أنت هنا

عودة "أتاتورك"
29 شوال 1427

قبل ثمانين عاماً كان مصطفى كمال "أتاتورك" يسعى جاهداً للحاق بقطار الغرب.. حاول "أتاتورك" أن ينزع عنه وعن بلاده كل ما يتعلق بالإسلام أملاً في أن يمن عليه الغرب باعتراف بنسبة تركيا اقتصادياً وثقافياً إلى أوروبا.
مرت الأعوام الثمانون، وما زال "أتاتورك" يلهث.. حصدت تركيا الهشيم، وزرعت بأيديها القتاد، نطحت بقرنيها العلمانيين الصخرة المسيحية فلم تنكسر، ولم تفلح العقود الثمانية في زحزحة قناعة الأوروبيين باستحالة الجمع في تركيا بين العلمانية والإسلام..
أوروبا كانت صادقة مع نفسها "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"، وكانت تركيا في وهمها سادرة، وفشلت الأتاتوركية مثلما فشلت الشيوعية، وبقت الجذور جذوراً عصية على الاقتلاع، بيد أن بقايا الأتاتوركية ما زالت مبرمجة على أن تلدغ من الجحر الغربي مرات ومرات، مادمت مشدود لقبلتها الغربية الآمرة.
وعاد "أتاتورك" ليس في ذات مكانه الذي لم يبرحه والذي يشهد كل يوم مطالبات بعودة الحجاب وهدي الإسلام، وإنما عاد في أرض الكنانة، بلد الأزهر، وآلاف المآذن، فتفجرت الأزمة.. أزمة الحجاب التي يريد له البعض أن ينحسر وللسفور أن يفشو وللفاحشة أن تشيع.
بدا الأمر مبرمجاً ومتسارعاً، فمحال أن ينتفض الجميع ضد الحجاب والنقاب في كثير من بلدان العالم.. كتب جاك سترو مقالاً في صحيفة لندنية فسمعنا رجع الصدى في تونس والقاهرة والرباط.. وذهل العالم العربي والإسلامي من هذا التزامن الذي لم يقتصر على البلدان العربية، فهبت أوروبا تعزف على نغمة النقاب، فدخل النقاب في الدعايات الانتخابية الهولندية وتعرضت المنتقبات في ألمانيا وفرنسا لضغوط متزامنة، وهكذا..
ثم طفا موضوع الحجاب والنقاب على السطح في المنتديات والتحقيقات الصحفية، وامتلأت الصحف والمواقع المشبوهة بالحديث عن حوادث لمنتقبات، وطنطن كثيرون من أصحاب المدونات اليسارية العلمانية الرخيصة في مصر للحديث عن أن ما قيل عن التحرش الجنسي ليس مرده ملابس المرأة وإنما "لم يسلم من ذلك المحجبات وحتى المنتقبات أيضاً" على حد ما ورد في كثير من الأخبار التي تعرضت لهذه الحادثة، ويرفق موقع سعودي علماني شهير صور منتقبات أو مرتديات للعباءات كلما تحدث عن التحرش، وكأن ارتداء الملابس المحتشمة هو أمر مغر بالتحرش!! وعلت دعوات لتقنين الدعارة تحت طائلة منع "الهياج والسعار الجنسي" الذي يخيل للقارئ معه والسامع أنه حين يزور مصر سيكون بانتظاره وأهله مجاميع من الذئاب البشرية التي لا يردها حجاب ولا يردعها نقاب، فالحل إذن بفتح مزيد من المواخير لا الدعوة إلى التستر والعفاف!!
ثم تتصاعد الحملة مع بالون اختبار يطلق من وزير مصري يدعو إلى نزع الحجاب حتى عن زوجته الافتراضية، وحينما يزداد الرد عليه عنفاً يتم التراجع التكتيكي المؤقت، ولئن سألته ليقولن إنما كنت أدردش!!
وهكذا يكون الفرار والكرار بغية الوصول إلى مأرب يتقاطع مع رغبة صهيونية عالمية، "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب"..