أنت هنا

غرقى جيبوتي.. مضوا في سبيل دعوتهم
10 ربيع الأول 1427

"هؤلاء الذين يتجولون الآن ينشدون توجيه الناس إلى الإسلام وترغيبهم في الآخرة، وتزهيدهم في الدنيا وتشجيعهم على طاعة الله ورسوله، وقد تأثر بهم الجم الغفير يصحبهم الفساق والعصاة، فيرجعون بعد ذلك عباداً أخياراً قد تأثروا بهذه الدعوة.
هذا هو الذي علمنا منهم، وقد صحبهم جم غفير من إخواننا، وعرفوا ذلك، وعندهم بعض النقص، والجهل كما سبق وفيهم جهال يريدون الخير فإذا صحبهم أهل العلم والبصيرة وأهل العقائد الطيبة نبهوهم على بعض الأغلاط وساعدوهم على الخير، وصارت الدعوة أكثر نفعاً وأكمل بلاغـاً" [الشيخ ابن باز فتوى بتاريخ 15/4/1407]
خرج نحو ثلاثمائة من جماعة الدعوة والتبليغ ـ الذين تحدث عنهم العلامة ابن باز في فتواه ـ في إحدى جولاتهم قاصدين نشر دعوتهم في القرن الإفريقي عن طريق البحر, فصارعت سفينتهم موجة صغيرة حتى غرق منهم سبعون, وفُقِد منهم عشرون, وأصيب منهم ستة وثلاثون, وأنجى الله الباقين قبالة مدينة تاجورة الجيبوتية حيث كانوا يشاركون في مؤتمر دعوي هناك قبل يومين.
وجماعة الدعوة والتبليغ هي جماعة خرجت من قرية نظام الدين بالقرب من نيودلهي عاصمة الهند على يد الشيخ محمد إلياس قبل قرن ونيف من الزمان بهدف الدعوة والبلاغ, وتعتمد طريق تزكية النفوس, ويحرص أصحابها على دراسة القرآن وتعليمه وتطبيب نفوسهم بالآداب والحث على الصدقات, ويتبدل أميرها كل ثلاثة أشهر, غير أنها لا تتعاطى السياسة ويخرج أصحابها على نفقاتهم الخاصة في جولات دعوية بعضها محدود الزمن (3 أيام) شهرياً, وبعضها ممتد زمنياً (40يوماً) سنوياً, وهو ما يأخذه عليها منتقدوها, ولها نشاطات في أرجاء العالم المختلفة.
وفي خروجها هذا, كانت هذه المأساة التي عزتها مصادر إعلامية إلى تحميل السفينة الغارقة بثلاثة أضعاف حمولتها, فحال بين وصول ركابها والنجاة موجة صغيرة لم تصمد أمامها السفينة فانقلبت.
صار البحر الأحمر الآن مقبرة بحرية لركاب كثيرين يمضون في سبيل الله إن حجاً أو عمرة أو دعوة إلى الله سبحانه وتعالى, وفي معظم الأحيان تُلقى المسؤولية على كيان مبهم هو الإهمال الجسيم والتقصير المميت, ولعل هذا الحادث يطرق المسامع في بحر العرب السابق لحديث سيظل هامساً إذا قارن بين رحلات بحرية في سبيل الله وأخرى للسياحة في البحر العربي ذاته من بلدان الشمال الأوربي.. كم تنال هذه وتلك من حظوظ الاهتمام..
المقارنة ضيزى أيضاً إذا ما قورنت الأموال التي ينفقها هؤلاء في رحلاتهم التي ترتفع بلا داع مع ندرة الخدمات بل والأسباب الرئيسة للنجاة في الأولى, والأسعار المخفضة والخدمات العالية والاهتمام الوافر بالثانية..
لم يمض شهران على مأساة العبارة السلام 98 المصرية حتى لحقتها رفيقة البحر في جيبوتي والهدف في كليهما للركاب بين كد وجهد في طاعة الله, وفي كليهما لا يرشح الصندوق الأسود عن شيء اللهم إلا عن سواد القلوب وموات الضمائر وغياب المروءة..وفي الحالتين كان القتلة يريدون أن يكمل الركاب المساكين طريقهم للقاء ربهم.. حسناً, فليمضوا ـ بإذن الله ـ إلى رب رحيم لا يُظلم عنده أحد.. "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"

بقلم: أمير سعيد