أنت هنا

ترسيخ العقيدة أم تلقينها؟!
27 جمادى الثانية 1427

كثيرون درسوا علم العقيدة الإسلامية, ونهلوا من معين تراث العلماء, وغاصوا في أبوابها؛ فكم منهم من أشربها نفسه وخالطت بشاشة الإيمان قلبه، فاستنار بها دربه ونضجت بها رؤيته وتفاعلت معها حياته؟
إن هذا المعنى تستدعيه لقطة من شريط الحياة حينما تمر فنلتمس معها قوة العقيدة الإسلامية في النفوس، فنألفها كما عهدناها درجات، يرقى إلى أعلاها أو يكاد هذا، ويخفق ذاك في أن يبلغ منها المعالي.
ونعود مع كواشف الأحداث لنصارح أنفسنا بكل شفافية، ونسأل كم بلغ الإيمان في قلوبنا؟ وما بال حصانتنا ضد بعض الفتن قد اهترأت, وما لقوانا أمامها قد خارت؟! ألأن بعضنا خالَ الإيمان تمنياً وتحلياً، فوقع فيما حذر منه حسن البصري رحمه الله حين قال فيما روي عنه "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل"؟! (قال ابن عثيمين رحمه الله: "ليس بالتمني بالقلب ولا بالتحلي بالجسد" [خطبة:المحافظة على الحج بعدم إفساده بالمعاصي]).
نؤمن بالآخرة ونقرأ في كيفية الإيمان بها وما تعنيه ثم لا نعمل لها إلا قليلاً، وندرس الإيمان بالملائكة وتدوينهم ما نعمل فلا نستحي منهم، وشدهم من أزر المؤمنين وشهودهم المغازي فلا نكاد نضعهم بالحسبان، ونتعلم "مدارج السالكين" فنحيد عن سلوكها إلا قليل ونذكر من الاستعانة بالله منازلها من دون أن تسكن بها قلوبنا على النحو الواجب أو نسكنها.
نحب كتاب الله، وندرس سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ونحب من يخالفه, ونتعلم أن الإيمان بصحابة النبي صلى الله عليه وسلم من تمام الإيمان وأن مبغضهم منافق معلوم النفاق وأن من يسبهم وأمهات المؤمنين على شفا جرف هارٍ، ثم نغدو بلا روية نتبع كل ناعق مثلما حذر الصحابي الكريم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فيما قد روي عنه فيما أوصاه لكميل بن زياد : " يا كميل : الناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلم على سبيل النجاة ، وهمج رعاع لا خير فيهم أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح مرسلة لا يهتدون بنور العلم ولا يلجؤون إلى ركن وثيق ".

إن دراسة العقيدة وأبوابها شيء جدير بأن توجه إليه الشعوب وتستمسك بمن يأخذ بأيديها لفهمها واستيعابها، وآكد منه أن نزرع هذه العقيدة في النفوس فتحيا بها وتموت لأجلها, وتمسك بكل دقيقة من حياتها وكل شاردة وواردة لها مصداقاً لقول الله عز وجل: }قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين{.
ولو كان أمر العقيدة يصلح لأن يختزل في متن يحفظ أو كتاب يدرس أو شهادة تمنح لكان الأمر هيناًً، ولما كانت الجنة محفوفة بالمكاره، ولما كان عرض الفتن على القلوب وإشرابها بالشيء الذي تهنأ معه النفوس وهي تمضي في طريقها إلى الله غير عابئة بما ينتقص مما تنعقد عليه الأفئدة ما دامت أوراق المتون سليمة وحفاظها لا ينسونها وشهاداتهم معتمدة ومجالسهم عامرة..