أنت هنا

نكاح المتعة
23 جمادى الأول 1427

قال _تعالى_: "وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً" (النساء:24).

ذكر أهل العلم قولان لهذه الآية الكريمة:
1 – منهم من حملها على الاستمتاع بالنساء بطريق النكاح المعهود الذي هو بولي وصداق وشاهدين.
2 – ومنهم من حملها على نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام.
والقائلين بهذا وذاك رأوا أن نكاح المتعة منسوخ... والله أعلم.

قال ابن جرير الطبري في التفسير(1):
اختلف أهل التأويل في قوله _تعالى_: "فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ".
فقال بعضهم: معناه ما نكحتم منهن فجامعتموهن يعني من النساء.
"فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً"
يعني صدقاتهن فريضة معلومة.

ثم أورد ابن جرير جملة الآثار التي تؤيده منها:
قول ابن زيد (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) قال هذا النكاح وما في القرآن إلا النكاح إذا أخذتها واستمتعت بها فاعطها أجرها أي "الصداق" فإن رخصت لك منه شيئاً فهو لك سائغ وفرض الله عليها العدة وفرض لها الميراث.
والاستمتاع هو النكاح ههنا إذا دخل بها.
قال الشيخ مصطفى العدوي: هذا إسناد صحيح إلى ابن زيد – وأورد ا بن جرير في هذا الباب جملة أخرى من الآثار فيها مقال عندنا. ثم قال ابن جرير:
وقال آخرون: بل معنى ذلك " فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ" بأجر تمتع اللذة لا بنكاح مطلق على وجه النكاح الذي يكون بولي وشاهدين ومهر.

ثم أورد جملة آثار في ذلك أيضاً منها ما ورد بأسانيد صحيحة إلى أبي نقرة أنه قال:
قرأت هذه الآية على ابن عباس – قال ابن عباس "إلى أجل مسمى" قال: قلت: ما أقرؤها كذلك!
قال: والله لأنزلها الله كذلك ثلاث مرات.

قال ابن جرير:
وأولى التأويلين في ذلك هو تأويل النكاح بولي وشاهدين ومهر لقيام الحجة بتحريم الله متعة النساء.
ثم قال وقد دللنا على أن المتعة على غير النكاح الصحيح حرام في غير هذا الموضع من كتابنا بما أغنى عن إعادته.
وأما ما روي عن ابن عباس وأبي بن كعب من قراءتها: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمى) فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين وغير جائزة لأحد أن يلحقها في كتاب الله _تعالى_ شيئاً لم يأت الخبر القاطع عمن لا يجوز خلافه.

قال ابن كثير: أي كما تستمتعون بهن فآتوهن مهورهن في مقابله كما قال _تعالى_: "وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ" (النساء: من الآية21).
وقوله _تعالى_: "وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً" (النساء: من الآية4).
وقوله _تعالى_: "وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً" (البقرة: من الآية229).
وقوله _تعالى_: "أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً" (النساء: من الآية20).
وقد استدل بعموم الآية على نكاح المتعة... ولا شك أنه كان مشروعاً في صدر الإسلام ثم نسخ بعد ذلك.

وقد ذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى أنه أبيح ثم نسخ مرتين وقد روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها للضرورة وهو رواية عن أحمد.
والعمدة في ذلك ما ثبت في الصحيحين.
عن علي بن أبي طالب قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر...
قال القرطبي:
الاستمتاع هو التلذذ والأجور المهور وهذا نص على المهر يسمى أجر وذلك في مقابلة البضع؛ لأن ما يقابل المنفعة يسمى أجراً ثم قال:

قال ابن خويز منداد: لا يجوز أن تحمل الآية على جواز المتعة؛ لأن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ نهى عن نكاح المتعة وحرمه ولأن الله _تعالى_ قال: "فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ" (النساء: من الآية25).
ومعلوم أن النكاح بإذن الأهلين هو النكاح الشرعي بولي وشاهدين ومهر ونكاح المتعة ليس كذلك.
وقد نقل القرطبي: "أن الأمر في نكاح المتعة استقر على التحريم".

وذهب الطحاوي إلى أن الأخبار الواردة في إباحة نكاح المتعة منسوخة وقال: "هذا عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ قد نهى عن متعة النساء بحضرة أصحاب النبي _صلى الله عليه وسلم_ فلم ينكر عليه أحد منهم".
وفي هذا دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه ويعتبر هذا إجماعاً بل وحجة على المخالفين.

قال ابن عبد البر: بعد أن ذكر أثراً لابن عباس في الباب... وأما سائر العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المخالفين وفقهاء المسلمين فعلى تحريم المتعة منهم مالك بن أنس في أهل المدينة والثوري وأبو حنيفة في أهل الكوفة والشافعي ومن سلك سبيله من أهل الحديث والفقه والنظر بالاتفاق والأوزاعي في أهل الشام والليث في أهل مصر وسائر أصحاب الآثار.
ونقل ابن العربي أن الإجماع قد انعقد على تحريمها.
قال الشيخ مصطفى العدوي: لعله يعني إجماع المتأخرين من أهل السنة... والله أعلم.

قال ابن قدامة: بعد أن ذكر تعريف المتعة... فهذا نكاح باطل نص عليه أحمد فقال نكاح المتعة حرام وقال أبو بكر فيها رواية أخرى أنه مكروه غير حرام لأن ابن منصور سأل أحمد عنها فقال اجتنبها أحب إليّ قال فظاهر هذا الكراهة دون التحريم وغير أبي بكر من أصحابنا يمنع هذا ويقول في المقالة رواية واحدة في تحريمها وهذا قول الصحابة والفقهاء.

قال الخطابي:
تحريم نكاح المتعة كالإجماع بين المسلمين وقد كان ذلك مباحاً في صدر الإسلام ثم حرمه في حجة الوداع – وذلك في آخر أيام رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فلم يبق اليوم خلاف بين الأئمة إلا ما ذهب إليه الروافض.

قال الحافظ ابن حجر:
وجزم جماعة من الأئمة بتفرد ابن عباس بإباحتها فهي من المسائل المشهورة وهي نادرة المخالف ولكن قال ابن عبد البر أصحاب ابن عباس من أهل اليمن ومكة على إباحتها ثم اتفق فقهاء الأمصار على تحريمها.

________________
(1) تفسير الطبري (8/175).