11 ذو القعدة 1426

السؤال

عصرنا عصر تلاطمت فيه الفتن والمغريات , فكيف نربى أولادنا التربية الإسلامية الصالحة ؟

أجاب عنها:
علي الزباني

الجواب

إنه سؤال خطير , يوقظ للعمل , ويشعر بحجم المسؤولية , وثقل الأمانة الملقاة على عاتق الوالدين، خاصة في هذا العصر المليء بأنواع المغريات والفتن ، وفي هذه العجالة نسلط الضوء على هذه القضية في محاولة لإبراز أهم الأمور التي يجب الاعتناء بها لزرع القيم في نفوس الأبناء : 1- الاعتناء بالأسرة عند نشأتها , وذلك من خلال الاهتمام بحسن اختيار الزوجة والحرص على عنصر الدِين , مع المحافظة على بيئة جيدة محافظة من الجيران والأقارب والأصدقاء . 2- الحرص على زرع القيم والمبادئ من الطفولة المبكرة , وعدم تكرار العبارة المشهورة : ( ما زال الوقت مبكراً ) إن هذه العبارة تدمر هذا الصغير ولا تبنيه , فقد أخبر نبينا _صلى الله عليه وسلم_ بأن زرع هذه القيم والمبادئ تبدأ من وقت مبكر 0" ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" رواه الشيخان عن أبي هريرة . إنها رسالة واضحة جداً , بأن هذا الصبي الصغير قابل للنقش عليه وصنعه من مراحل مبكرة جداً , وفي قضايا دقيقة جداً كقضية التدين مثلاً . وأثبتت الدراسات المعاصرة أن شخصية الطفل تبنى تربوياً في السنوات الخمس الأولى , فأين نحن منها ؟ ( وقد لا حظ الباحثون في النمو العقلي للطفل أن ذكاء الطفل يتم بنسبة 50% في السنوات الأربع الأولى , و 30% ما بين الرابعة والثامنة , و 20% ما بين الثامنة والسابعة عشرة) ( محمد بن عبد الرحيم عدس : الآباء وتربية الأبناء ص 17 ) . 3- قيام الوالدين بهذا الدور الخطير , وعدم جعل أشخاص آخرين يتولون ذلك وأقصد بهم الخدم والسائقين فإن تأثيرهم كبير على حياة الأبناء . 4- توفير قدوات داخل المنزل تتمثل هذه الأخلاق في حياتها , ليقتدي بهم الأبناء فالكذب والغش وبذاءة اللسان وغيرها من الأمور التي ينبغي للمربي أن يبتعد عنها لتصل بطريقة عملية للأبناء . 5- الاهتمام بالمراحل العمرية وإعطاء كل سن ما يناسبه , فابن الثالثة مثلاً لا يدرك المعاني ولا يفهمها كالرحمة مثلاً والعفو وغيرها , وإنما يتعلم من المحسوسات أكثر، وقد أعتنت الشريعة بهذا الجانب فأمرت الوالدين بتعليم الناشئ الصلاة وهو ابن سبع سنين , وأمرت بالتفرقة في المضاجع وهم أبناء عشر وهكذا . وهنا قضية أرجوا أن ينتبه لها الوالدان والمربون وهو ربط الحقائق الشرعية بأمور يفهمها الأبناء فتصل إلى آذانهم بأسرع ما يمكن . فمثلاً لو جئنا إلى قيمة الفضيلة والرذيلة , يمكن أن نشرح لأبنائنا الساعات الطوال عن هذه القضية , لكن لو قلنا لهم وشرحنا : - تأثير الحقد والحسد على ضغط الدم والقلب . - تأثير الفواحش في صحة الجسم , والأمراض الفتاكة التي تنقلها . - تأثير الصدق والعفة على راحة الجسد , وحصول الطمأنينة داخل النفس . - اندفاع الدم في شرايين الجسد حالة السجود في الصلاة , والتأثيرات الإيجابية لذلك . - التخريب والفساد الذي يلحقه حب الانتقام والأثرة والبغضاء بأبناء المجتمع . فلنحاول أن نقرب هذه المعاني بأساليب رائعة وجديدة حتى تصل إلى أذهان أطفالنا وترسخ فيها , وكثير من الأطفال لا يأكلون التفاحة لأنها مفيدة , بل لأنها عطرة الريح،لذيذة الطعم. 6- وضع ضوابط داخل المنزل وخطوط حمراء ينبغي أن لا يتجاوزها أحد من أفراد الأسرة , فيمنع رفع الصوت والسب والكذب وهكذا , وفي المقابل يثنى على المحسن والصادق وحسن الأخلاق . 7- توفير البدائل وتوجيه الطاقات . فالنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية , فلا ينبغي أن يترك الأبناء في فراغ نفسي يجعل الرذائل تتعلق بهم وتعيش معهم , ومن الخطأ أن تكبت طاقات الأبناء , ولكن الصواب هو توجيهها الوجهة الصحيحة . 8- حصار الرذائل . ينبغي للمربي أن يحاصر الرذائل في المكان الذي يستطيع السيطرة عليه , وما لا يدرك جُلّه , لا يترك كله , وتكمل هذه القضية عندما تتفق الأسر القريبة من بعض على إيجاد بيئة محافظة فيما بينها كالجيران والأقارب ونحوهم , ولنتذكر قول النبي _صلى الله عليه وسلم_ :" لا تصاحب إلا مؤمن , ولا يأكل طعامك إلا تقي" إنه درس في انتقاء العناصر التي تعينك على طاعة الله وتحثك عليه , وقضية الأكل في الحديث قضية مهمة؛ لأن الأكل دائماً يدل على التقارب والجلوس والمصافاة , فاختير له من يناسبه . لقد ولى زمان العبارة المتكررة ( لقد أديت واجبي , ونصحت له ) بل الواجب اليوم الرقابة الدائمة حتى لا يقعوا في أي فخ . ولكي يقوم الوالدان بدورهم في هذه القضية على أتم وجه , هذه مقترحات سريعة لمن لهم الشأن في ذلك :- - العمل على إنشاء مراكز التوجيه الأسري لتبصير الآباء بدورهم التربوي . - العمل على فتح المدارس بالفترة المسائية لتعليم الوالدين , حتى تكون المدرسة فعلاً مؤسسة تربوية , وبدلاً من الدورات التي تقصم الظهر بالمبالغ الباهضة ولو أضفت لها ( لا ) لكان أصح لتصبح (دولارات ) . - تفعيل هذه القضايا في وسائل الإعلام وباستمرار . - تكريم الأسر المتميزة ومن لهم تجارب ناجحة مع أبناءهم . - تفعيل دور المسجد واستثماره في زرع القيم والمبادئ . - إصدار صحف مجانية يتبناها أصحاب الصلاح توزع على الأسر لرفع المستوى التربوي , أليست هذه المجلة أهم من إعلان عن بيع جوال أو نحوه ؟ ! هذه مقترحات أضعها بين يديك أيها المربي الكريم , وكلي أمل في أن تتواصل معي في هذه الزاوية من خلال البريد الموجود , وفقك الله ورعاك .