أنت هنا

الطريق إلى بغداد يمر عبر اسطمبول
25 ذو القعدة 1427

.. وحيث عبق التاريخ يحمل من أريج الرفعة والانتصار لحماة التوحيد وحاملي الراية السنية، وإلى جوار مسجد محمد الفاتح، وحيث نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم يحب الفأل، وحيث مضت سنة الله بنصر من ينصره، وحيث حملت أوراق الكتب التأريخية ما يبعث على الفأل بزوال الاضطهاد الذي يقيمه الصفويون ولا يقعدونه في بلاد الرافدين التي استشرفت في زمن ماض أثيل في اسطمبول تعافيا عن مرض الصفوية المقعد إبان انسيابها في بلاد أوروبا تلامس أطراف فيينا وتخوم شمال البلقان، حين تعلقت الصفوية بأطراف ثوب الدولة السنية وذيول خيولها رغبة في الحيلولة دون انبعاث أبناء وأحفاد محمد الفاتح في البلدان، حيث يصفهم د.محمد عبد اللطيف هريدي في كتابه القيم الحروب العثمانية الفارسية قائلاً: "وهكذا بدلاً من أن يضع الصفويون يدهم في يد العثمانيين لحماية الحرمين الشريفين من التهديد البرتغالي ولتطهير البحار الإسلامية منهم وضعوا أنفسهم في خدمة الأسطول البرتغالي ، لطعن الدولة العثمانية من الخلف ، ورغم انتصار العثمانيين عليهم فإن الحروب معهم كانت استنزافاً لجهود العثمانيين على الساحة الأوروبية وعرقلة للفتوح الإسلامية"، حيث هذه المشاعر والنسائم والأطياف كان مؤتمر نصرة أبناء العراق، وكان التجمع من ثلة كرام ترتجي انعتاقاً للمضهدين والمهضومين من أهل السنة في العراق من دون أن تقنن لجرائم انتقامية في مقابل جرائم صفوية تجري بها الدماء إلى جوار الفرات أنهاراً.
في اسطمبول كانت الكلمات تخرج كالرصاص من أكباد حرى وأفئدة مكلومة وحلوق تخالط أصواتها العبرات، والهدف كما تبدى ليس إشعال حريق أو تسجير فتنة، فمن حق من بلغ حد السكين عنقه أن يصرخ وأن ينتفض أو على الأقل أن يميط اللثام عن الذابح ليستبين سبيل المجرمين.
لقد جاء المؤتمر الذي انعقد بمبادرة ذاتية من الجهة المنظمة ليقول من اسطمبول إنه قد آن لهذا النزيف أن يتوقف، وأن عبث المليشيات الصفوية المتنفذة في العراق هو تحت دائرة الرصد السنية في العالم كله، وأن مفهوم "أهل السنة" بكلمته الأولى(الأهل) هو مفهوم امتدادي في دول الحوض الإسلامي كله ليس مقصوراً على فئة تعاني مظلومية فائقة التأثير والاتساع في العراق وحده فحسب، وإنما يمس كل مسلم يؤمن بالله وحده في مشرق الأرض أو في مغربها، اتساقاً مع مفهوم الجسد الواحد الذي يتداعى أعضاؤه بالسهر والحمى متى أصابه مكروه أو ألمت به مصيبة.
هكذا أراد المؤتمر أن يقول في عاصمة الخلافة العثمانية الوريثة للخلافة العباسية التي يصل الصفويون ليلهم بنهارهم من أجل أن يفرغوا عاصمتها السابقة بغداد الرشيد من سكانها الآمنين من السنة وتحييد القرار والفعل السني في العراق، فالوقت وقت الشفافية والمصارحة وتقديم الحقائق غضة أمام من يعنيهم الأمر، فالفتنة أولى بها من أشعلها لا من نبه إليها أو وصف مجرياتها، فمحقق الجرائم حين يكتب فصول المؤامرة ويرسم حدودها لا يجني على المجرم ولا يحرض عليه وإنما يصف جريمته ويمنع تكرار الجريمة وامتدادها في بلدان تنتظر دورها أو تخشى غوائل الأزمة.
وشأن العلماء أن يبوحوا بكلمة الحق قوية وصريحة في وقت الأزمات وإلا غدت فتاواهم في أحوال الناس محل نظر، وحسبهم أن يجهروا بكلمة حق على منابرهم أو حتى على هضبة الأناضول، وأن يتداعوا بالتنبيه وطرق الأبواب لإنقاذ إخوانهم في بلاد الرافدين.. وغير صحيح أن مفهوم الجسد الواحد يتطلب دوماً إيجاد الحل والوصول بالمريض إلى الشفاء التام، وإنما يعني بذل المجهود في سبيل الشفاء ولو لم يملك الأعضاء إلا السهر أو الحمى؛ فالذي يبغيه السنة في العراق وهم يعانون ما يعانون، هو تفعيل كل أدوات الاستنهاض في الأمة وتحريك المياه الراكدة بسبيل إيقاف المجازر الرهيبة المنفذة ضدهم في أنحاء العراق المختلفة على أيدي فرق الموت المجرمة.
وإذا كان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر قد أطلق قديماً عبارته القائلة بأن "الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد" فإن ما قد لمسناه في مؤتمر نصرة أهل العراق بتركيا يبرهن على أن الطريق إلى بغداد يمر عبر اسطمبول، لا لأن هذا المؤتمر قد امتلك عصاً سحرية لحل الأزمة التي تمسك بأطرافها قوى عظمى وإقليمية ومحلية متنوعة، وإنما لأن ما بدا من تحرك إسلامي نخبوي هناك أماط اللثام عن تحول في مؤشر الاتجاه السني في العراق إلى الميل التام نحو المقاومة قد لا يكون المؤتمر مسؤولاً عنه بالضرورة، فما يعاينه السنة في العراق أكبر تأثيراً من أي كلمة تلقى هنا أو هناك، ولكنه مع ذلك يؤشر لمرحلة تتحدد فيها البوصلة السنية في العراق باتجاه هدف واحد معلن يسعى بشكل علني للخروج من ربقة الاحتلالين الأمريكي والفارسي معاً، وتدق فيها الأجراس في أكثر من عاصمة عربية أفزعتها الأزمة فأبطأت عن تفعيل دور إسلامي وقومي يستنقذ ما تبقى من العراق قبل أن تضيع آخر فرص انقاذ العراق.
الطريق لبغداد يمر عبر اسطمبول حقيقة، حينما تنثر الحقائق في وجه الجميع لئلا ننتقص من أطرافنا ونحن عاجزون حتى عن الصراخ، فالصراخ في مذهب البعض هو نوع من التحريض المدان حيث ينبغي لأهل السنة أن ينتظروا الذبح كالحملان بلا ضجيج!!
وفي لحظة الضعف تغدو كلمة حق زاهقة بغير سنان، "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".