أنت هنا

في الصومال كما العراق.. لمن تخضع أمريكا؟!
17 محرم 1428

الذين انتظروا بشغف للاستماع إلى ما خلص إليه تقرير لجنة بيكر ـ هاملتون المشكَّلة من أجل وضع توصيات أمام الرئيس الأمريكي جورج بوش بشأن المأزق الأمريكي في العراق أملاً في أن يسود صوت العقل على السياسة الأمريكية، هالهم أن هذا التقرير الجامع ما بين طموحات الجمهوريين والديمقراطيين لم يلتفت بالأساس إلى معاناة الشعب العراقي، وحقوقه المهدرة من قبل قوى الاحتلال وأشياعها، ولم يأت على ذكر التعامل مع القوى التي تعد الممثل الشرعي والطبيعي للشعب العراقي أو لنقل للقطاع الأوفى من هذا الشعب، وهي المقاومة العراقية، باعتبارها واقعاً يجسد خيبة أمل العراقيين في الغزاة ورغبتهم في رحيلهم، كما أنه ضرب الذكر صفحاً عن الجرائم التي تنفذها الميليشيات الصفوية ضد الغالبية السنية.
والذي كان يأمل خيراً من هذا التقرير أو ما تبعه من خطة أمريكية جديدة سميت، مجازاً، بالاستراتيجية الأمريكية الجديدة في العراق (وإلا فمصطلح الاستراتيجية بعيد كل البعد عن هذا التخبط العبثي الذي تمارسه الولايات المتحدة في العراق)، هو كذاك الحر الذي تحدث عنه الشافعي رحمه الله في قصيدته، الذي يرجو نوالاً بباب نحس.
فالحق أن الولايات المتحدة كل ما تشاهده من ملامح الصورة أمامها هو ذاك المعبر عن القوة، والذي إن لم تتمكن من كسرها؛ فإنها تجد نفسها ـ لاأخلاقياً ـ مرغمة على التعامل معه، وهي في هذا الخصوص تجد أن هذا هو الأمر الطبيعي الذي ينبغي أن تؤوب إليه متى استبدت بها القوة فظنت أن لن يقدر عليها أحد.
ولهذا كانت توصية التقرير فاجعة في حينها، حينما رأي ألا مناص من التعامل الإيجابي مع "محور الشر" ـ بحسب إعلامها الساحر ـ في العراق، إذ تصعب التسوية في العراق بدون تدخل إيران في الحل عبر أتباعها الكثيرين من الأحزاب الصفوية الحاكمة، وتدخل سوريا للتعاون بشكل أكبر في مسألة تسرب بعض المقاتلين أو العتاد منها بحسب الإدعاءات الأمريكية.. ببساطة: أي التعاون مع الطرف الذي لا يمكن كسره الآن أو الذي يتماهى مع جزء من مطامحها ويمكنه التعاون لكن من موقع القوة لا من موقع الضعف المسيطر على حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
وبرغم أن البيت الأبيض لم يبد متحمساً لتطبيق هذه التوصيات؛ فإنه ينفذها بالفعل في العراق قبل أن تتشكل اللجنة أصلاً، والحاصل أن الرئيس الأمريكي ما زال يعقد آماله على الفريق الحاكم في المنطقة الخضراء الموالي كلية لإيران.
وخلاصة القول هنا إذن أن الولايات المتحدة يمكنها أن تنحني بعض الشيء ليس لمن يركع لها، وإنما لم تجده نداً في الميدان، وللدقة من يملك أوراقاً مهمة في اللعبة ـ وإن بدا على غير وفاق معها ـ ومن يقف بوجهها استراتيجياً ويمكنه أن يصمد إلى أجل، والواقع أن هذه القاعدة تبدو جلية مع خبر نشره موقع العربية قبل أيام يتحدث عن جولات مفاوضات بين الشيخ شريف شيخ أحمد رئيس المحاكم الإسلامية في الصومال، والسفير الأمريكي في كينيا، بشأن إطلاق سراح 11 جنديا أمريكيا أسرى لدى المحاكم منذ ما يزيد على 3 أسابيع.
ونقل الموقع عن مصادر فضلت عدم الكشف عن هويتها "إن الشيخ شريف شيخ أحمد وضع شروطا لإطلاق سراح هؤلاء الجنود، تمثلت بخروج القوات الإثيوبية كلّها من الأراضي الصومالية، ووقف العمليات العسكرية الأمريكية في جنوب الصومال، التي أدت بحسب هذه المصادر خلال الأسبوع الماضي إلى مقتل عدد من الجنود الأمريكيين، في محاولة لفك أسر الجنود المخطوفين (.. وإلى إعلان الأمريكيين) من جانبهم للعالم بأن هناك 11 جنديا أمريكيا وقعوا أسرى بيد قوات المحاكم في جنوب الصومال خلال عمليات برية محدودة كانت تقوم بها قوات أمريكية نقلت إلى جنوب الصومال بمروحيات لتكثيف البحث عن عناصر يفترض انتماؤها لتنظيم القاعدة.
واللافت أن هذه المصادر قد قالت ـ بحسب الموقع ـ أن الأمريكيين قد حاولوا جاهدين إقناع الشيخ شريف بأن "تنبذ المحاكم العنف والإرهاب، وتنخرط في العملية السياسية".!!
المعادلة إذن وفق منطق الكاوبوي الأمريكي: أن تأسر أمريكياً، فأنت قمين باحترام البيت الأبيض، وإلا فأي مصير كان سينتظر الشيخ شريف سوى ارتداء بزة العدالة الأمريكية الحمراء في معتقل جونتنامو لو لم يكن قد تمكن من حيازة ورقة تفاوض في معادلة الإعلام والقوة؟!