أنت هنا

النمر الصهيوني الورقي
19 رجب 1427

} بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ{ [الحشر:14]
ثمانمائة ساعة من القتال في الجبهة اللبنانية لم تحد فيها الأحداث قيد أنملة عما تضمنته الآية الكريمة، فالخور يعترى القلوب الخائفة الجبانة حين يحمي الوطيس وتشتد الحرب، وقلوب يهود هي الأقرب إلى هذه الحال من بين النفوس البشرية.. تفزع لكل صيحة، فيصاب رجالهم ونساؤهم وذراريهم في مساكنهم بأمراض هيستريا الخوف ويولي جنودهم الأدبار في الميادين.. لا بل تطير الأخبار أنباء عن حالات هيستريا داخل الجيش عينه المدجج بأحدث أنواع الأسلحة وبكاء كالأطفال يبث عبر الشاشات!
تفي الدراسات الاستراتيجية بمعلومات هي صحيحة بالفعل لجهة التسليح وبأسه، قاصية عن الصواب فيما يتعلق بالقوة المعنوية المحركة للجيش، عن قوة الجيش الصهيوني وتفوقه عن كل الجيوش فيما يسمى بالشرق الأوسط.
وتسوق وسائل الإعلام جميعها في العالم هذه الأكذوبة حتى إذا ما التحمت الجيوش صدق فيهم قول السدي رحمه الله تعالى: "إذا لم يلقوا عدواً نسبوا أنفسهم إلى الشدة والبأس، ولكن إذا لقوا العدو انهزموا."[تفسير القرطبي]، والهزيمة اليوم مدوية تشي بأن جيش القوم لا يعدو كونه نمراً ورقياً وهالة لا ضوء لها ولا نار.
وفرار الجنود الصهاينة اليوم وتوليتهم الأدبار في كل معركة مع "حزب الله" في الجنوب اللبناني، وفشلهم في تحقيق أي من أهداف رئيسي حملتهم ـ خلاف الأهداف الجزئية التي حققوها ـ مع أنهم لم يكونوا يجابهون جيشاً كبيراً من الناحية العددية، فضلاً عن جدلية تسميته بجيش أم لا.
سبق أن مرغت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وجه هذا الجيش من قبل في أعقاب اغتيال القائد القسامي الأبرز "الشهيد" المهندس يحي عياش (5 يناير 1996)، وصمدت كل القوى المقاومة في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين إبان انتفاضة الأقصى بقيادة "الشهيد" محمود الطوالبة أحد أشهر قادة حركة الجهاد الإسلامي العسكريين (10 إبريل 2002) في معركة صمود أسطورية لم تنجح فيها "إسرائيل" بالسيطرة على المخيم إلا بعد إحالته لأطلال.
ونجحت كتائب القسام وشهداء الأقصى في تدمير الدبابة ميركافا 3 في الانتفاضة نفسها، وهي الدبابة الأكثر تحصيناً في العالم قبل أن يدمر "حزب الله" الشيعي كثيراً منها خلال الشهر الماضي، علاوة على مئات العمليات النوعية والبطولات الفردية التي جابه بها المقاتلون الفلسطينيون سرايا وكتائب بأكملها من دون أن يتسلل إليهم خوف.
الخوف إذن اصطناعي ومتوهم في الداخل العربي، ساهمت به جهات كثيرة أبعدها منا آلة الإعلام الصهيونية الأخطبوطية وأقربها إلينا ـ مكاناً ـ قوم من جلدتنا يصيحون بنا ليل مساء } إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ { [آل عمران : 174]، يرجفون بطرقات المدينة.. } يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ{ [التوبة : 47].
إن "إسرائيل" والولايات المتحدة قد شيدا صناعة عسكرية احترافية هائلة، كانت جديرة بأن تحققا من خلالها قصب السبق في السباق التسليحي في العالم، لكن هل يمكنهما أن ينتجا علاجاً للخوف الذي يملك عليهم حياتهم؟ هل يمكنهما أن يبثا في جندهما حب الموت وسمات الشجاعة والفداء؟