25 محرم 1439

السؤال

اعترض بعضهم في رسالة جوال على ما يذكر في الكتب المدرسية من أن تسمية الرسول بالأمي لأنه كان لا يقرأ ولا يكتب، فقال: هذا ليس بصحيح، بل هو كذب كيف يكون ذلك؟! والله يقول: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، وكيف يعلمهم من هو أميٌّ؟ّ بل سمي أميًّا نسبة إلى أم القرى، وهي مكة. ثم قال في ختام الرسالة: انشر تؤجر. فهل هذا الكلام صحيح؟ جزاكم الله خيرا.

أجاب عنها:
عبد الرحمن البراك

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فهذا الكلام الذي جاءك ـ أيها السائل ـ في رسالة الجوال، كلام باطل لا أصل له، وهو خلاف معنى الأميِّ في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ) فمعنى الأميِّ في الآية عند المسلمين وجميع المفسرين الذي لا يكتب ولا يقرأ المكتوب، كما يدل عليه قوله تعالى: (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)، متفق عليه، وفي الصحيحين من حديث البراء أن عليًّا رضي الله عنه قال في كتاب الصلح بين المسلمين والمشركين: (هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله)، فقال المشركون: لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك ولبايعناك، وفي ورواية، وما قاتلناك ـ ولكن اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، فقال: (أنا والله محمد بن عبد الله، وأنا والله رسول الله )، قال الراوي: وكان صلى الله عليه وسلم لا يكتب، قال: فقال لعلي: (امح رسول الله)، فقال عليٌّ: والله لا أمحاه أبدا، قال صلى الله عليه وسلم: (فأرينه)، قال: فأراه إياه فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده. فقوله: (أرنيه) راجع إلى أنه عليه الصلاة والسلام لا يحسن قراءة المكتوب، وأميُّته صلى الله عليه وسلم من أدلة نبوته، كما أشارت إليه الآية المتقدمة: (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ) الآية، وصاحب هذه الرسالة وأمثاله يريدون تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بنفي الأمية عنه، فزعموا أنه يقرأ ويكتب، فناقضوا بذلك ما دلَّ عليه القرآن، وما أجمع عليه المفسرون والمسلمون في جميع الأعصار، حتى حدثت فيهم هذه المقالة البدعية.

      أما استدلال هؤلاء بقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ) فلا دلالة في الآية على مطلوبهم؛ لأن تلاوته صلى الله عليه وسلم للكتاب الذي هو القرآن كانت عن ظهر قلب؛ فقد كان يتحفظه حين يلقيه جبريل عليه، حتى كان يحرك لسانه حرصا على حفظه، فقيل له: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) الآيات. ثم كان يمليه صلى الله عليه وسلم على كتَّاب الوحي، ولم يكن له صلى الله عليه وسلم مصحف يقرأ منه، وهكذا كان أصحابه، فكثير منهم يحفظ القرآن، أو يحفظ شيئا منه، وكان لبعضهم مصاحف، ومضى هذا في المسلمين، منهم ومنهم. إذا علم هذا فلا يجوز ـ حينئذ ـ نشر هذه الرسالة، وليبلَّغ مرسلها بهذا التعليق إن كان معروفا. والله أعلم. 
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أملاه: عبد الرحمن بن ناصر البراك في 25 محرم الحرام 1439ه.