أنت هنا

ضبط الفتوى ...لمن ؟ ولأجل ماذا ؟
22 جمادى الأول 1427

ينشط الحديث من وقت لآخر حول مسالة ضبط الفتوى تأسيسا على ما يحدث من ممارسات فكرية وسياسية وحركية يراها البعض غير صحيحة ويرى أنها انطلقت من فتاوى شرعية غير صائبة صدرت من شخصيات ليست جديرة بتبوء منصب الإفتاء .

ورغم ما يبدو عليه هذا المصطلح وهذه العبارة من جاذبية إلا أن ذلك لا يعني أبدا أن يسلم مروجوه والمتحمسون له من الوقوع في معضلات شرعية وواقعية عندما يأتي الحديث عنه تفصيلا عبر طرح علمي جاد بعيدا عن التهريج الصحفي والعموميات الفضفاضة .

و المتحدثون عن ضبط الفتوى أو جلهم ، يرددون هذا المصطلح و أعينهم على فتاوى معينة يرونها سبب المشكلة وهي الفتاوى التي تتعلق بحوادث واقعية أو أحداث سياسية أو توجهات فكرية .

إذا فالأمر في مبتدأه يشوبه غبش وهو الانتقائية في الحديث عن هذه القضية وإرادة تحويلها إلى مناطق فكرية معينة تخدم توجها دون آخر .

ثم لما يأتي الحديث عن سبل تنزيل هذا المصطلح الجميل على أرض الواقع نراه يقف أمام جملة من العوائق أولها مصادمته لمبادئ طالما نشط الناس في تأصيلها والدفاع عنها بحق وبدون وجه حق كمسالة حرية التعبير وحرية الاعتقاد وحرية الممارسة .

ثم حين يدور الحديث عن ضبط المفتين فما هو السبيل ؟
ما هي المحددات التي سيتأسس عليها منع شيخ من الإفتاء دون الأخر ؟
هل سيكون ذلك تبعا للولاء السياسي ؟ أم للعلاقات الشخصية؟ أم للمقومات العلمية المنهجية ؟
و إذا منعنا الشيخ من الظهور في وسائل إعلامنا التي نملكها ونحتكرها فهل سنمنعه من أن يفتى لعامة الناس في المسجد والشارع ؟ هل سيعاقب لو أنه تحدث مع جاره ؟ مع طلابه فأفتى لهم ؟

وإذا منع ناس دون آخرين من الإفتاء ، فكيف نقصر الناس على أن يستمعوا للشيخ الفلاني دون الأخر ؟

هل سنعاقب الناس حين يقتنعون بصحة فتوى ويتبنونها ويعملون بها وقد جاءت إليهم من خارج مناطقنا التي نسيطر عليها ؟

إن ما يجعل العالم مفتيا يستمع له الناس وينقادوا لرأيه ليس رقما وظيفيا في ديوان الخدمة ولا مكتبا فخما مزينا بأغلى الأثاث ولا علاقة ودية مع المسئول الأول !
إنها تاريخ مشرف في طلب العلم وتأصيلا علميا منهجيا واستقلالية تامة بعيدا عن ضغط السلاطين و ضغط الجماهير !


إذن ما الحل ؟
إن أحد الحلول التي يمكن أن تخدم القضية محل الإشكال و التي ربما نتفق إلى حد ما مع من يطرحها – وخاصة حين ننظر إلى جرأة الصحفيين والكتاب عديمي العلم الشرعي على التصدي للإفتاء - هو أن يتربى الناس على الطرق المنهجية العلمية في تلقي الفتاوى والعمل بها .
وهذه مسالة منهجية وتربوية طويلة الأجل وتعيش مع الناس كل وقت وحين وليست رهنية برنامج حكومي أو حملة إعلامية تنتهي بعد زمن .

يجب أن يتربي الناس على اتباع العلماء الربانيين والسماع لهم وفق الأسس الشرعية الصحيحة التي دلت عليها النصوص من الكتاب والسنة .
ثم أن يتربى الناس على اتباع الدليل والسؤال عنه وليس التسليم بالفتوى واتباعها في سلبية تامة ويكون هذا - بلا شك - بحسب حال المستفتي وحظه من العلم والفهم .
السؤال عن الدليل والسير وراءه بعيدا عن الضغوطات الواقعية والميولات الشخصية وغيرها من
العوامل غير المقبولة شرعا التي تحرف الفتوى عن مسارها- إما تمييعا وإما تشديدا - وتوقع المفتين والمستفتين في حرج شرعي وواقعي .

وباختصار فإن موضوع الفتوى هو مسألة قديمة كتب عنها العلماء من جميع جوانبها كمسألة الإلزام بالفتوى واختلاف المفتين وقصر الفتوى على عالم دون أخر وعرضوا فيها وجهات نظر شرعية مبنية على الأدلة فلتكن هي بدايتنا للتعامل مع الموضوع وليس مقالا صحفيا ذا توجهات مريبة .