16 جمادى الثانية 1438

السؤال

أنا شاب ملتزم وأمي تعرض علي الزواج من فتاة غير ملتزمة من الأقربين فهل أطيعها أم لا؟!

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

الحمد لله وبعد: الأخ السائل: هناك عدة نقاط قد تساعدك في فهم موقفك الذي أنت بصدده:

أولا: الزواج سنة نبوية مباركة وقيمة اجتماعية فاضلة، أمر بها الرسل الكرام، وشدد على المسارعة إليها النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم فقال: "يا معشر الشباب من استطاع الباءة منكم فليتزوج"، فلا شك إذن في فضيلتها سواء للمجتمعات على استقرارها ونشر الخلق الحسن فيها وعلى الأفراد في عفتهم وسكونهم ورقي حياتهم ونشر النسب الكريم وزيادة التناسل الصالح وبناء الأسر النافعة الصالحة.

 

ثانيا: طاعة والدتك واجب شرعي آخر مأمور به في كل الشرائع ومؤكد عليه في شتى الثقافات، والوالدة دائما محبة للخير الحاصل لابنها، مسارعة للنفع المأمول له، تتمنى صلاحه وفلاحه كأكثر ما يكون الناس.

 

ثالثا: كونك متدينا ملتزما بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم يزيد من التأكيد عليك في المسارعة للزواج كونك قدوة لغيرك ومسارعا في الاستنان بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، وعفة لنفسك ولتشارك في بناء جيل مسلم صالح قوي.

 

رابعا: تعريف الالتزام بالنسبة للفتاة أمر قد يختلف فيه الناس، ولست أدري على أي رؤية وصفت الفتاة التي قد اختارتها والدتك بكونها غير ملتزمة، فهناك الالتزام بالحجاب الشرعي والسلوك الخلوق، وهناك التزام بالعبادات والصلوات والأذكار وقراءة القرآن، وهناك الالتزام بالأعمال الخفية الصالحة التي هي في القلب، يدل عليها حب الدين وطاعة الله فيما أمر ورسوله فيما شرع ونصح، والالتزام إنما يكون بجميع ذلك، وقد يتفاوت الناس في بعضه.

 

خامسا: أهم أنواع الالتزام وأول ما ينبغي عليك النظر فيه هو صلاح القلب، فهو إذا صلح فإن صلاح الجوارح سهل يتبعه، ولا يحتاج سوى مجرد نصيحة صادقة أو تذكرة نافعة أو تعليم وبيان..

 

سادسا: هناك ضابط آخر مهم أيضا هو البيئة الأخلاقية والإيمانية التي تربت فيها الفتاة ونوعية الوالدين من حيث الصفات وأصل العائلة من جهة الإيمان والأخلاق فهذا ضابط مهم جدا هو الآخر ينبغي البحث عنه والاعتناء به.

 

سابعا: لا تهمل سؤال الناس من المعارف الثقات والجيران الصالحين والأصدقاء الناصحين عن أسرتها وعاداتهم وصلاحهم، كما لا تهمل الكفاءة المتناسبة بينكم في الثقافة والاجتماع فهي أمر مهم أيضا في الاختيار، كذلك القبول النفسي الذي يدعوك إلى الرغبة في الزواج بها.

 

ثامنا: فيما يخص إلزامك بقبول من اختارتها أمك من فتاة غير ملتزمة، فقد أجاب الإمام ابن باز رحمه الله على ذلك بقوله: "الزواج لا بد فيه من الرغبة، يقول الله جل وعلا: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} فإذا كانت المرأة المخطوبة لا تناسبك ولا ترضاها ولا ترغب فيها لم يلزمك طاعة والديك في ذلك؛ لأن هذا شيء يخصك وأنتَ أعلم بنفسك ولا يجوز لهما إلزامك الزواج من امرأة تكرهها، هذا لا يجوز لهما، والله تعالى أوجب عليهما الإنصاف والعدل، فليس لهما إجبارك على ما يضرك، وأنت أيضاً لا يلزمك طاعة الوالدين في غير المعروف، إنما الطاعة في المعروف، وليس من المعروف أن تطيعهما في امرأة لا ترضاها، ولا تناسبك، أما إذا كنت ترضاها وتناسبك وأحبا أن تتزوجها فهذا خيرٌ إلى خير، فتطيعهما؛ لأنها مصلحة واحدة، أما امرأة لا ترضاها لضعف دينها وإما لعدم جمالها، وإما لأسباب أخرى تعلم بنفسك أنك لا ترغب فيها وتخشى من أن تخسر بدون فائدة فإنه لا يلزمك ولا يجوز لهما إلزامك، ولكن تسترضيهما بالكلام الطيب، والأسلوب الحسن حتى يخضعا لقولك وحتى يرضيا بالمرأة المناسبة، نسأل الله للجميع الهداية.

 

وأخيرا فعليك بعد أن تتدبر فيما سبق من نقاط أن تبني قرارك على اعتبار الرغبة في طاعة أمك والوصف الصحيح للفتاة التي قد اختارتها لك، فإن وجدتها لا تتصف بما سبق من صفات خير فحاول جاهدا وبكل طريق مهذب وحسن ولطيف ورقيق أن تفهم والدتك رؤيتك وأسباب رفضك أو أسباب قبولك وأحسب أنها ستتفهم قرارك إن شاء الله.