29 محرم 1429

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته<BR>زوجتي حصلت على قرار ابتعاث لدولة أستراليا لدرجة الماجستير تخصص كيمياء، وسأكون مرافقاً لها، وسأكمل دراستي أثناء المرافقة بإذن الله، وهناك محاولة لتغيير مقر البعثة إلى دولة ماليزيا، وزوجتي ولله الحمد مستقيمة، والله حسيبها، ولدينا طفلان لم يتجاوزا ثلاث سنوات.<BR>ما رأي فضيلتكم في الدراسة في الخارج علماً بأنه تعذر إكمالي للدراسة في الداخل بحجة أن تقديري جيد.. ولديَّ طموح كبير؟<BR>

أجاب عنها:
إبراهيم الأزرق

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد: أخي الكريم.. شكر الله لك حرصك على السؤال، ولا يخفاك أن دين المسلم رأس أمره كله، ولعل سؤالك نابع عن استشعار هذا المعنى، ومخاطر الابتعاث لم تعد تخفى بعد تكرر أحداث مختلفة لابد أنه قد نمى إليك علم بعضها، ومجموعها يثبت ما قرره علماؤنا من خطره، وهذه المخاطر بعضها يتعلق بالمرء نفسه، وبعضها يتعلق بذريته، بعضها يتعلق بعزته، وبعضها يتعلق بدينه، وقد تتعلق بغير ذلك. وحسبي أن أستدل لذلك في هذا المقام بقول بعضهم، ومن ذلك ما جاء في كتاب المشكلة الشرقية ونصه: "لاشك أن المبشرين فيما يتعلق بتخريب وتشويه عقيدة المسلمين قد فشلوا تماماً، ولكن هذه الغاية يمكن الوصول إليها من خلال الجامعات الغربية... إن اعتقادي القوي بأن الجامعات الغربية يجب أن تستغل استغلالاً تاماً جنون الشرقيين بالدرجات العلمية والشهادات، واستعمال أمثال هؤلاء الطلبة كمبشرين ووعاظ لأهدافنا ومآربنا باسم تهذيب المسلمين والإسلام". ويقول سمث، صاحب "الإسلام في التاريخ الحديث": "إن من أهم أسباب حركة الحرية والإباحية التي تسود اليوم العالم الإسلامي، ومن أكبر عواملها نفوذ الغرب، فقد بلغت هذه الحركة أوجها في أوروبا من أواخر القرن التاسع عشر إلى الحرب العالمية الأولى.. وقد سافر كثير من الشباب المسلم إلى الغرب، واطلعوا على روح أوروبا وقيمها، وأعجبوا بها إلى حد، وينطبق هذا بخاصة على الطلاب الذين درسوا في جامعات أوروبا بعدد لم يزل يزداد مع الأيام، وهم الذين سببوا استيراد كثير من أفكار الغرب وقيمه إلى العالم الإسلامي" . وقد قال أحد المجربين الناصحين:" إن التعليم -الغربي- هو الحامض الذي يذيب شخصية الكائن الحي، ثم يكونه كما يشاء، إن هذا الحامض هو أشد قوة وتأثيراً من أي مادة كيماوية، هو الذي يستطيع أن يحول جبلاً شامخاً إلى كومة تراب" . وإن لم يكن شيء من هذا فلا تحسبن أن من جاء إلى ديار الإسلام وكان محافظاً على شعائره باقياً على ثوابته قد فاز ونجا، فكفى بالمرء إثماً أن يقيم بين ظهراني الكافرين يكثر سوادهم، وتجري عليه أحكامهم، ويخالط عامتهم، ويرى منكراتهم، فمخالفة الله سبحانه وتعالى في تلك الديار واقعة في أكثر المعاشرين والمجاورين، ومعاصي الله عز وجل ظاهرة، ومحارمه منتهكة، والكفر باد مستطيل، فلا إنكار ولا مُنكر، ولا مفارقة ولا هجران لمرتكبي ذلك، وهذا لا يكون مع تمام الإيمان إلاّ من عذر، وإلاّ فقد قيل: كثرة الإمساس تقلل الإحساس. فكيف إذا اجتمع إلى ما سبق التضييق الذي نشهده على كثير من المسلمين ولا سيما المحافظين على هويتهم في بعض بلاد الكفر؟ فكيف إذا ضم إليه خطر تنشئة الأطفال في مثل تلك الأجواء وهم في مرحلة عمرية حساسة؟ ولا أخال في الغالب –وفقاً لواقعنا اليوم- أن دراسة الكيمياء في تلك البلاد من قبل زوجك من الضروريات أو الحاجات التي تنزل منزلتها وتغلب مصلحتها، ولهذا فإني لا أنصحك بالسفر إلى بلاد الكفر لأجل ما ذكرت، بل لا أنصح رجلاً بالسفر من ديار الإسلام إلى بلاد الكفر من أجل الدراسة إلاّ إن كان يحصل بسفره علماً لا سبيل له في بلده وفقاً لبرنامج واضح، وكان له مشروع بيّن يطبق فيه ما تعلمه بعد الدراسة، فيعود نفعه على أمته ويسد بما تعلمه حاجتها. أما الذي يريد شهادة يحسن بها من وضعه ومقامه فخير له منها أن يعصم نفسه ويحفظ دينه. وما أنصحك به أن تحسم أمر السفر إلى استراليا أولاً، فإن تيسر لك سفر إلى بعض بلاد الإسلام التي تظهر فيها الشعائر، وتُنكر فيها المنكرات، ويغلب على أهلها دين الإسلام فالحمد لله. ولعل مما يعينك على اتخاذ هذا القرار ما يلي: أولاً: القراءة في فتاوى علمائنا الموثوقين وما قرروه في شأن السفر إلى بلاد الكفر، أو الابتعاث للتعليم، كفتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد العزيز بن باز، رحمهما الله، ولهما في هذا الصدد كلام محرر. ثانياً: أن تعلم أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك لن تدع شيئاً اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خيراً منه" . ثالثاً: تذكر أن حفظ الدين غُنم لا يعدله شيء، وأن بركته تعود على المرء في دنياه وآخرته. رابعاً: تذكر أن المسلم لا ينبغي له أن يُعَرِّض نفسه لمواطن الفتن ومواضع الريب، وأن هذا لا يجتمع مع حفظ الدين إلاّ إن اقتضاه مقتض قوي يسوغه، وسل ربك مقلب القلوب التثبيت فكم زلت قدم بعد ثبوتها كان يُرى أن مثلها لا تزل. خامساً: فرص الدراسة أصبحت متيسرة في كثير من الميادين عن بُعد، فمن كان قصده العلم فقد يجد سبيلاً لتحصيله عن بعد إن لم يجده في بلده أو في بلد لا يزال أهله محافظين على هويتهم الإسلامية في الجملة. هذا واللهَ أسأل أن يعلمني وإياك ما ينفع وأن ينفعنا بما علم، وأن يوفقك لما فيه الخير، وأن يقدره لك حيث كنت، وأن يثبتنا وإياك على الدين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.