أنت هنا

الاغتيال جواً: منهج بني النضير يمتد حتى اليوم!!
14 جمادى الأول 1427

ذهب النبي _صلى الله عليه وسلم_ بنفسه الشريفة إلى بني النضير يستحثهم على المساهمة في دفع دية تتحملها المدينة بمسلميها ويهودها من قتل عمرو بن أمية الضمري رجلين من بني عامر لربيع الأول من السنة الثالثة من الهجرة, وقد كان عمرو قتلهما دون أن يعلم أنهما قد عادا للتو من المدينة حيث أعطاهما رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ الأمان.. وجد اليهود الفرصة سانحة لقتل النبي.. في بادئ الأمر "قالوا: نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت، مما استعنت بنا عليه . ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله _صلى الله عليه وسلم_ إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد - فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحدهم فقال أنا لذلك فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ورسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي، رضوان الله عليهم. فأتى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ الخبر من السماء بما أراد القوم فقام وخرج راجعا إلى المدينة (..) وأمر رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بالتهيؤ لحربهم والسير إليهم(..) ثم سار الناس حتى نزل بهم (..) فحاصرهم ست ليال" ثم أجلاهم.(الروض الأنف ج 3).
اليهود في ذلك الوقت كانوا مجاورين للنبي _صلى الله عليه وسلم_ في المدينة, ورجل يمضي بلا حرس يمكنهم ـ في الذهن البشري اليهودي ـ أن ينالوا منه في عدة مشاهد ومواضع, لكنهم اختاروا وسيلة جبانة للنيل منه.. الفكرة الاغتيالية في العقلية اليهودية كامنة تستحثها لحظة سانحة, تواردت أفكار الجميع هناك في البيت اليهودي أن اقتلوا محمداً.. أما الوسيلة فهي غير مكلفة بشرياً : إلقاء رجل صخرة على النبي _صلى الله عليه وسلم_ من أعلى البيت.. "صخرة من علٍ على الهدف"..
"إلقاء قنبلة أو صاروخ من علٍ على الهدف" هذا النمط هو ما أصبح مألوفاً يهودياً في الحال المعاصر, وهو البادي جلياً منذ زمن في داخل فلسطين من عمليات استهدفت قادة وزعماء من المقاومة الفلسطينية أبرزهم الشيخ أحمد ياسين (زعيم حماس) وآخرهم جمال أبو سمهدانة (قائد لجان المقاومة الشعبية الفلسطينية), وما استنسخ في عملية اغتيال أبي مصعب الزرقاوي (زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين), في منظومة اغتيالات عديدة لم تكلف المنفذين قطرة دم واحدة, بما يتسق مع قوله تعالى "لتجدنهم أحرص الناس على حياة"..
إنه منهج قديم لا يخدشه الاختلاف التقني بين الصخرة والقذيفة, ولا ينزع عنه اطراده مسافة الإلقاء, ولا قيمة المستهدف, لأنه بالنهاية فعل جبان ينم عن الغدر والخسة وإن تبلور استراتيجياً ليصير طريقة تقودها "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية لإسكات مناوئيهما بأي وسيلة شر, حتى لو لم تكن ملتحفة بأي دثار من العدالة والإنصاف والقيم.. أوليس من أريد له أن يقتل غيلة من بني النضير لم يكن معهم في حال حرب وحضر إليهم راغباً بوفائهم بما انعقدت عليه العهود؟! أوليس جاءهم خير البرية فسعوا لقتله؟! فما العجب أن يسعى الأحفاد لاغتيال من هم دونه بالطائرات الشاهقة الارتفاع.. هذا منهج لم يتغير.. وحيث لم يتغير فقد يكون الأحفاد سائرين على دربهم المظلم وإلى مصيرهم الأسود, مصير الجلاء أو الانسحاب.. يقول كعب بن مالك مذكراً بإجلاء بني النضير :
لقد خزيت بغدرتها الحبور كذاك الدهر ذو صرف يدور
وذلك أنهم كفروا برب عزيز أمره أمر كبير
...
فلما أشربوا غدراً وكفراً وحاد بهم عن الحق النفور
أرى الله النبي برأي صدق وكان الله يحكم لا يجور
فأيده وسلطه عليهم وكان نصيره نعم النصير
... ...
فتلك بنو النضير بدار سوء أبارهم بما اجترموا المبير
...
فذاقوا غب أمرهم وبالاً لكل ثلاثة منهم بعير
وأجلوا عامدين لقينقاع وغودر منهم نخل ودور