أنت هنا

حول مغزى الإعلان الأمريكي عن مقتل جنود أمريكيين
4 محرم 1428

ليس في خبر الأمس الذي يفيد بأن عشرين جندياً أمريكياً قتلوا في أنحاء متفرقة من العراق في يوم واحد خروجاً عن المألوف فيما يخص عدد القتلى وحجم التحدي الذي تلقاه القوات الأمريكية في العراق..
ما من جديد في الخبر إلا في الإعلان الرسمي عنه، و"الشجاعة" التي وافت أجهزة الرقابة العسكرية الأمريكية الصارمة الحائلة دوماً دون نفاذ مثل هذه الأنباء لوسائل الإعلام، لا بل جزء من هذه "الشجاعة" ليس جديداً فيما يتعلق بسقوط الطائرة، فنادراً ما تتمكن جهة ما أمريكية أكانت أم غيرها أن تحجب خبراً بهذا الحجم، حجم طائرة تتهاوى أمام الناظرين لتسقط مشتعلة يرى الغادي والرائح نارها تتلظى.
الطائرة الأمريكية سقطت فخلفت 12 قتيلاً أمريكياً كانوا على متنها إلى الشمال الشرقي من بغداد، وقتل 3 في الأنبار، و5 على أيدي "الميليشيات"، في يوم واحد، هذا كله بحسب الجيش الأمريكي..
إن المصادر الغربية شبه المستقلة ـ لا مصادر المقاومة ـ باتت تتحدث عن عملية "عنيفة" في العراق كل ربع ساعة، ما بين أعمال تمس الاحتلال الأمريكي بصورة مباشرة أو تطال الاحتلال الصفوي أو عمليات عنف طائفي منسوبة إلى الميليشيات المتهمة بارتكاب مجازر أو عمليات انتقامية مقابلة من أفراد من السنة أو عمليات تقوم بها الأجهزة الاستخبارية التي يهمها بقاء الاحتقان الطائفي، وكل هذه العمليات تنبئ بأن الاحتلال ذاته يعاني من قسم منها يومياً، لكنه ينزع إلى إخفاء هذه الحقائق، وهذا كله معروف ومما استقر لدى الجميع الآن حتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها.. بيد أن اللافت الآن هو الإعلان عن هذا العدد الكبير نسبياً بالمنطق الأمريكي كأعلى عدد من الأمريكيين يقتل في يوم واحد منذ نحو عامين (وكأن الأمريكيين قد محوا من ذاكرتهم عملية قاعدة الصقر قبل شهور والتي قصمت ظهر الولايات المتحدة وألجأت الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى طلب تقرير متزن من لجنة بيكر ـ هاملتون ثم حفزته إلى طلب زيادة قواته مؤخراً ضمن الاستراتيجية الجديدة).
هذا الإعلان الأمريكي، لفتنا ليس إلى صعوبة المأزق الذي يعيشه جيش الاحتلال، فهذا مما هو معلوم للقاصي والداني، ولكن إلى الحراك الجديد في الداخل الأمريكي، إذ كان من المثير أن يتزامن هذا الإعلان مع استطلاع للرأي أجرته نيوزويك الأمريكية يتحدث عن نسبة 68% لا تريد زيادة القوات الأمريكية في العراق، وهذا من التحديات الكبيرة التي ربما استدعت حالة من الترهيب للعقل الأمريكي الجمعي تقوم بها آلة الدعاية الأمريكية، حيث الإدارة الأمريكية تعيش واقعاً مأزوماً حين تسير هكذا في عكس ما يريده الشعب الأمريكي الذي يوحي إليه قادته أنه يعيش ديمقراطية حقيقية؛ فالرئيس الذي جاء إلى الحكم بحكم محكمة يناقض الأغلبية الضيئلة التي حظى بها منافسه مضطر إلى إنجاز موعوده باستقدام 92 ألف جندي أمريكي خلال السنوات الخمس المقبلة ضد رغبة أكثر من مائتين وثلاثين مليوناً من شعبه، والأخطر أنه في الحقيقة ليس مضطراً إلى إدارة ظهره لشعبه وحده، بل كذلك الديمقراطيون خصومه التقليديون مضطرون إلى الأمر عينه، كيف لا والأحصنة جامحة وأزِمَّة الركاب في تقديرهم بيد الجنود القادمين من أقصى الشمال، ولا مناص من الخروج من المأزق قومياً قبل أن يكون حزبياً، والمطلوب إذن نوعاً من تغيير المزاج الشعبي. أو من جهة أخرى مطلوب معاملة جديدة مع إيران في العراق بما يخرج بعض الخلافات بينهما إلى حيز العلن، إن عن طريق خمسة "دبلوماسيين" إيرانيين من الحرس الثوري اعتقلتهم الولايات المتحدة في أربيل أو خمسة جنود أمريكيين قتلى على أيدي أنصار إيران بالأمس!!