أنت هنا

"كاترينا" في طريقه إلى البيت الأبيض
4 شعبان 1426

كان يجب انتظار مرور أربعة أيام حتى تكتمل الصورة القاتمة عن هول الكارثة التي ضربت الجنوب الأمريكي في ذهن الرئيس بوش و حينما وصل يوم الجمعة، الثاني من الشهر الجاري إلى لويزيانا لم يجد عبارة تشرح بدقة الحالة النفسية و العجز الذي أبداه إلا قوله: "إن الوضعية لأسوأ بكثير مما يمكننا تصوره".

لقد اكتشف الأمريكيون و العالم من ورائهم على شاشات التلفزيونات صورا فظيعة عن أحياء مهجورة و أناس بؤساء يفترض أن أمثالهم لا يُتواجدون في بلاد في مثل قوة و سمعة الولايات المتحدة بل و الأفظع من كل ذلك صور أولئك المسلحين الذين لا هم لديهم غير النهب و الاستحواذ على كل ما يمكن تملكه في شبه قريب غريب مع ما حدث في العراق عند سقوط نظام صدام على الرغم من أن هؤلاء الأخيرين كانوا قد شكلوا لأسابيع طويلة وقتئذ موضوع فاكهة المجالس العامة و الخاصة في الجهات الأربع للعالم على عكس الصور الجديدة و التي أثبتت أنه لا فرق بين العقليات حتى وإن اختلفت التسميات و الأوطان.

إن الرقم الدقيق لعدد الضحايا لا يمكن تحديده الآن فهو من رتبة الآلاف علاوة على أن سيناتورا من تلك المنطقة سارع إلى التأكيد بأنه يتجاوز العشرة آلاف قتيل.
إن الصور القادمة من لويزيانا تذكرنا بتلك التي كنا قد رأيناها قبل أقل من عام و نعني بها هنا صور تسونامي جنوب شرق آسيا الذي ضرب هناك في الأسبوع الأخير من العام الماضي، لم يكن بمقدورنا أن نتصور أن نفس صور ذلك الدمار قد تتكرر في بلد يفترض أن الأكثر تطورا و قوة على المستوى العالمي و لكنها ربما المناسبة المناسِبة للأمريكان لكي يكتشفوا أنهم يضمون العالم الثالث بين جوانبهم أيضا و بالتالي فإن لهذه الكارثة الطبيعية تأثيرات سياسية و أخرى اجتماعية.

لقد ضرب الإعصار النقطة الأكثر حساسية لأن كل العالم يدرك أن نيو أورليانز هي المكان الأكثر قابلية للإصابات الطبيعية عبر كامل تراب الولايات المتحدة حينما تعجز السدود التي أنشئت لأجل هذا الهدف عن فعل أي شيء و التي أهمل ترميمها تقشفا قبل أن يظهر أن هذا القرار جر على ساكنيها الكارثة و ها هي إحدى أكبر حواضر الجنوب الأمريكي تتحول إلى مدينة شبح لأسابيع أو لشهور ربما.
إن نيو أورليانز الواقعة على مصب نهر الميسيسيبي، تعتبر أهم منفذ على السهول الكبرى في الوسط الغربي (The MidWest) للولايات المتحدة و هي لا تعد كنزا ثقافيا فحسب، بل إنها مدينة إستراتيجية بالنظر لموقعها في قلب الصناعات البتروكيميائية الأمريكية إلى درجة أنها كانت خلال فترة الحرب الباردة، إحدى الأهداف المفترضة للهجمات النووية باحتمال أكثر من ذاك الذي كان يحيط بنيويورك و لوس أنجلوس.

