كبعض أقرانه كمثل سامي الحصين.. مع وجود مشاريع جديدة لزيادة عدد المعتقلين هناك.
ومع وقوف جهات رسمية عديدة سعودية مع قضية الطالب حميدان التركي، كان آخرها الطلب الذي تقدمّت به السفارة السعودية هناك، بالتماس العفو، والذي رُفض من قبل السلطات الأمريكية، إلا أن ردة فعل وزارة التعليم العالي السعودية لا تزال "شبه غائبة" وسط إصرارها إرسال آلاف المبتعثين من الطلاب إلى أمريكا، لتأخذ حصة الأسد من الابتعاثات الدراسية.
الابتعاث بحد ذاته سمة حضارية، وله مزايا وآثار إيجابية عديدة على تنمية القدرات العلمية، ورفع الكفاءات، وتطوير البنية التعليمية، ورفد الكوادر العلمية، والاطلاع على الثقافات الأخرى، والاستفادة من علومها، وغيرها.. ولكن الزوج بالطلاب "فجأة" في دوامة أمنية تبدأ منذ اللحظة الأولى التي تطأ فيها أقدامهم أرض المطار، وتستمر ربما 14 عاماً "كما حدث للطالب المعتقل السابق سامي الحصين" فهو ما يجب إحداث "ردة فعل" عليه..

المدارس الأمريكية تستفيد مالياً وبمبالغ ضخمة من هذا الابتعاث، في ذات الوقت الذي تمارس فيه السلطات الأمنية الأمريكية مضايقات لا حدود لها ضد الطلاب السعوديين بالتحديد، على سبيل المثال لا الحصر، نشرت وسائل إعلامية صباح يوم الأحد 24 ذو القعدة، خبراً عن اعتقال وطرد طلبة سعوديين في المطارات الأمريكية، يقول الخبر:" إن السلطات الأمريكية اعتقلت الأسبوع الماضي عدداً من الطلبة السعوديين المبتعثين عند محاولة دخولهم المطارات الأمريكية أثناء عودتهم بعد أن أنهوا إجازتهم في المملكة".
ونقلت صحيفة المدينة عن أحد الطلاب قوله: "إنهم خضعوا للتحقيقات الدقيقة لفترة تجاوزت أربعاً وعشرين ساعة وتم حجزهم في مكتب الجوازات بالمطار ثم نقلوا إلى السجن وتم استجوابهم من قبل رجال FBI وإدارة الهجرة" مؤكداً انه لا يعلم هو وزملائه الذين التقاهم في السجن عن الأسباب ولم توجه لهم أي تهمة. وقال: "التقيت بمجموعة من الطلبة السعوديين في غرفة التوقيف وكنا نعاني من سوء المعاملة وضيق المكان وعدم وجود دورات مياه مناسبة إلى جانب انعدام الوجبات الغذائية".
وأضاف طالب آخر انه فوجئ بمسؤولي المطار يبلغونه بضرورة المغادرة مع منعه من الدخول إلى أمريكا مدة خمس سنوات، موضحاً أنه فوجئ أيضاً بأنهم حجزوا له على إحدى شركات الطيران الأمريكية من اطلانطا إلى باريس على الدرجة الأولى ومن باريس إلى الرياض على الطيران الفرنسي وحسموا قيمة التذاكر من بطاقته الائتمانية التي استخدموها بدون أذنه أو إشعاره. وهو ما حصل مع عدد من زملاءه أيضاً.

وقبل ذلك بأربعة أيام، نشرت صحيفة الحياة خبراً جاء فيه تحت عنوان "إف بي آي تدهم سكن طلاب سعوديين": " قامت قوات المباحث الفيديرالية الأميركية F B I بدهم سكن طلاب سعوديين مبتعثين لإكمال دراساتهم العليا في الجامعات الأميركية، وبدأت في تفتيش دقيق لسكن كل طالب منهم، وأخذ معلومات تفصيلية عنه وعن فترة تواجده في أميركا".

والمتابع لمثل هذه الأخبار يلحظ تزايد عمليات الاعتقال والتضييق الأمني بحق الطلاب السعوديين المبتعثين هناك، في ذات الوقت الذي تدعم فيه وزارة التعليم العالي الابتعاث إلى أمريكا، دون أن يكون لديها ردة فعل حقيقية على ما يلاقيه الطلاب من تضييق وملاحقة وتحقيقات، لدرجة أصبح فيها كل طالب سعودي "متهم إلى أن تثبت براءته". وربما في بعض الأحيان "متهماً رغم ثبوت براءته" وهو الأمر الذي تعرفه وزارة التعليم العالي جيداً، ذلك أنها تنشر على صفحات موقعها على الإنترنت، صفحة خاصة بتعليمات للطلاب المبتعثين إلى الولايات المتحدة تحديداً، تتضمن كيف يجب على الطالب أن يتصرف لدى وصوله إلى المطارات الأميركية.

قد يتطلب الأمر من الوزارة حلاً عاجلاً، في وقف إرسال المزيد من الطلاب إلى الولايات المتحدة تحديداً، والاكتفاء بإرسالهم إلى بريطانيا واستراليا وغيرها، وتحويل الطلاب من أمريكا إلى تلك الدول بأقرب فرصة. أو أي حل يضمن للطلاب نهاية الفيلم الأمريكي الطويل، فهم قد ذهبوا للدراسة والعلم، وليس ليصبحوا جزءاً من العقدة الأمنية الأمريكية. ويضمن لهم الخلاص من مطرقة الابتعاث، وسندان الأمن الأمريكي.