أنت هنا

"نداء لأهل السنة".. خطوة في الاتجاه الصحيح
21 ذو القعدة 1427

لم يكن النداء الصادر عن ثلة كريمة من علماء السعودية ودعاتها تجييشاً طائفياً أو إشعالاً لنار الفتنة بين السنة والشيعة؛ فجل ما ورد في البيان لم يكن سوى توصيف لحالة مزرية استدعاها موقف طائفة أرادها كثير من أهل السنة في العراق شريكة في الوطن فتأبت إلا أن تكون خصماً فيه وردءاً للاحتلال، مستنكفة أن تكون طابوراً خامساً في جيشه إلا أن تكون في طليعة من يؤذون أهل السنة في العراق ويستحلون دماءهم وأموالهم.
وحين تكون الأنصال على الرقاب في العراق، يصبح الحديث عن التقارب المذهبي ضرباً من العبث نأباه على ذوي الرأي والمشورة، وحين تمسي العقيدة الرافضية الصفوية كتاباً مفتوحاً نقرأه من طهران إلى بيروت، حيث أبرز أبوابه أنهار من الدم تجري باسم تطهير العراق من "الصداميين والتكفيريين والإرهابيين" وهي ثلاثية غائمة تحوي في طياتها مسمى غامضاً آخر وهو "النواصب" الذي بدوره يقصد به على نطاق واسع في الخطاب الصفوي أهل السنة جميعاً، يغدو من العسير على طلاب الحق أن يبادلوا صراحة السنان ونفاق اللسان الصفويين بنظيريهما من المداراة وامتحال الأعذار، ليس لأن الأمر لم يعد يحتمل قدراً من المجاملات فحسب، بل لأن لسان السنة لسان صدق لا يقبل المناورات ولا يلجأ للتقية، تصديقاً والتزاماً لقول الله عز وجل: { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيِّنُّنه للناس ولا تكتمونه } (آل عمران:187).
والواقع أنه في ظل ارتفاع للنبرة العلنية الآن في العداء الصفوي لأهل السنة في العراق وفي غير العراق، يتأكد وجوب الحاجة إلى نوع من المكاشفة القاسية في رؤية المشهد وإن لم تسر دعاة التقريب والموادعة، لأن الوعي العام بات الآن مطلوباً وبإلحاح حيث الخطر على الأبواب ليس في العراق وحدها ولكن على صعيد أرض فسيحة وغالية ومؤثرة من الحوض الإسلامي الممتد، هذا الخطر المزدوج بين الصهيونية والصفوية، اللذين يتنازعان الهيمنة في المنطقة أو يتقاسمانها مثلما كانت الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية تفعلان وقت انهيار الدولة العثمانية المبتدئ قبل قرنين من الزمان أو إبان الحرب الباردة الأمريكية/السوفيتية.
وقد أحسن البيان حين تحدث عن الخطرين معاً، فهذا ما عليه جمهور غفير من الناس اليوم، إذ يعمد فريق من المعسكر الآخر في لبنان أو من يقترب منهم بنحو أو بآخر إلى حشر معارضيهم في زاوية ضيقة تلزم من فيها بالخيار بين المشروعين الأمريكي والصفوي الملتحف في لبنان بالمقاومة للصهيونية وفي العراق بمقاومة الإرهاب، والبيان يختط لأهل السنة طريقهم الانفرادي الأوحد مهما كان مكلفاً في ثمن نضاله ولأوائه ومعاناته، فلا هذا المشروع لنا ولا ذاك يحمينا، والقرار مبدئي تصدره عقيدة وتعززه سياسة ترى المشهد المأزوم مصداقاً لما قرأه طلاب العلم في كتب الأقدمين قبل مئات السنين مما حار فيه الخبراء والساسة بالأمس القريب، ولاقوه مخضباً بالدم في العراق ومفعماً بالبراجماتية في لبنان.
بقي أن نقول إن النداء الموجه لأهل السنة في العراق وغيره، والداعي لقدر من الحكمة من "المعنيين بالشيعة" في التعاطي مع الحرب الدائرة في العراق بمستوياتها المختلفة، والذي تحدث عن السواد الأعظم من الحالة الشيعية من دون أن يمس القلة الشيعية غير الراضية حقيقة عن زعامات شيعية تعشق الدم وتجهر بالعداء لأهل السنة وتسفه معتقداتهم، على ما فيه من خير، ليس إلا خطوة تستتبعها خطوات وفعاليات كثيرة تحقن الدم المسلم في العراق وتسعى إلى خلق وعي عام بالأزمة يستدعي بدوره ضغطاً عاماً لمساندة أهل السنة في العراق/الطرف المهضوم في العراق، المتعرض لشتى أنواع القهر والاضطهاد من المشروعين كليهما..