صحيح أن الأضرار التي لحقت بمراكز تكرير النفط و بمنشآت الميناء هي من الصنف القابل للترميم بالنظر للقدرات الأمريكية و لكن تهجيرها لمئات الآلاف من الأشخاص و تحولهم إلى البطالة الاضطرارية ستكون أثارا ذات تبعات ربما على قدر من الخطورة غير المسبوقة.
أن يحدث كل هذا و أن يُتوقع هذا الإعصار بما أنه كان قد تكون في خليج المكسيك و لا تتوقع هذه الدرجة من الدمار لا يعني سوى أن هذا يضيف لحالة الفوضى الحالية مزيدا من مشاعر العجز.
لقد ضرب "كاترينا" المجتمع الأمريكي في أضعف حلقاته. في هذا الجنوب الأمريكي حيث ما زالت التوترات و الانقسامات العرقية تشكل لحد الساعة أحد مظاهر الحياة اليومية لساكنيه، يمثل السود و غير البيض على وجه العموم أول المرشحين ليكونوا أكبر ضحايا هذا النوع من الأعاصير و الفيضانات التي تليها عادة فهم الذين يسكنون المناطق المكشوفة زيادة على أنهم لا يملكون الوسائل التي سمحت لغيرهم بالهرب و الابتعاد.
إنهم هم الذين يعيشون الضائقة حاليا و يستحقون النجدات العاجلة بما أنهم هم المتضررون الفعليون مما أسمته النيويورك تايمز "الانهيار التام لكل أشكال التنظيم الاجتماعي" لأن هذه الحالة هي درس جديد من هذه "القوة العظمى" القادرة على قلب الأنظمة في العالم و العاجزة عن فعل أي شيء في وجه هذا التصعيد الطبيعي الذي ضرب الداخل.

إن هيئات الدولة لم تكن قادرة على فعل أي شيء مثلما أن مصالح النجدة كانت غير كافية من غير الحديث عن الضعف المسجل في قضية حفظ النظام العام ثم لا يجب أن ننسى هنا تلك المجموعة من الدراسات التي أثبتت بصفة قطعية عدم قدرة تلك المجموعة من السدود على حماية نيو أورليانز.
إنه و في الوقت الذي يسجل فيه الرئيس بوش منذ عدة أسابيع أرقام قياسية في موضوع تدني شعبيته حتى و إن كان هذا يعد استثناء لرئيس في مستهل عهدته الانتخابية الثانية و هي بالمناسبة الفرصة السانحة التي رأى فيها البعض مدى خطأ إصرار الولايات المتحدة على إنفاق المزيد من مئات الملايين من الدولارات بما أنها غير قادرة على تأمين حاجيات داخلية ضرورية.
الجواب عن هذا التساؤل سيكون جوهر السياسة الأمريكية خلال الأشهر القادمة على الأقل زيادة على أن "كاترينا" قد يمثل لأمريكا منعرجا كذلك الذي أوجده "11/9".

مر الإعصار إذن و لكن هذا لا يعني أنه سيكون آخر الأعاصير، ما زال هنالك إعصار من نوع آخر، إعصار سياسي بإمكانه أن يصيب كل الولايات المتحدة هذه المرة و إذا كان الرئيس بوش قد صار يعرف على أنه "رأس المصائب" فهو هذه المرة أمام اختبار صعب قد يجعل من قدرته على شحذ كل الإمكانات الوطنية عملا شاقا هذه المرة فليس هنالك جهة تعبأ الأمة ضدها كما كانت الحالة قبل أربع سنوات زيادة على أن كل مناوئيه قد قرروا ألا يتركوا الفرصة هذه المرة تمر من غير أن تقلم أظافر هذا الكاوبوي.

في رسالة كتبها يوم الجمعة الماضي السينمائي المشاكس و المعارض دوما للساكن الحالي للبيت الأبيض، مايكل مور، عنونها: "انتهت العطلة" طالبه فيها بأن يسارع إلى إيجاد العدد الكافي من المروحيات العسكرية لأجل التعجيل بترحيل الثلاثمائة ألف منكوب من المدينة المصابة و اختتمها بجملة واضحة جدا: "يجب عليك أن تتصرف كما لو أن نيو أورليانز هي مدينة تقع بالقرب من تكريت".