أنت هنا

د.الدويك.. الأسد الأسير
23 رجب 1427

من داخل المحكمة الصهيونية الصورية الجائرة، وقف ليث المجلس التشريعي الفلسطيني المختطف يزأر في جنباتها: "أؤكد لهم (النواب الفلسطينيين) أنني على العهد صابر ومحتسب واهباً ما تبقى من عمري طاعة لله وخدمة لقضية أرض مسرى رسول الله والمسجد الأقصى المبارك"، وأضاف: "سأبقى الوفي لقضية الأسرى الذين هم خيرة أبناء شعبنا ويقضون زهرة شبابهم وراء القضبان والقيود والأغلال، وفي الزنازين التي لا يعرفها إلا من يعاني حرها".
وفي وجه خاطفيه صرخ بهم متحدياً: "لا أعترف بالمحكمة (الإسرائيلية)، وأنا أمثل جميع جماهير شعبنا وأتعامل ضمن صلاحيات قانونية ولا أخضع للقانون (الإسرائيلي)، وإن المحاكمة غير شرعية ولا أعترف بشرعيتها".
"إرادتنا أقوى من الاحتلال" قال الدويك، الذي بدا مصفداً بأغلال في قدميه، لم تثنه عن أن يطلق العنان لكلمات العزة التي لا تحدها القضبان..
إنه أنموذج فريد لحالة لا تكاد تتكرر من رؤساء المجالس النيابية في العالم العربي، الذين مردوا على القيام بدور تدجيني رخيص للشعوب لكي ترضى بأوضاعها المزرية، وتألف رؤية الحاكم "الإله" في الأسطورة العربية الحديثة!!
د. الدويك هو حالة فريدة نعم، ليس في إرادته الفولاذية فحسب، وإنما كذلك في مشروعية وجوده عبر خيار الشعب الفلسطيني الذي أقر به العالم أعداؤه وأصدقاؤه، وهو ما لا يتوافر ـ أو يكاد ـ لأي رئيس مجلس نيابي في العالم العربي من المحيط إلى الخليج، وربما لهذا السبب صار رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مقيداً بالأغلال، لأن أعداء هذه الأمة لا يقبلون بغير القيد للقادة، فمن حبس في جلده ارتعاباً وجبناً لا يحتاج إلى حبس الجسد، ومن كانت روحه حرة طليقة حملته الصهيوأمريكية على القيد، فكان قيد الجسد عنوان انطلاق الروح وتحررها..
هذا الرجل الذي ضاق به دهاقنة الديمقراطية فارتضوا له سجناً انفرادياً ومعاملة بالغة السوء في السجن بلغت حد إرغامه على تجرع مادة أفقدته توازنه وحركته لنحو يومين، فالكيان الصهيوني ومن ورائه أمريكا لا يريدان شخصية رسمية متزنة، فمن لم تفلح معه وسائل الإفساد والفساد كان الحل معه جرعات تغيبه عن اتزان لم يفارق شخصيته..
الكارهون للديمقراطية وهم المتشدقون بها في كل محفل حتى مجت الشعوب العربية أكاذيبهم لم يطيقوا أول تجربة ديمقراطية في العالم العربي فوأدوها وأودعوا الوزراء الفلسطينيين وكثير من النواب "التشريعيين" في غيابة السجن، ثم أردفوا بجريمتهم ـ بل فضيحتهم ـ النكراء باعتقال رأس المجلس النيابي الفلسطيني..
الكارهون للديمقراطية ـ وهم دعاتها ـ ضائقون كذلك بالعلم وأهله، فعمدوا إلى أكاديمية علمية متنقلة ـ هي الدكتور الدويك ـ فأودعوها بين جنبات سجن انفرادي، لتنتفع جدرانه بالدكتوراة في التخطيط الإقليمي والعمراني الحاصل عليها من جامعة بنسلفانيا- فليدلفيا الولايات المتحدة، وبماجستير التربية، وماجستير تخطيط المدن، وماجستير التخطيط الإقليمي والحضري.
مؤسس ورئيس قسم الجغرافية في جامعة النجاح، وعضو لجنة البحث العلمي في الجامعة، وعضو مجلس كلية الآداب في جامعة النجاح، و أمين سر نقابة العاملين في جامعة النجاح, ورئيس المجلس "التشريعي" الفلسطيني.. التربوي البارز والسياسي الحاذق والمجاهد الصابر، هو الآن مختطف بلا جريرة في سجون "إسرائيل" يسكت عنه العالم أو يغمض عينه عامداً ومازال يحتكر مسمى "العالم الحر".. أو ليست شعوبنا معنية في تلك اللحظة بأن تحيي قضيته وتسعي لتحريره من أيدي البغاة، ما دامت تبحث عن رموز (حقيقية) تحترم قضيتها وتعيش لها وبها..